لاهوت المسيح
1- لاهوت المسيح من خلال ألقابه
غايتنا هنا – خلافاً للفلسفات البشرية – أن نبرهن على أن الله واحد وجوهره واحد في ثلاثة أقانيم. وإننا نحاول دعم قولنا بآيات صريحة من العهدين القديم والجديد. ونصل بالنتيجة إلى الإدراك بأن الآب هو الله والابن هو الله والروح القدس هو الله.
إن كنت تقول أن هذا الكلام فوق إدراكي وفهمي فإني أقول لك أني لست أفضل حالاً منك، ومع ذلك فالعقيدة سليمة وصحيحة لأن الله أعلن ذاته بهذه الصورة وقدمها لنا لقبولها لا للتصويت عليها. فمن يرفضها يقع تحت طائلة الحساب والعقاب. فإن يوم الحساب آت وكل آت قريب.
ليس من الصعب على معظم الناس أن يقبلوا النقطة الأولى القائلة أن الآب هو الله. الصعوبة، لا بل العقدة، هي في القول أن الأقنوم الثاني هو الله وكذلك الأقنوم الثالث. وما دام الأمر كذلك فلا داعي للشواهد على لاهوت الآب. سأكتفي في هذا الفصل بتقديم الأدلة على لاهوت الابن، وسأبدأ بألقابه. اللقب الأول هو الله. فمع أن شهود يهوه ينكرون لاهوت المسيح فإن الكتاب المقدس يؤكد ويشدد عليه بقول إشعياء في الإصحاح 7 من نبوءته "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل". فلما اقتبس البشير متى هذه النبوة في الإصحاح 1 من إنجيله، قال أنها تمت في ولادة المسيح من مريم العذراء، وإن اللقب العبري "عمانوئيل" معناه "الله معنا". وهناك نبوة أخرى لإشعياء في الإصحاح 9 من سفره يقول فيها: "يُولد لنا ولد، ونُعطى ابناً وتكون الرئاسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً رئيس السلام". لاحظ أن إشعياء يسمي المسيح هنا "إلهاً قديراً" لأنه آمن أن المسيح المنتظر هو الله. ويؤيد بولس هذا الاعتقاد بقوله "الله ظهر في الجسد" وأيضاً "فيه (في المسيح) يحل كلّ ملء اللاهوت جسدياً". وقد فعل الشيء عينه يوحنا في فاتحة إنجيله فقال: "في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله. وكان الكلمة الله". وفي الآية 14 يقول: "والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا". ويحذو توما حذوهم عندما يخاطب يسوع قائلاً: "ربي وإلهي". ويخبرنا كاتب رسالة العبرانيين في العهد الجديد نقلاً عن المزمور 45 أن النبوة القائلة "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" إنما هي "عن الابن" وكلماتها موجهة إلى الابن بالذات. ولو لم يكن المسيح هو إله لما كان قد قبل السجود والعبادة من البشر. أليس هو القائل "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد"؟
ومن أبرز ألقاب المسيح في العهد الجديد لقب "ابن الله" وقد شهد الآب نفسه لهذه الحقيقة عند معمودية المسيح في نهر الأردن فقال "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". والملاك الذي بشر العذراء بولادة المخلص قال لها "القدوس المولود منك يدعى ابن الله". وقد فهم الرسل هذه الحقيقة وفي مقدمتهم بطرس الذي قال للمسيح "أنت المسيح ابن الله الحي".
السؤال الآن هو: لماذا دعي المسيح ابن الله؟
والجواب هو: أولاً لكي نعرف المصدر الذي جاء منه. ثانياً لكي يبين لنا العلاقة العميقة والوثيقة التي تربطه بالآب. ومن الكتاب المقدس نفهم أن هذه العلاقة تنطوي على عدة أفكار هامة.
الفكرة الأولى هي "وجه الشبه" بين الاثنين. فالمسيح هو صورة الله ورسمه، على حد قول الرسول بولس في أكثر من رسالة. والمسيح نفسه لم يتردد في أن يقول "من رآني فقد رأى الآب". فلما قال له فيلبس: "أرنا الآب وكفانا"، أجابه يسوع "أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟" فهو يشبه الآب من كل الوجوه. والشيء الجميل هو أن الكتاب المقدس يعلّم بأن كل من يؤمن بالمسيح ويتوب عن خطاياه يصير هو بدوره ابناً لله ولو أن بنوة المسيح فريدة وأزلية.
الفكرة الثانية هي فكرة المعرفة. فمن اختبارنا نعرف أن الأب الصالح الحكيم يعرف ابنه جيداً والابن الصالح يعرف أباه جيداً، لأن المعرفة المتبادلة تؤدي إلى علاقة أعمق بين الطرفين. وقد قال المسيح في هذا الصدد: "ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له".
الفكرة الثالثة هي الطاعة. الحياة ضمن العائلة الواحدة مستحيلة بدون استعداد الأولاد للاستماع إلى أبيهم واحترام مشاعره وإرادته. غير أن الطاعة البشرية هي دائما ناقصة. أما طاعة المسيح للآب فهي كاملة ولا تشوبها شائبة، ولهذا استطاع أن يقول لأبيه وهو يصلي في بستان جثسيماني: "لتكن لا إرادتي بل إرادتك". حتى وهو ابن اثنتي عشرة سنة قال لأمه: "ينبغي أن أكون في ما لأبي".
الفكرة الرابعة والأخيرة هي المحبة. فالمسيح كما يقول يوحنا في رسالته الثانية هو "ابن الآب بالحق والمحبة". وقد شهد المعمدان قائلاً: "إن الآب يحب الابن". وفي الإصحاح 15 من إنجيل يوحنا نسمع يسوع قائلاً "أنا حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته". والمحبة هذه هي محبة أزلية بين الآب والابن، لأن "الله محبة".
أخي القاريء: - يمكنك أنت أيضاً أن تصير ابناً لله عن طريق الولادة الروحية بواسطة التوبة والإيمان بالمسيح. يقول يوحنا في الإصحاح الأول من إنجيله: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه". فمتى صرت ابناً لله صارت لك هذه الإمتيازات الأربعة التي أتينا على ذكرها ألا وهي المعرفة والطاعة والمحبة والشبه.
2- لاهوت المسيح من خلال تصريحاته
في الفصل السابق طرحنا السؤال التالي: ما هي البراهين المشيرة إلى لاهوت المسيح؟ وكان الجواب الأول هو ألقابه، ومن بينها لقب "الله" ولقب "ابن الله". أما الآن فنأتي إلى الجواب الثاني، وهو تصريحاته. فبالإضافة إلى أسمائه وألقابه هناك الأقوال التي صرح بها معلناً هويته الحقيقية. فلما تكلم عن ملكوت السموات تطرق يسوع إلى باب التشبيه فقال "يشبه ملكوت السموات" هذا أو ذاك من الأشياء والأشخاص، ولكنه لما تكلم عن ملك الملكوت لم يستخدم التشبيه بل قال "من رآني فقد رأى الآب. أنا والآب واحد" حتى أضداده فهموا قصده ومرماه. ففي الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا قال المسيح: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل". وبعد ذلك مباشرة نقرأ العبارة التالية: "من أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً أن الله أبوه معادلا نفسه بالله".
ومن تصريحاته أيضاً قوله في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن". وقوله "أنا كائن" يذكّرنا باسم الله في العهد القديم والعهد الجديد. ففي العهد القديم اسم الله هو "يهوه". ولفظة "يهوه" في العبرانية تعني "الكائن" أي الدائم الوجود. وفي العهد الجديد نجد الاسم نفسه في الإصحاح الأول من سفر الرؤيا عندما يقول يوحنا في الآية 4: "نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي ومن السبعة الأرواح التي أمام عرشه ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين". هذه الآية لا تؤكد فقط على لاهوت المسيح بل أيضاً على الثالوث. لاحظ أن "الكائن" ثم "السبعة الأرواح" ثم "يسوع المسيح" هم في جملة واحدة.
فمع أن الآب هو "الكائن" فإننا نسمع المسيح يقول "أنا كائن". وفي الآية 56 من الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا قال يسوع لسامعيه "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرآه وفرح". وقبل ذلك لما سألوه "أين أبوك؟" قال لهم في الآية 19 : "لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً".
تصريح آخر من تصريحات المسيح عن لاهوته وارد في الإصحاح 14 من إنجيل يوحنا. يقول الرسول يوحنا: "أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم، إذا آمنتم، حياة باسمه". وفي فاتحة الإصحاح 14 من الإنجيل نفسه قال يسوع لتلاميذه: "أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي".
بالفعل هذا ما آمن به الرسل من كل القلب وكتبوا عنه في العهد الجديد. مثلاً يكتب بولس عن المسيح في رسالة فيلبي قائلاً "الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله". ويكتب الرسول يوحنا قائلاً في مطلع إنجيله: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". وفي الإصحاح الخامس من رسالته الأولى شهد عن المسيح بقوله: "هذا هو الإله الحق". وشهد توما شهادة مماثلة على أثر ظهور الرب للتلاميذ بعد القيامة. فلما دعاه المسيح ليلمس يديه وجنبه خجل توما ثم قال للرب بروح السجود والعبادة "ربي وإلهي".
ولما جاء فيلبس بنثنائيل إلى يسوع فوجيء نثنائيل بأن المسيح يعرفه جيداً فقال له "من أين تعرفني؟" أجابه يسوع "قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك". عندئذ قال له نثنائيل: "يا معلم أنت ابن الله".
لو لم يكن المسيح هو الله لما كتب الأنبياء والرسل ما كتبوه. فهل هناك من تجدر بهم الثقة أكثر من الرسل والأنبياء؟ ثم لا تنس أن عدم الإيمان بلاهوت وناسوت المسيح هو عدم الإيمان بقدرة الله. فهل يستحيل على الله أن يظهر في صورة إنسان دون أن يتخلى عن لاهوته؟
والآن إليك السؤال التالي: لو كان المسيح مجرد نبي أو إنسان عادي كما يقول بعضهم – فلماذا لم يولد كغيره من الناس؟ ولماذا لم يعش ولم يمت كغيره من الناس؟ فقد شهد التوراة والإنجيل وأيضاً القرآن بأنه ولد من أم بدون أب، في حين أن كل البشر، حتى الأنبياء، ولدوا كأي واحد منا. وقد شهد الكتاب المقدس أن يسوع عاش بدون خطية ومات طوعاً واختياراً ساعة شاء، في حين أن كل الأنبياء والبشر، بدون استثناء عثروا وسقطوا في خطايا متنوعة. هل اختبرت هذا بنفسك؟ حتى الشيطان قال له: "أنا أعرفك من أنت. أنت قدوس الله" فهل تقبل بأن يكون الشيطان أكثر فهماً وإدراكاً منك؟
إن يسوع الذي ولد بخلاف الناس، وعاش بخلاف الناس، ومات بخلاف الناس، وقام بخلاف الناس إنما هو الله المتجسد وقد فعل ما فعل حباً بنا وبخلاصنا. فهل تتخذه مخلصاً ورباً الآن وتعترف به أمام الناس؟ قال يسوع: "من اعترف بي.. أعترف به.. ومن استحى بي.... أستحي به..".
3- مقارنة الروحيات بالروحيات
بالحقيقة إن موضوع لاهوت المسيح واسع جداً، ولا يمكن أن نعطيه حقه في مقالة كهذا. فضلاً عن أن الموضوع ليس سهلاً. فمحدودية الإنسان عاجزة عن سبر أغوار كنه الله اللا محدود.
في هذا الفصل سأستخدم أسلوب المقارنة الذي علّم به الرسول العظيم بولس. فقد كتب ملهماً في الإصحاح الثاني من رسالة كورنثوس الأولى يقول: "ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها... بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات". وعندما نعمل بهذه النصيحة فإننا نبلغ النتيجة المرجوة لاسيما إذا كانت قلوبنا وألبابنا منفتحة على كلمة الله.
المقارنة الأولى هي بين الإصحاح 40 من إشعياء والإصحاح 3 من إنجيل متى. ففي إشعياء نقرأ النبوة القائلة: "صوت صارخ في البرية. أعدوا طريق الرب. قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا". وتحقيق هذه النبوة وارد في الإصحاح 3 من إنجيل متى حيث يقول البشير: "وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: "توبوا.." ثم يعلق متى قائلاً: "هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل: صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب. اصنعوا سبله مستقيمة".
لاحظ أن لفظة "الرب" التي استعملها إشعياء هي "يهوه" اسم الجلالة في العهد القديم، فقال "أعدوا طريق الرب". ثم تابع يقول "قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا". فهو يسمّيه "الرب" وأيضاً "إلهنا". ويقول متى أن هذه النبوة تمت في المسيح. ومعنى هذا أن المسيح نفسه هو الرب الإله.
المقارنة الثانية هي بين الإصحاح السادس من إشعياء والإصحاح 12 من إنجيل يوحنا. ففي سفر إشعياء يقول النبي استهلالاً بالآية 8 : "ثم سمعت صوت السيد قائلاً: من أرسل ومن يذهب من أجلنا؟ فقلت، هأنذا أرسلني فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً ولا تفهموا وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا. غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى." ومن يقرأ الفصل كله يعلم جيداً أن الذي رآه إشعياء وتكلم معه إنما هوالسيد "يهوه" رب الجنود.
أما في العهد الجديد فيخبرنا يوحنا في الإصحاح 12 من إنجيله استهلالاً بالآية 37 قائلا: "مع أنه (أي يسوع) كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به". وبعدها اقتبس في الآية 40 نبوة إشعياء التي أوردتها في الفقرة الأولى من هذه المقارنة الثانية. وعلّق يوحنا على الرؤيا التي رآها إشعياء فقال في الآية 41 : "قال إشعياء هذا حين رأى مجده (أي مجد المسيح) وتكلم عنه". والنتيجة الحتمية التي نطلع بها من هذه المقارنة هي أن مسيح العهد الجديد هو يهوه العهد القديم بالذات.
المقارنة الثالثة هي بين الإصحاح الخامس والأربعين من إشعياء والإصحاح الرابع من أعمال الرسل. ففي المقطع الأخير من الإصحاح الخامس والأربعين من نبوة إشعياء يقول الله "أنا الرب ولا إله غيري. إله بار ومخلص ليس سواي". ثم يتابع قوله: "التفتوا إلي واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأني أنا الله وليس آخر". ومن هذه الكلمات يتضح لنا أن الله وحده هو المخلص ولا آخر سواه. ولذلك يطلب من الأمم والشعوب أن يلتفتوا إليه بالإيمان ليخلصوا.
عندما نأتي إلى الإصحاح الرابع من أعمال الرسل نجد بطرس الرسول يدعو الناس إلى المسيح المخلص الوحيد قائلاً: "وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص".
فعندما يقول الله في العهد القديم "التفتوا إلي واخلصوا"، ومن جهة أخرى يقول بطرس عن المسيح "وليس بأحد غيره الخلاص"، فماذا نستنتج يا ترى؟ هذا يسير من كثير، ولكني أكتفي بهذه المقارنات الثلاث.
أخي القاريء: هل يسوع المسيح هو مخلصك وإلهك؟ اذكر قول الكتاب المقدس أن يسوع "قادر أن يخلص إلى التمام جميع الذين يتقدمون به إلى الله" وكل ذلك لأن الابن مساو للآب في الجوهر. وكلاهما مع الروح القدس إله واحد. له المجد والكرامة إلى ابد الدهور.
- عدد الزيارات: 7072