هل الأمراض و المصائب هي نتيجة عقاب الله على الخطية؟
الصديق الكريم
يتساءل بعض المؤمنين عن الآلام والأمراض والصعاب التي يتجاوزونها خلال حياتهم على الأرض، وإن كانت هذه عقاب الله على خطية معينة يرتكبونها. إليك هذه الحادثة التي جرت مع يسوع عندما كان يجول في الأرض.
الإنجيل بحسب مرقس البشير، والإصحاح الثاني.
"ثم دخل كفرناحوم أيضا بعد أيام فسمع أنه في بيت. وللوقت إجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب.فكان يخاطبهم بالكلمة.وجاءوا إليه مقدمين مفلوجا يحمله أربعة. وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع كشفوا السقف حيث كان وبعد ما نقبوه دلوا السرير الذي كان المفلوج مضطجعا عليه. فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج يا بني مغفورة لك خطاياك.
هذه القصة التي حدثت مع يسوع قصة عادية بالنسبة لما فعل من قبل كان الناس يقدمونه له المريض، و كان يسوع عندما قال للمفلوج: يا بني مغفورة لك خطاياك. وقد نتساءل عن علاقة الخطايا وغفرانها بالمرض، مرض الشلل هذا. وحين ندرس أفكار الناس في ذلك العصر نفهم لماذا قال يسوع: يا بني مغفورة لك خطاياك. كان الناس في ذلك الزمان يربطون الالم بالخطية، كانوا يعتقدون أن كل ألم جسدي أو نفسي إنما مصدره الخطية أي عصيان الله الذي سبب نـزول غضبه تعالى على المخطىء. واليوم، ألا يوجد بيننا من يعتقد بهذا ? ألا نفكر نحن أيضا و نحكم على الآخرين من مجرد رؤيتهم يتخبطون في ألم ما ?
قد يصاب جارنا أو صديقنا بوفاة أحد أفراد أسرته فنقول لقد حكم الله عليه بالحزن لأنه أغضبه وأخطأ أمامه. و قد يحدث لشخص حادث إصطدام فنربط هذا الحادث بالخطايا التي نظنه فعلها، وقد يسقط أحدا فريسة مرض ما فنفكر فورا في سيرته أمام الله وهكذا. وحين تفعل هذا ألا يجدر بنا أن نعود إلى أنفسنا لنعرف أن كنا أفضل من ذاك الذي أصيب بالألم ?
بلا شك أن المرض والآلام هي نتيجة مباشرة للطبيعة البشرية الساقطة التي حصلنا عليها في اللحظة التي أخطأ فيها الإنسان لأول مرة. فمنذ ذلك الحين إبتدأ الجسم البشري يختبر الفساد و المرض والآلام، ألام الموت. ولكن هذا لا يعني أن كل مرض أو مصيبة هي قصاص من الله وعقاب على خطية معينة قد قام بها الإنسان إذ أن لله مقاصد عديدة من كل أمر يحدث في حياتنا.
وكثيرون منا مثلا سمعوا بأيوب النبي الذي إشتهر بصبره رغم الألم الجسدي والنفسي. وقصة النبي أيوب معروفة للجميع إذ سمح الرب أن يفقد أولاده وغنمه وأرزاقه وسمح أيضا أن يصاب جسده بالقروح وبكل نوع من أنواع المرض الجلدي حتى فقدت زوجته الأمل في حياته وقالت له: بارك الرب ومت. جاء أصدقاء أيوب لزيارته في محنته هذه وليحملوا له العزاء. هذا هو القصد من زيارة المريض طبعا، وإلا فلماذا نـزور أحد المرضى إن لم نرد أن نحمل له معنا إبتسامة وعزاء روحيا ونفسيا. جاء أصدقاء أيوب وأخذوا يوبخونه قائلين بأن في حياته خطية. فأجاب أيوب بأن لا خطية في حياته لأنه يعرف نفسه، ولكنهم أصروا بأن هذه الآلام وهذه التعاسة التي أصيب بها لا تنتج إلا عن خطية لأن الله يعاقب من يخطىء.
أما جواب الله عنها، فهو إن الألم ليس قصاصا، أو تدريبا، بل كان لكي يبرهن للسماء والأرض أن الإهتمام الديني الصحيح هو حقيقة، حتى في حالة عدم المكافأة، وإن الإنسان يستطتع التمسك بالله، ليس بسبب ما يعطيه، بل لأجل الله نفسه. وهذا ما فعله أيوب إذ بقي متمسكا بالله. في هذا الجواب لا يستطيع الإنسان أن يدرك كنه الآلام التي يتعرض لها. ومع ذلك فإن هناك بعض الأسباب تمكننا من الفهم، وهذا يظهر في نشاط إبليس ومحاولاته التأثير على الصديقين، حتى يزيغوا ويبتعدوا عن الله.
وهناك أسباب أخرى، مثلا، تأديب الله والصبر عليه وإحتماله وكذلك تأديبه بالموت، ولا بد من أن نعرف، أن الله إذا أحب إنسانا، يؤدبه و يوبخه كأب، لأنه يحبه.
ولعل في مثال أيوب، تظهر لنا عدة فوائد روحية، تصلح أن تكون قاعدة يسير على هديها المؤمنين. فنتعلم الصبر على الضيقات، والمصاعب والآلام. لأننا نعرف مسبقا، أن الله لا يريد تأديبنا، ليعرف مدى إحتمالنا للمصاعب. ولإختبار مدى قوة إيماننا بالله، ولذلك لا بد من الإعتراف بأن الله عادل، ومحب لعبيده المؤمنين، فهو يؤدبنا كابناء، ويحبنا كأب.
أما أولاً د الله، فإن نجاحهم في تحم ل الصعوبة فترة التجربة والإمتحان دليل واضح يظهر طاعتهم لسيدهم وحفظهم وصاياه، وجهادهم الدائم نحو الهدف الأسمى يسوع.
ليس المهم، يا صديقي، كيف ندخل الإمتحان، بل المهم كيف نخرج منه، هل يحسبنا المعلم مع الناجحين، أم تسقط أسماؤنا من لوائحهم، ويعد كل ما بذل لأجلنا خسارة. وبذارا لم يأت بأي ثمر. هل ينشىء إمتحان إيماننا صبرا، كما تخص عليه كلمة الله. أم يسبب لنا إنهيارا ويحبط عزيمتنا ويقودنا بالتالي إلى الفشل.
واسمع يا صديقي ما يقول الشاعر الفرنسي لامارتين: "أن الألم يقدس النفس، وأن الألم العظيم يصنع و يخلق الإنسان العظيم....".
- عدد الزيارات: 9380