هل "إنجيل برنابا" من أناجيل الكتاب المقدس؟
الصديق الكريم
من الثابت أن الكتاب المعروف باسم "إنجيل برنابا" لا يمت للمسيحية بصلة. وإنما هو شهادة زور على الإنجيل المقدس، و محاولة للتشويش على الدين المسيحي. مثله كالقرآن الذي كتبه مسيلمة الكذاب، أو القرآن الذي آلفه الفضل بن ربيع. وهذا الكتاب المنسوب إلى برنابا نقله إلى العربية الدكتور خليل سعادة عن نسخة إنكليزية سنة 1709 وذلك بإيعاز من السيد محمد رشيد رضا، منشئ مجلة المنار. فرفضه المسيحيون رفضا باتا، لانه كتاب مزور، و أما الذين قبلوه فهم فريق من المسلمين، لسبب بسيط جدا، و هو أن بعض محتوياته تؤيد القول بأن المسيح لم يصلب، بل القي شبهه على يهوذا الإسخريوطي فصلب بديلا عنه. و يجمع العلماء المدققون على أن هذا الكتاب المزور على بر نابا، لم يكن موجودا قبل القرن الخامس عشر، أي بعد موت بر نابا بألف و خمسمائة عام. ولو وجد قبلا لما أختلف فقهاء المسلمين كالطبري و البيضاوي و ابن كثير، و فخر الدين الرازي في آخرة المسيح، و في تحديد الشخص الذي قيل أنه صلب عوضا عن المسيح، بل كانوا أجمعوا على الذي صلب.
و لو عدنا إلى المؤلفات الإسلامية المعتبرة، كمروج الذهب المسعودى، و البداية والنهاية للإمام عماد الدين، و القول الإبريزي للعلامة أحمد المقريزي، نرى أن هؤلاء الأعلام سجلوا في كتبهم أن إنجيل المسيحيين إنما هو الذي كتب بواسطة أصحاب الأناجيل الأربعة، و هم متى و مرقص و لوقا و يوحنا. و مما قاله المسعودى: " وذكرنا أسماء الإثني عشر و الباقين، تلاميذ المسيح و تفرقهم في البلاد و أخبارهم و ما كان منهم و مواضع قبورهم. و إن أصحاب الأناجيل الأربعة منهم يوحنا و متى من الإثني عشر، و لوقا و مرقص من السبعين ". (التنبيه و الإشراف صفحة 136)
و كذلك لو عدنا إلى مخطوطات الكتاب المقدس القديمة و التي يرجع تاريخ نسخها إلى ما قبل الإسلام، و قد أشار القرآن إليها و شهد بصحتها، لا نجد فيها هذا الإنجيل المنسوب إلى بر نابا. كما أنه لا يوجد له ذكر في الجداول، التي نظمها آباء الكنيسة، للأسفار التي يتألف منها الكتاب المقدس .
ثم لو بحثنا في التاريخ نجد أن النسخة الأصلية لهذا الإنجيل المنحول ظهرت لأول مرة عام 1709 وذلك لدى كريم مستشار ملك بروسيا. ثم أخذت منه و أودعت في مكتبة فينا عام 1738 و كل العلماء الذين فحصوها، لاحظوا أن غلافها شرقي الطراز. و أن على هوامشها شروح و تعليقات باللغة العربية. و يستدل من فحص الورق و الحبر المستعملين في كتابتها، أنها كتبت في القرن الخامس عشر أو السادس عشر.
و يقول العلامة الإنجليزي الدكتور سال أنه وجد نسخة من هذا الكتاب باللغة الإسبانية، كتبها رجل أر وغاني اسمه مصطفى العرندي. و يدعي هذا، أنه ترجمها عن النسخة الإيطالية. و.قد جاء في مقدمتها أن راهبا يدعى مار ينو، مقربا من البابا سكستوس الخامس، دخل ذات يوم من سنة 1585 إلى مكتبة البابا، فعثر على رسالة للقديس إيريناوس، يندد فيها بالرسول بول.وان هذا القديس، أسند تنديده هذا إلى إنجيل بر نابا. فأصبح من ذلك الحين شديد الرغبة في العثور على هذا الإنجيل، فحدث أن دخل يوما والبابا سكستوس الخامس المكتبة البابوية. و فيما هما يتحدثان استولت على البابا سنة من النوم. فاقتنص الراهب الفرصة، و بحث عن الكتاب فوجده وأخفاه في أحد ردنيه.
و لبث إلى أن استفاق البابا من النوم، فاستأذنه بالانصراف حاملا الكتاب معه. على أن من يراجع مؤلفات القديس إيريناوس، لا يرى فيها أي إشارة إلى إنجيل بر نابا، ولا أي نقد للرسول بول.
وأما العلماء المدققون فيوضحون لنا بأن كاتب إنجيل بر نابا هو الراهب مار ينو نفسه، بعد أن أعتنق الإسلام، و تسمى باسم مصطفى العرندي. و يميل بعض آخر إلى الاعتقاد بأن النسخة الإيطالية ليست النسخة الأصلية لهذا الكتاب. بل إنها منقولة عن أصل عربي، لأن من مطالع إنجيل بر نابا المزعوم، يرى أن للكتاب إلماما واسعا بالقرآن. لدرجة أن الكثير من نصوصه يكاد يكون ترجمة حرفية لآيات قرآنية. وفي مقدمة أصحاب هذا الرأي، العلامة الدكتور هوايت سنة 1784.
و على كل فأياً كان رأي العلماء، فالثابت أن هذا الإنجيل يروي تاريخ إنجيل يسوع المسيح بأسلوب يتفق مع نصوص القرآن، و يغاير محتويات الأناجيل الصحيحة، مما يحملنا للاعتقاد بأن الكاتب نصراني أعتنق الإسلام. و إننا لنلمس هذا في الأمور التالية:
أ - في تفضيله محمد على يسوع.
ب- استعماله عبارات تتفق مع كتابات المسلمين القدماء كالإتحافات السنية بالأحاديث القدسية،و الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية، والأسرار معجزة كبرى.... و غير ذلك من المؤلفات.
والأدلة التالية تشير إلى أن الكاتب لا يمت بصلة إلى رسل المسيح وحواريه الذين كتبوا مسوقين من الروح القدس.
و من هذه الأدلة القاطعة:
أ- جهله في جغرافية فلسطين و البلاد التي كانت مسرحا للروايات الدينية فقد قال:
"و ذهب يسوع إلى بحر الجليل و نـزل في مركب مسافرا إلى الناصرة، مدينته، فحدث نوء عظيم في البحر حتى أشرف المركب على الغرق" (ف 30: 2-1) والمعروف أن الناصرة مدينة قائمة على جبل مرتفع في الجليل و ليست مدينة بحرية كما قال الكاتب.
-وذكره أن الله عزم على إهلاك نينوى، فأنه لم يجد أحدا يخافه في تلك المدينة، فأرسل إليها النبي يونان إليها ليعلن أهلها حكم الرب عليهم.لكن النبي حاول الهرب إلى طر سوس خوفا من الشعب، فطرحه الله في البحر فابتلعته سمكة و قذفته على مقربة من نينوى (ف 63: 7-4).
و المعروف أن مدينة نينوى كانت عاصمة الإمبراطورية الآشورية. و قد شيدت على الضفة الشرقية من نهر دجلة، على فم رافد صغير اسمه رافد الخسر. فهي إذن لم تكن على البحر الأبيض المتوسط كما قال الكاتب.
ب -جهله في التاريخ الخاص بحياة يسوع المسيح. فقد جاء في الفصل الثالث منه:
حين ولد المسيح كان بيلاطس حاكما في زمن الرئاسة الكهنوتية لحنان و قيافا (ف 3:2) و هذا غير صحيح لأن بيلاطس تولى من عام 26 إلى عام 36 بعد الميلاد. أما حنان فكان رئيسا للكهنة من سنة 6 إلى 15بعد الميلاد. و قيافا من سنة 8 إلى سنة 36 بعد الميلاد.
ج - غلطة صارخة: جاء في الفصل الثاني و الأربعين بعد المائة، أن المسيا لا يأتي من نسل داود بل من نسل إسماعيل، و إن الموعد صنع بإسماعيل لا بإسحاق (ف 142:13)
هذه غلطة صارخة لان من يقرأ سلسلة أنساب المسيح في الإنجيل يرى أنه من جهة الجسد جاء من نسل داود و من سبط يهوذا. وهنا يحاول الكاتب إثبات ما رفضه ويرفضه كل عاقل مسلما كان ام مسيحيا وهو أن محمد بن عبد الله سيد المسلمين هو بالفعل المسيح الحقيقي وتركيزه بشدة بعد ذلك على إثبات هذا الأمر مهما كان الثمن، ونرى هنا أحد الأساليب الدعائية القديمة التي لم تعد نافعة في أيامنا هذه بسبب انتشار العلم والثقافة بشكل لم يعد جائزا نشر هكذا أفكار،
أولاً بين المسيحيين لتشويش عقولهم وردهم عن إيمانهم وذلك بسبب انتشار الكتاب المقدس بين أيدي كل الناس الامر الذي لم يكن جائزا في ذلك العصر لعدم وجود الطباعة آنذاك،
ثانياً لدى المسلمين الذين يعرفون من صغيرهم إلى كبيرهم إن المسيح هو عيسى ابن مريم وليس محمد بن عبد الله، وذلك لوضوح هذا الأمر وضوح الشمس في القرآن، ولان المسلمين لن يفضلوا إنجيل بر نابا السخيف على القرآن ولن يصدقوا الأول ليكذبوا به الثاني.
د - شحن كتابه ببعض القصص التي لا أساس لها في الأديان التوحيدية. فإن هذه الخرافات لا يمكن لعقل سليم أن يصدق أنها من الإنجيل الذي أوحي به من الله. لأن الله سخط على الشيطان لما سقط، و طرده من حضرته. و لا يتفق مع عزته الإلهية أن يتفاوض معه للمصالحة. و قد جاء في الإنجيل الحقيقي:" من يفعل الخطية فهو من إبليس، لأن إبليس منذ البدء يخطيء. لأجل هذا أ ظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس (1يوحنا 3:8).أيضا إن الشيطان في حربه مع المسيح لم يجرؤ على مواجهته، ففي كفرناحوم حين أمره المسيح أن يخرج من إنسان " صرخ بصوت عظيم، ما لنا ولك يا يسوع الناصري، أتيت لتهلكنا، أنا أعرف من أنت قدوس الله " (الإنجيل بحسب لوقا 4: 34).
الجزم بأن الكاتب مسلم: إن من يطالع إنجيل بر نابا المزعوم بتدقيق يجد فيه الكثير من اللمسات الإسلامية و بالرغم من ذلك فإن هذا الإنجيل المنحول هو شهادة زور على القرآن،ففي مستهل رسالتي قلت أن الكتاب المنسوب إلى بر نابا شهادة زور على الإنجيل لأن معظم نصوصه تخالف الإنجيل و هو زور على القرآن أيضا بما أن عدة نصوص فيه تخالف القرآن: يقول أن مريم ولد ابنها بدون ألم. بينما القرآن يقول عكس ذلك، أو أن المسيح هو محمد....الخ من التناقضات الفاضحة مع القرآن مما يدفع كل مسلم عاقل على عدم الأخذ بهذا الكتاب.
في الواقع إن هذا الكتاب شهادة زور فعلا وإني أشك في إمكانية وجود كتاب كاذب مثل هذا الكتاب
مع تحيات قاسم إبراهيم
- عدد الزيارات: 6278