معجزة أليشع الرابعة
إرواء ثلاثة جيوش
(2ملوك 3)
المعجزة الرابعة التي أجراها الرب بواسطة أليشع، هي أنه أرسل أمطاراً غزيرة، أروى بها عطش ثلاثة جيوش.
أما القصة فتقول إن الملك »عُمري« أحد ملوك إسرائيل كان قد استعمر مملكة موآب ووضعها تحت جزية ثقيلة، فكان ملك موآب يؤدي له صوف مئة ألف خروف ومئة ألف كبش، كل سنة، لأن بلاد موآب كانت غنية بالمواشي. وعندما مات الملك أخآب ابن الملك عمري، اغتنم ملك موآب الفرصة، لأن ملك إسرائيل الجديد كان مريضاً وضعيفاً، وامتنع عن أن يدفع الجزية. فرأى ملك إسرائيل أن يستعين بملك يهوذا، لأنه زوج عمته. واتَّجه الملكان معاً بجيشهما نحو مملكة موآب. وكان هناك طريقان يؤديان إليها، أحدهما إلى المشرق، وبعد عبور الأردن يتَّجه إلى الجنوب. أما الطريق الآخر فقد كان الى الجنوب غرب بحر لوط، ثم الى الشرق الى أدوم. واختار ملك إسرائيل وملك يهوذا الطريق الثاني، مع أنه أطول. ربما لأن الموآبيين كانوا مستعدين للدفاع عن بلادهم في الشمال، ولم يكونوا ينتظرون أن يأتي الهجوم عليهم من الجنوب. وربما استحسن الملكان أن يأخذا الطريق الثاني لأنه يمر بمملكة أدوم، وأرادا أن يأخذا جيش أدوم معهما.
وسارت الجيوش الثلاثة، سبعة أيام، الى أن نفد الماء، فالماء في تلك النواحي قليل، والجيش كبير. وكان ذلك من سوء تدبير قادة الجيوش الثلاثة، فقد كان يجب أن يسألوا عن احتياجات الجيش ويدبِّروها قبل أن يتقدموا للقتال.
ولما ضاق الأمر بالملوك الثلاثة قالوا: »لا بد أننا سنقع في يد ملك موآب«. ولكن ملك مملكة يهوذا تساءل: »أليس هنا نبيّ للرب، فنسأل الرب بواسطته؟«. فأجابه واحد من رجال مملكة إسرائيل: »هنا نبيّ اسمه أليشع كان يصبُّ ماءً على يدي إيليا«. فقال ملك يهوذا: »عنده كلام الرب«.
واتَّجه الملوك الثلاثة الى حيث كان النبي أليشع. وهذا التصرف علامة احترام كبير للنبي، فلم يرسلوا إليه يستدعونه، بل ذهبوا كلهم إليه. فقال النبيُّ أليشع لملك إسرائيل: »حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه أنه لولا أني رافع وجه ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك«. وهكذا نرى النبيَّ أليشع يتحدث مع الملك الشرير بغير خوف. ولكنه احترم ملك يهوذا، الملك يهوشافاط الذي كان قلبه كاملاً مع الله، فانتفع الأشرار بوجود إنسان بار بينهم.
وطلب النبي أليشع من الملوك الثلاثة أن يأمروا جنودهم بأن يحفروا الوادي جِباباً جِباباً. وجباب مفردها جب بمعنى »حفرة أو بئر أو بِرْكة«. وكان هذا امتحاناً لإيمانهم، فلم يكن هناك ما يوحي بنزول المطر. ولكن حَفْر الجباب يبيّن الاستعداد لمجيء البركة الآتية. ومضى النبي أليشع يقول: »هكذا قال الرب: لا ترون ريحاً لا ترون مطراً، ولكن هذا الوادي يمتلىء ماء، فتشربون أنتم وماشيتكم وبهائمكم. وذلك يسير في عيني الرب، فيدفع موآب الى أيديكم«.
إن حدوث معجزة يتطلَّب إيماناً من جانب الذي يُجريها، ومن جانب الذي ينتفع بها. لقد كان أليشع واثقاً من أن الله سوف يستجيب له ويرسل مطراً، دون أن يسمع الناس أيَّ صوت، لأن المطر لا ينزل في الأرض التي كانوا فيها، بل ينزل في بلاد أدوم. ومن على جبالها العالية ينساب ليملأ تلك الحفر التي حفروها.
ولا بد أن قادة الجيش كانوا مقتنعين بصدق كلام أليشع، لأنهم أمروا رجالهم العطشَى أن يعملوا في أشعة الشمس الحارقة ليحفروا حفراً لا يدرون كيف تمتلئ، لكنهم كانوا يثقون أن الله سيستجيب دعاء أليشع. وفعلاً امتلأت الحُفر ماءً. وكان لون الماء أحمر كالدم، ربما بسبب انعكاس أشعة الشمس عليه.
ولما رأى ملك موآب ورجاله الماء الأحمر اللون، ظنوا أن الملوك الثلاثة تحاربوا فيما بينهم فسالت دماء رجالهم كالأنهار، فترك جنود موآب سلاحهم وأسرعوا لينهبوا الجيوش الثلاثة، فهاجمتهم الجيوش الثلاثة وقضت عليهم.
ولما رأى ملك موآب أن الحرب قد اشتدت عليه، أصعد ابنه البكر محرقة على سور المدينة. وتقول التوراة إن نتيجة ذلك العمل كانت غيظاً عظيماً على مملكة إسرائيل. فربما غضب ملكا يهوذا وأدوم على ملك إسرائيل لأنه دعاهما لحربٍ تسبَّبَتْ في قتل ابن ملك موآب تلك الميتة القاسية. أو ربما غضب الموآبيون لما رأوا وليَّ العهد مقتولاً، فاستماتوا في الدفاع عن مدينتهم، فعادت جيوش الغزاة من حيث أتت.
أيها القاريء الكريم، إن كنت تريد بركة من عند الله، فعليك أن تجهز قلبك لنوال تلك البركة. فكما حفر رجال الجيوش الثلاثة الوادي حفراً كبيرة تلقّت الماء، هكذا علينا أن نجهّز قلوبنا لتلقّي البركة الإلهية، فننزع من نفوسنا كل ما لا يُرضي الله، وننتظر من فيضان أنهار نعمته أن تغمرنا، لتروي عطشنا، ولتزيل ظمأنا، ونحن نسمع قول المسيح: »إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ« (يوحنا 7:37).
- عدد الزيارات: 2053