من هو المسيح؟
يا صديقي العزيز، إني على يقين بأنك تريد الآن أن تسأل السؤال الذي يطرحه كثيرون، والذي هو أحد أهم الأسئلة في العالم، وهو عمّن يكون هذا الشخص العظيم الذي أوجزت لك للتو تاريخه. إن كتباً ضخمة كثيرة كُتبت إجابة على هذا السؤال، ورغم أنه يصعب أن نشرح باختصار عمن يكون يسوع المسيح، سأحاول الآن أن أفعل ذلك. بما أن المعلومات الموثوقة الوحيدة المتعلقة بهذا الأمر موجودة بالكتاب المقدس، فسأعتمد عليه وحده فيما سأكتب.
من الروايات عن حياة يسوع المسيح التي لدينا في الأناجيل الأربعة نجد أنه كان إنساناً حقاً. ورغم أنه لم يكن لديه أب بشري، إلا أنه كان ينحدر، من خلال أمه مريم، من نسل داود النبي العظيم وملك إسرائيل. لقد كان ينمو في الجسد والروح كما كل الأولاد. كان يأكل الطعام وينام. وكان يعمل كنجار بجدٍ واجتهاد. لقد كان على معرفة وألفة بكل أفراح وأتراح وآلام الناس التي يختبرونها في حياتهم على هذه الأرض. ومن هنا فإنه قادر على أن يتعاطف معنا في كل خبراتنا البشرية. بما أن يسوع كان إنساناً كان في مقدوره أن يتزوج وأن ينجب أولاداً، إلا أنه لم يفعل ذلك. وقراره كان بلا شك إطاعة لإرادة الله له. ورغم أن يسوع كان إنساناً حقاً، إلا أنه كان مختلفاً عن الناس من عدة نواحٍ. كما أوضحتُ للتو، كل الناس، حتى الأنبياء والأتقياء من العهد القديم، عصوا الله أحياناً وبالتالي خطاةٌ هم. ولكن في كل حياته، لم يقل يسوع أو يفعل أو يفكر بأي شيء يتعارض مع مشيئة الله المقدسة. إنه الإنسان الوحيد الذي بلا خطيئة. ليس فقط أنه لم يرتكب أي خطيئة، بل إن إرادته كانت متطابقة تماماً مع إرادة الله. إنه بالفعل الإنسان الكامل الوحيد الذي عاش على هذه الأرض.
الناس الذين شهدوا أعمال المسيح انذهلوا من قدرته. التقى يوماً بأعمى منذ مولده ومنحه البصر. وفي مناسبة أخرى، عندما هبّت عاصفة قوية وكادت تغرق السفينة الصغيرة التي كان وتلاميذه يعبرون بها بحر الجليل، أمر الريحَ والأمواج، فهدأ البحر. ونادى يوماً من القبر رجلاً يُدعى لعازر كان قد مضى عليه أربعة أيام وهو ميت، فقام الميت وسار خارجاً من القبر حياً. والأغرب من كل ذلك، هو أن يسوع، وقد تنبّأ بأنه سيرجع إلى الحياة ويلتقي بتلاميذه في اليوم الثالث بعد موته، قد فعل ذلك فعلاً. هل من إنسان سوى يسوع أمكنه أن يفعل ذلك على الإطلاق؟ مَن مِن الناس قام من الموت ولم يمت ثانيةً؟ ما من أحد. ومن هنا فإن هذا دليل على أن يسوع، وإن كان إنساناً حقاً، فإنه كان أعظم إنسان على وجه الأرض. فمن كان هذا الشخص إذاً؟
كما قلتُ آنفاً كان يسوع قد أعلن بنفسه أنه ابن الله. وذلك ليس فقط أمام مجلس اليهود خلال المحاكمة، بل أيضاً في مرات كثيرة عديدة قبل ذلك. إضافة إلى ذلك، كان دائماً يشير إلى الله قائلاً "أبي". وفي إحدى المرات، عندما قال: "أنا والآب واحد"، أراد أعداؤه أن يرموه بالحجارة، لأنهم اعتقدوا أنه كان يُجَدّف. ولكننا نعلم أن يسوع لم يكن كاذباً أو مجدّفاً، لأن كل ما قاله كان صحيحاً حقيقياً. علينا أن نتذكر أن من يقول بأن يسوع ليس ابن الله هو الذي يعتبر يسوع كاذباً، ولو كان كاذباً لما آمن به أحد. ولكن يسوع، بإعلانه أنه ابن الله، إنما كان يكرر وحسب ما كان الله قد قاله بصوت صدر من السماء عند معموديته يقول: "أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ!" في كل الكتب التي كتبها الرسل عن يسوع يُقال مرات كثيرة أن يسوع هو ابن الله، وكل المسيحيين في العالم يؤمنون بأن هذا حقيقي. بالتأكيد أنت تفهم أن هذا التعبير يُستخدم ليس بالمعنى الجسدي بل المعنى الر وحي. فمن الأكيد والواضح أن الله لم يتخذ له زوجة ولم ينجب ابناً، إذ أن هذا أمر مستحيل بالكلية وغير معقول.
يُدعى يسوع في الإنجيل أيضاً "كلمة الله". بينما يُعبر اللقب "ابن الله" عن قرابته لله واتحاده به وهو أبوه الحقيقي، يدلنا اللقب "كلمة الله" على أنه بيسوع المسيح يتكلم الله إلى الناس. لذلك مكتوب: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ. كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ. كَانَ فِي الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ. وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" (يوحنا 1: 1- 14).
هذا يعني أن الله، الذي كان قد أعلن عن نفسه سابقاً من خلال الأنبياء والكتابات في أسفارهم، كشف نفسه أخيراً بشكل كامل من خلال شخص كامل. وهذا الشخص أعظم بكثير من أي نبي، وهو حقاً واحد مع الله. إذ أن هذه الآية من الإنجيل تخبرنا أن الشخص هو كلمة الله وابن الله. فمن البدء كان واحداً مع الله، ومن خلاله خُلِقت كل الأشياء. ثم، في وقت معين، اتخذ كلمة الله السرمدي رداء الإنسانية في رحم العذراء مريم، فصار يسوع المسيح. ولذلك نرى أنه كانت لديه طبيعتان: طبيعة إلهية وأخرى بشرية. يسوع المسيح هو إله وإنسان بآن معاً.
أولئك الرسل اليهود الذين آمنوا أولاً بيسوع كانوا مُوَحِّدِين متزمتين (يؤمنون بإله واحد)، أي يؤمنون أن الله واحد. ولكنهم بعد مكوثهم مع يسوع لأكثر من سنتين صاروا مقتنعين بأن معلمهم كان واحداً مع الله. ومن هنا جاء اعتراف بطرس. "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ" (متى 16: 16). وكذلك توما، عندما رأى يسوع حياً بعد قيامته من بين الأموات، صرخ هاتفاً: "رَبِّي وَإِلَهِي" (يوحنا 20: 28). وفي كلا الحالتين أطرى يسوع على إيمان هذين الرسولين، وقال لتوما: "لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا" (يوحنا 20: 24- 29). هذه الطوبى والبركة هي لنا اليوم إن آمنّا أنه ابن الله.
والآن أعلم أنك ترغب في أن تسأل: "أنى ليسوع المسيح أن يكون ابن الله وواحد مع الله في حين أن الله واحد؟" هذا بالفعل سر عظيم أكبر من أن تفهمه عقولنا الصغيرة. من يستطيع أن يعرف بشكل كامل جوهر (ذات) الله أي طبيعة أو شخصية الله سوى الله نفسه؟ ولكن علينا أن نتذكر أن الله قدير، وما من شيء مستحيل عنده سوى ما يتناقض مع إرادته المقدسة. إضافة إلى ذلك، نرى في عالم الطبيعة، الذي خلقه الله، شيئاً يوضح، ولو بشكل غير كامل، هذه الحقيقة العظيمة. انظر إلى الشمس في السماء، إنها كبيرة جداً وحارّة لدرجة أنها لو اقتربت من الأرض لهلكنا جميعاً. وانظر إلى السماء التي ترسل شعاع شمسٍ، متّحداً معها تماماً، ومن خلاله تضيء وتدفئ أرضنا. وبطريقة مشابهة فإن إلهنا العظيم يرسل نوره، المتحد به، إلى عالمنا ليعطينا الحياة. الله يدعو ذلك النور كلمته وابنه. ذلك النور صار يسوع المسيح، الذي قال عن نفسه: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يوحنا 8: 12). عندما نرى ضوء الشمس نرى الشمس، وكذا عندما ننظر إلى يسوع المسيح نرى الله. قال يسوع يوماً: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ (أي الله)" (يوحنا 14: 9). ولذلك، فإننا نحن المسيحيين على يقين بأن الله نفسه قد جاء إلينا بابنه يسوع المسيح.
يا صديقي، هل يبدو لك غريباً أن الله القدير يأتي بهذه الطريقة إلى أرضنا ليُخلِّص الناس الخطأة؟ ولكن تذكر، إن الله، الذي هو عظيم جداً، يسلك دائماً بدافع الحب، وبمجيئه بيسوع إلى عالمنا أظهر بشكل كامل محبته الإلهية لنا. لا ريب أنك سمعت قصة الملك الصالح الذي أحب الشعب في مملكته كثيراً لدرجة أنه كان أحياناً يخلع ثيابه الملوكية ويرتدي ثياب إنسان فقير ويذهب إلى بيوت الفقراء يتكلم إليهم ويساعدهم. هذا مثل توضيحي غير وافٍ ليُظهر كيف أن ابن الله، الذي كان واحداً مع الآب، قد غادر المجد السماوي، وجاء إلى الأرض وعاش في فقر كإنسان ليُظهر للناس محبة الله وليأتي بهم إليه. يا لها من محبة عظيمة مذهلة!
- عدد الزيارات: 5490