لوط يترك عمَّه إبراهيم
أخطأ إبراهيم عندما نزل إلى مصر، لكن الرب أعاده بقوته إلى مكان الشركة والصداقة كما كان. وتعلم إبراهيم الكثير من نزوله إلى مصر، واختبر الرب اختباراً أفضل، ورجع مع زوجته وكل ما كان له ومعه لوط إلى البلاد التي كان فيها حيث أراد الله له أن يكون. رجع بعد ذلك إلى بيت إيل حيث كانت خيمته في البداية، وهناك عند مكان المذبح الذي بناه من قبل، بدأ يدعو باسم الرب من جديد، وما أحلى الرجوع إلى الله! يقول إمام الحكماء سليمان: "الصِّدِّيقُ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ" (أمثال 24:16). ويقول النبي ميخا: "لَا تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي. إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي" (ميخا 7:8). وقال نبي الله داود: "يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ" (مزمور 23:3). شكراً لله الذي أصعدني من جب الهلاك، من طين الحمأة.
وهذا ما يحدث معك يا عزيزي القارئ، فإن كنت تحب الله ولكنك تقع في خطأ، فإنه يقيمك ويرجعك إليه.
ثروة لوط:
كان لوط ساكناً مع إبراهيم، وكان غنياً مثل إبراهيم - والكلمة "غني" معناها في اللغة العبرية "ثقيل"، فالغِنى حمْلٌ ثقيل، وقد كان حِمْلاً ثقيلاً على لوط. هذه هي المرة الأولى التي ورد فيها ذكر الثروة في التوراة. إن الله لا يريدنا أن نكون فقراء، لكنه يريدنا أن نتصرف في المال بحكمة. ونجد في الكتاب المقدس هذه التعاليم عن المال.
ليس المال والثروة خطية، ما دمنا قد حصلنا عليهما بالأمانة والشرف.
يجب أن يحسب كل إنسان أن ثروته من عند الله، وأنها كلها من الرب.
يجب أن نصرف المال في ما يرضي الله.
يجب أن نعطي الرب عُشْر دخلنا على الأقل، 10% مما يعطيه الله لنا.
يجب أن نفتكر في الآخرين ونحن نصرف مالنا فنساعدهم.
الأغلب أن لوطاً ربح الكثير من المال في مصر، وكان له أتباع كثيرون. ولم تحتمل الأرض إبراهيم ولوطاً أن يسكنا معاً. كان الغنم والبقر كثيراً، ويحتاج إلى أرض واسعة للرعي كما كان يحتاج إلى ماء للشرب. وكان الكنعانيون والفرزيون ساكنين في الأرض، وكانت أغنامهم وأبقارهم محتاجة أيضاً للمرعى والشرب. فلم تكن المراعي كافية للجميع.
مخاصمة:
حدثت مخاصمة بين رعاة مواشي لوط ورعاة مواشي إبراهيم. ورأى إبراهيم الخطر القادم على الجميع. رأى خطراً من الكنعانيين الذين يسكنون في الغرب، ومن الفرزيين الذين يسكنون في الشرق فإن هؤلاء عندما يرون المخاصمة بين لوط وإبراهيم يضربون الإثنين. قال رسول المسيحية بولس: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فَانْظُرُوا لِئَلَّا تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً" (غلاطية 5:15). ورأى إبراهيم أيضاً أنه لا اتفاق بين الخصام وبين الصلاة أمام المذبح، فذهب إلى لوط وقال له: "لَا تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ، لِأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ. أَلَيْسَتْ كُلُّ الْأَرْضِ أَمَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي. إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِيناً وَإِنْ يَمِيناً فَأَنَا شِمَالاً" (تكوين 13:8 و9)، لقد بدأ إبراهيم رسالة السلام. كان يجب أن لوطاً يخضع لأنه ابن أخ إبراهيم، ولا بد أن ثروته جاءته بفضل سفره مع عمه إبراهيم، ولكن لوطاً لم يخضع.
تكلم إبراهيم إلى لوط بحكمة، لم يأت بعنف ولا بقسوة، ولم يفتح الجروح بالعتاب المرّ. لم يقل له: "أنا أكبر منك. أنا أقوى منك. كل ثروتك جاءت من فضلي". لكن إبراهيم تعلَّم من الله كيف يقتل الخصام بالمحبة والسلام. فقال لابن أخيه: "نحن أخوان". قال إبراهيم: لا داعٍ للخصام على السقي فإن الأرض واسعة. اختر الأرض التي تريدها، وأنا أذهب إلى الطرف الأبعد منها. بهذه الطريقة ربح إبراهيم الموقف كله وانتصر، وبنفس هذه الأخلاق الكريمة تكسب أنت درساً في الأخلاق الكريمة والتسامح.
ردّ فعل لوط:
لم يكن لوط كريماً في موقفه مع عمه إبراهيم. الأغلب أن لوطاً اشترك مع الرعاة في الخصام، فإن إبراهيم يقول له: "لا تكن مخاصمة بيني وبينك". وحين عرض إبراهيم على لوط هذه الشروط الكريمة، لم يطلب لوط من عمه إبراهيم أن يختار أولاً، فقد ملأت الأنانية قلب لوط! ووقف على مرتفعات بيت إيل وأمامهم أرض كنعان الفقيرة، وكانت المزروعات تنمو في الجنوب الشرقي، ونهر الأردن يرويها. كان واضحاً أمام لوط أن كل دائرة نهر الأردن خصيبة فاختارها. وترك لإبراهيم عمِّه الأرض الفقيرة الصحراوية. لم يهتمّ لوط بأن سكان الأرض أشرار، ولم يفكر في أن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة. كان كل فكره في الغنى والنجاح المادي. كان قصير النظر جداً، ولم يرَ غير نفسه ومصلحته وثروته ومستقبله المالي. لم يرَ غير الأرض والسقي والآبار والأنهار. لم يستطع أن يرى الله - لم يرَ عمه - ولا مصلحة عمه - ولا الواجب من نحو عمه، لم يستطع أن يرى شر أهل سدوم وعمورة الذي يقول عنهم الكتاب: "كان أهل سدوم أشراراً وخطاة لدى الرب جداً" لم يستطع أن يرى بناته يدخلن بيوت أهل سدوم وعمورة زوجات لرجال أشرار.. نعم، كان لوط قصير النظر، واختار لنفسه كل دائرة نهر الأردن العامرة بالثراء المادي والفقر الروحي، واعتزل عن إبراهيم، ونقل خيامه إلى سدوم.
- عدد الزيارات: 9436