ما هو تفسير (يوحنا 8: 51)؟
ماذا قصد المسيح بقوله:
"إن كان أحد يحفظ كلامي، فلن يرى الموت إلى الأبد" (يوحنا 8: 51)؟
إلى الصديق العزيز
- هذا السؤال هام لما ينطوي عليه من معان روحية عميقة. ولكن قبل الإجابة عليه، لابد أن نرجع إلى القرينة التي وردت هذه الآية ضمنها، ليستنير القارئ الكريم بما نحن بصدده.
فالآية المراد الاستفسار عن معناها مدوّنة في الإصحاح الثامن من بشارة يوحنا ومفادها، أنه بينما كان المسيح يعلّم في الهيكل جاء إليه عدد غفير من اليهود، فبدأ يعلّمهم ويبشّرهم برسالة المحبة والمسامحة والغفران، وأعلن أنه المسيا المُرسل من الله، ليخلص الناس من خطاياهم. ولكن أولئك اليهود لم يصدّقوه، فاتهموه بالكذب حيناً، وأرادوا أن يجرّبوه أحياناً لكي يوقعوا به. ولكن المسيح القدوس المرسَل من الله، كان يقظاً لكل تلك المحاولا ت. وأخيراً خاطبهم بقوله: "من منكم يبكّتني على خطية؟ فإن كنت أقول الحق، فلماذا لستم تؤمنون بي؟ الذي من الله يسمع كلام الله، لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله" (يوحنا 8: 46-47). وأخيراً خاطبهم المسيح بقوله: "الحق الحق أقول لكم، إن كان أحد يحفظ كلامي، فلن يرى الموت إلى الأبد" (يوحنا 8: 51).
عندما نسمع هذه الكلمات التي نطق بها المسيح، قد يتبادر إلى أذهاننا حالاً أن المسيح قصد بقوله إن من يؤمن به فلن يموت، بل يبقى حياً خالداً في هذه الدنيا، ولكن الواقع، أن المسيح لم يقصد ذلك. فنحن كبشر نولد ونعيش، ولابد أن يجيء اليوم الذي نموت فيه جسدياً، وننتقل من هذا العالم إلى عالم آخر. فالمسيح لم يقصد الموت الجسدي بل الموت الروحي.
فكلنا نعلم أنه عندما يموت الإنسان يُدفن في التراب وينحلّ جسده، بينما روحه تبقى حية. وبحسب قول الكتاب المقدس، إنه إذا كان الإنسان شريراً بعيداً عن الله. فإنه يموت في الجسد وتذهب روحه إلى العذاب، أي إلى الموت الأبدي في جهنم، وإذا كان الإنسان باراً مؤمناً بالله، وبالمسيح كمخلص للعالم من الخطية، فإن جسده يموت ولكن روحه تبقى حية في حضرة الله في السماء إلى الأبد. وهذا هو المقصود هنا بقول المسيح بأن من يؤمن به وبكلامه، فإنه لن يرى الموت إلى الأبد. أي يبقى حياً في الأمجاد السماوية، وقد فسر المسيح ذلك بقوله: "أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يوحنا 11: 25) أي من آمن بالمسيح بأنه جاء ليخلص العالم من الخطية وليموت فداء عنه على خشبه الصليب، فسيبقى حياً بالروح ولو مات جسدياً وقد قال يسوع عن نفسه: "أنا الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا 14: 6). وعلى هذا الأساس علينا ألا ننظر إلى الموت الجسدي بأنه نهاية المطاف، لأن المؤمن يرقد على رجاء القيامة بالمسيح الإله الحي المقام من الأموات. وعلى هذا الأساس ترتّم بعض الطوائف المسيحية الألحان الكنسية الخاصة بالقيامة ومنها: "المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت. ووهب الحياة للذين في القبور".
مع تحيات قاسم ابراهيم
- عدد الزيارات: 6736