المسيح يتنبأ عن موته
"وَأَخَذَ الاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: "هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إلى أورُشَلِيمَ وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هو مَكْتُوبٌ بِالأنبياء عَنِ ابن الإنسان 32لأنه يُسَلَّمُ إلى الأُمَمِ وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ 33وَيَجْلِدُونَهُ وَيَقْتُلُونَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ". 34وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ شيئاً وَكَانَ هَذَا الأمر مُخْفىً عَنْهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ"
الإنجيل حسب لوقا " 18: 31-34
كان تلاميذ المسيح يسوع قد عاشوا معه نحو ثلاث سنين ولكنهم لم يفهموا السبب الرئيسي لمجيئه إلى العالم ألا وهو للقيام بمشيئة الله لأنقاذ العالم من براثن الخطية والشر والهلاك. وكان المسيح يعلم بأن ذلك لن يتم بدون آلامه وموته وقيامته من الأموات. وكانت الحكمة البشرية ترتئي أموراً مخالفة للحكمة الإلهية ولم تتصور بأن الطريق الوحيد للخلاص كان سيمر بأكمة الجمجمة ويتمركز بصليب خشبي. لكن طرق الله ليست بطرق الإنسان ومشيئة الله هي التي ستتم في النهاية بالرغم من معارضة الناس لها.
وقد أفهم السيد المسيح تلاميذه عدة مرات بأن الطريق الذي كان يسير عليه منذ ولادته في بيت لحم بفلسطين لم يكن مؤدياً إلى عرش أرضي بل إلى الصليب. وفي مناسبة سابقة لدى اعتراف بطرس بأنه له المجد كان مسيح الرب علق على ذلك قائلاً " إِنَّهُ يَنْبَغِي أن ابن الإنسان يَتَأَلَّمُ كثيراً وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ " (الإنجيل حسب لوقا 9: 22). وفي مناسبة أخرى قال المسيح لتلاميذه " 44"ضَعُوا أَنْتُمْ هَذَا الْكَلاَمَ فِي آذانِكُمْ: أن ابن الإنسان سَوْفَ يُسَلَّمُ إلى أَيْدِي النَّاسِ". 45وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هَذَا الْقَوْلَ وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ وَخَافُوا أن يَسْأَلُوهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ " (الإنجيل حسب لوقا 9: 44و45)..
ومرت الأيام والأسابيع بسرعة وها أن المسيح وتلاميذه على وشك الذهاب إلى المدينة المقدسة حيث كانت ستتم جميع النبوات المتعلقة بالمسيح المنتظر. وهذا يفسر لنا لماذا أخذ له المجد يقول "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما كتب بالأنبياء عن ابن الإنسان. فإنه سيسلم إلى الأمم ويستهزأ به ويهان ويبصق عليه، ثم يجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. أما هم فلم يفهموا من ذلك شيئا وكان هذا الأمر خافيا عنهم ولم يدركوا ما قيل".
يعلمنا السيد المسيح قبل كل شيء أن الأنبياء كانوا قد تنبأوا عن آلامه وموته. مثلاً كان النبي إشعياء الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد في القدس كان قد تنبأ في الفصل الثالث والخمسين من نبوته عن هذا الموضوع قائلاً بوحي من الله "4لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأوجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. 5وَهومَجْرُوحٌ لأجل مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأجل آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إلى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. 7ظُلِمَ أَمَّا هو فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إلى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أرض الأَحْيَاءِ أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أجل ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ " (نبوة إشعياء 53: 4-9).
نتعلم أيضاً من كلمات المسيح بأنه هو أيضاً كان ملماً كل الإلمام بموضوع انتهاء حياته على الأرض بشكل أليم ومريع فالموت على الصليب لم يكن مفاجأة له لأنه كان قد وفد عالمنا ليعطي ويبذل نفسه كذبيحة وككفارة عن خطايا الناس. ومع إدراكه بكل ذلك فإنه له المجد لم يعش عيشة الخوف والانكسار بل كان يهتم إلى آخر لحظة من حياته بخير الآخرين. ومجرد إنسان لا يستطيع أن يحيا حياة طبيعية إن كان عالماً كل العلم بجميع تفاصيل نهايته. لكن ابن الإنسان أظهر بسيرته الكاملة وباتزانه العجيب حتى في أحلك ساعات حياته الأرضية أنه لم يكن ابن الإنسان فقط بل أنه كان منذ الأزل ابن الله الوحيد.
كان موقف تلاميذ المسيح من هذه الكلمات مشابهاً تماماً لموقفهم في مناسبات سابقة ولم يفهموا كلمات سيدهم ولم يقبلوا تعاليم الأنبياء. والسبب الرئيسي لغلاظة قلوبهم هو أنهم لم يرغبوا في قبول تعاليم الوحي الإلهي الرئيسية تلك التي أكدت من أيام إبراهيم وموسى وغيرهم من رجال الله أن مهمة المسيح المنتظر الرئيسية كانت مهمة فدائية وخلاصية وأن ذلك الفداء والإنقاذ لن يتما بدون سفك دماء مرسل الله: يسوع المسيح. وكلمات المسيح كانت تعارض بشكل مستقيم تعاليم علماء وفقهاء اسرائيل من معاصريه الذين كانوا قد حوروا وغيروا تعاليم الكتاب مدعين بأنها كانت تشير إلى أن المسيح كان سيكون بطلاً عسكرياً وسياسياً يحارب الرومان ويعيد إليهم عز داود وسليمان. وقد بقي هذا "الستار التقليدي" محيطاً بقلوب وعقول التلاميذ إلى أن تحققت نبوات الوحي ومات المسيح على الصليب وقام من الأموات في اليوم الثالث. وإذ ذاك اعترف تلاميذ المسيح بغلاظة قلوبهم وتركوا تعاليم زعماء اسرائيل وذهبوا إلى أقاصي العالم منادين بإنجيل الخلاص والتحرير والإنعتاق من عبودية الشيطان. ووعدوا كل من آمن بالمسيح كمخلص ورب بغفران خطاياه وبحياة أبدية في ملكوت الله المجيد، آمين.
- عدد الزيارات: 3219