الوضع الطبيعي للإنسان
لننطلقْ من سِفْرِ التكوين (السفر الأول في الكتاب المقدس). ولنتأمّلْ في حالة الإنسان ووضعه الطبيعي وغاية وجوده ومكانته المرموقة في الكون منذ الخلق.
الله: الخالق المُبْدِع، والأب المحب:
يخبرنا الكتاب المقدس أن الله خلق كل شيء من العدم بقوة كلمته: "في البدء خلق الله السماوات والأرض…. وقال الله : "ليكن …. ، فكان …" (تكوين 1:1،3)،
وأن كل ما خلقه الله كان جميلاً كاملاً: "ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حَسَنٌ جداً" (تكوين 1:3).
وخلق الله جنة عدن وأعدّ كل شيء للإنسان على أكمل وجه، وذلك قبل أن يخلق الإنسان. إنه في ذلك كمثل الأب المُحِب والأم الحنون اللذان يعدّان كل شيء للجنين قبل أن يُولَد. "وغرس الرب الإله جنةً في عدن شرقاً. ووضع هناك آدم الذي جبله" (تكوين 2:8).
الإنسان على صورة الله:
يخبرنا الكتاب المقدس أن الله خلق الإنسان عل صورته ومثاله: "وقال الله: لنصنع الإنسانَ على صورتنا كمثالنا" (تكوين 1:26).
وإذاً خلق الله الإنسانَ مميزاً عن كل المخلوقات والكائنات إذ خلقه على صورته ومثاله. أي أن الإنسان يتمتّع بالروح والعقل والإرادة والعواطف والحس الأخلاقي والخلود. وهذه الصفات مشتركة بينه وبين الله. فالله خلقه على شبهه الروحي وليس الجسدي لأنه ليس لله جسد. ومع هذا فالإنسان ليس كاملاً بل هو مدعو لأن يكون كاملاً مثله.
الصداقة مع الله:
كانت للإنسان علاقة شخصية مع الله. كان يحاوره وجهاً لوجه. وكان الله يكنُّ للإنسان محبةً كبيرةً واهتماماً كبيراً به وبحاجاته: "وقال الرب الإله: ليس جيداً أن يكون آدم وحدَهُ. فأصْنَعُ له معيناً نظيرَه" (تكوين 2:18)
السِّيادة:
وكان الله يقيم اعتباراً للإنسان الذي خلقه على صورته. ومن هنا نجد أن الله يوكل آدم بتسمية الحيوانات. وهذا يعني أنه سيّدٌ عليها: "وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرّية وكل طيور السماء. فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها. وكلُّ ما دعا به آدمُ ذاتَ نفسٍ حية فهو اسمها". (تكوين 2:19)
فأعطى الله للإنسان، إذاً، السيادة والسيطرة على المخلوقات، وألقى على عاتقه مسؤولية العناية بها: "وباركهم الله وقال لهم: أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلّطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الأرض" (تكوين1:28). فكان للإنسان هذا الدور في الفردوس: "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنّة عدن ليعمَلَها ويحفَظَها" (تكوين 2:15).
وأعطى الله للإنسان أن يأكل من النباتات وأن يكون في سلام مع الحيوانات وباقي الكائنات: "وقال الله: إني قد أعطيتُكم كل بَقْلٍ يُبْزِرُ بزْراً على وجه كل الأرض وكل شجرٍ فيه ثَمَرُ شجرٍ يبزِرُ بزراً لكم يكون طعاماً" (تكوين 1:29).
وكان للإنسان أن يحقق هدف وجوده وهو أن يحب الله من كل قلبه وكل نفسه وكل فكره، وأن يعيش حياة الشركة مع الله ومع الإنسان.
وكان آدم وحواء على حالة من البراءة عظيمة: "وكانا كلاهما عريانين آدمُ وامرأتُه وهما لا يخجلان" (تكوين 2:25).
وإذاً عاش الإنسان (مدلّلاً) مثالياً، في بيئة مثالية، وفي علاقة مثالية مع الله، ومع نفسه، ومع الإنسان، ومع الطبيعة.
- عدد الزيارات: 3121