ما هي الأسفار المقدسة التي يقبلها المسيحيون؟
والآن يا صديقي، سأجيب على سؤالك المتعلق بأسفارنا المقدسة. أنت تعلم أنه منذ قديم الزمان دُعي اليهود والمسيحيون "أهل الكتاب". هذا اللقب ملائم ومناسب لهم، لأن اليهود والمسيحيين كليهما كانوا مهتمين على الدوام بحفظ أسفارهم المقدسة.
ما هي الأسفار التي يعتبرها المسيحيون "مقدسة"؟ إنها 66 سفراً، ورغم أنها مجمعة في أغلب الأحيان في مجلد واحد يدعى الكتاب المقدس، إلا أنها مقسمة إلى جزأين: يسميان عادةً العهد القديم والعهد الجديد. وسنناقش هذين الجزأين كلاً على حدة.
العهد القديم:
هذا الجزء يحوي 39 سفراً، وهذه كلها تُعتبر "أسفاراً مقدسة" عند اليهود والمسيحيين. هذه الأسفار كُتبت بالعبرية. كتبها مؤلفون عديدون مختلفون خلال مرحلة دامت 1000 سنة على الأقل. الأسفار الخمسة الأولى تعرف باسم "التوراة" أو "الأسفار الموسوية الخمسة". مواد هذه الأسفار جُمعت من تدوينات قديمة وكتبها موسى وآخرون بإرشاد الله. السفر الأول، يُدعى التكوين، يبدأ بسرد رواية خلق الله للعالم، ويخبرنا عن آدم وحواء، ونوح والطوفان. إنه يتحدث أيضاً عن إبراهيم الذي ترك دياره في العراق إطاعة لأمر الله حوالي العام 2000 ق. م وذهب إلى فلسطين التي كان الله قد وعده بأن يعطيه إياه. ويخبرنا السفر أيضاً عن اسحق ويعقوب، وعن يوسف الذي باعه أخوته كعبد إلى مصر، والذي صار فيما بعد وزيراً لفرعون. الأسفار الأربعة الأخرى من التوراة تخبرنا كيف أن الله قد أعطى القوة لموسى ليقود بني إسرائيل، نسل أبناء يعقوب (إسرائيل) الإثني عشر، فخرج بهم من مصر حوالي العام 1300 ق. م إلى فلسطين. هذه الأسفار أيضاً تعطينا بشكل كامل كل الشرائع التي أعطاها الله لموسى لأجل شعب إسرائيل على جبل سيناء.
بعد التوراة تأتي الأسفار التاريخية التي تخبرنا كيف احتل بنو إسرائيل فلسطين تحت قيادة يشوع بن نون. إنها تروي كيف أرسل الله صموئيل الني ليمسح بزيت زيتون داود ملكاً على إسرائيل حوالي عام 1000 ق. م. تخبرنا أيضاً كيف أن داود، الذي كان ملكاً ونبياً بآن معاً، قد هزم أعداءه، وكيف بنى ابنه سليمان هيكلاً لعبادة الله في أورشليم. بعد سليمان انقسمت المملكة، وحكم نسل سليمان سبط يهوذا في أورشليم، إلى أن تعرضوا للأسر عام 586 ق. م على يد جيوش ملك بابل. ونُقل الكثير من اليهود إلى الأسر في العراق وإيران. وبعد 50 سنة احتل كورش ملك فارس بابل، وشجّع اليهود الأسرى على العودة إلى أورشليم وأن يعيدوا بناء هيكل الله الذي كان قد دُمر. وهذا ما فعلوه. ولكن بعد عام 586 ق. م، ما من أحد من نسل داود قد حكم فلسطين لأنها صارت خاضعة للغرباء.
بعد الأسفار التاريخية في العهد القديم تأتي الأسفار الشعرية، مثل سفر أيوب، ومزامير داود، وأمثال سليمان وغيرها. ثم يأتي 16 سفراً كتبها أنبياء مختلفون، مثل أشعياء، وإرميا، وحزقيال، ودانيال، وميخا، وزكريا، وملاخي. معظم هؤلاء الأنبياء عاشوا في يهوذا خلال الفترة 800 إلى 400 ق. م. ويبدو أن الله لم يرسِلْ أيَّ نبي بعد ملاخي (حوالي عام 430 ق. م) إلى أن ظهر يوحنا المعمدان (حوالي عام 26 ميلادية).
العهد الجديد:
إن عدد الأسفار التي تؤلف العهد الجديد هي 27 سفراً. وقد كُتِبت باللغة اليونانية على يد حوالي عشر كُتّاب مختلفين خلال فترة حوالي 50 سنة بعد موت وقيامة يسوع المسيح. المصطلح "العهد القديم" يشير إلى العهد الذي أقامه الله مع شعبه إسرائيل عن طريق موسى. وأما "العهد الجديد" فيشير إلى العهد الذي أقامه الله مع شعبه الجديد، أعني به أولئك الذين يؤمنون بالمسيح. الأسفار الأربعة الأولى في العهد الجديد تُدعى "الأناجيل"، وهي من الكلمة اليونانية التي تعني البشرى السارة. لقد كتبها أربعة مؤلفين مختلفين، وهي أربع روايات مستقلة منفصلة تتكلم عن حياة وتعاليم يسوع المسيح. لا تتناقض مع بعضها بل تؤيد بعضها البعض، وهي كمثل أربع صور فوتوغرافية لشخص واحدٍ أُخذت من جوانب مختلفة. وعموماً كل أسفار العهد الجديد تُدعى "إنجيل".
السفر الخامس من العهد الجديد هو سفر أعمال الرسل. إنه يخبرنا عن تاريخ انتشار الإيمان المسيحي من أورشليم إلى روما خلال السنوات الثلاثين بعد موت وقيامة يسوع المسيح. إنه يخبرنا بشكل خاص عن عمل الرسولين بطرس وبولس. ثم تأتي 21 رسالة كتب معظمها الرسل بولس وبطرس ويوحنا. هذه الرسائل كُتبت لمجموعات من المسيحيين في عدد من المدن في الإمبراطورية الرومانية، أو إلى أفراد. كانت تشرح ما يجب أن يؤمنوا به، وكيف ينبغي أن يعيشوا. السفر الأخير الذي يُدعى الرؤيا يصف الرؤى التي رآها يوحنا الرسول. إنها تُصور العقاب الذي سينزل بغير المؤمنين، والانتصار النهائي ليسوع المسيح، ومجد ملكوت الله الأبدي. بينما يقبل اليهود والمسيحيون كلاهما أسفار العهد الجديد، إلا أن اليهود لا يعتبرون أن العهد الجديد هو من الله.
على الأرجح أنك تريد الآن أن تسأل ما الذي يعنيه المسيحيون عندما يقولون أن هذه الأسفار "مقدسة" أو "من الله". في البداية أقول لا نقصد بذلك أن الله قد أملى هذه الأسفار جميعاً على كُتابها العديدين كمدير يملي رسالة على سكرتيرته. إذ عندما نقرأ الأسفار المختلفة نرى اختلافات عظيمة في الأسلوب. لم يكتب داود كما كتب سليمان، ولم يكتب بولس كما كتب يوحنا. كان لكل واحد منهم شخصية متميزة ولذلك كتبوا بطرق مختلفة. ثم، لعلك تسأل، هل كانت الأسفار التي كتبوها مستندات بشرية وحسب، كما الكتب الأخرى التي يكتبها الناس، وبالتالي تحوي أخطاء إضافة إلى حقائق؟ في الواقع لا. إذ رغم أن هذه الأسفار قد صاغها بشر، إلا أن المسيحيين يدعون جميعها كلمة الله. إن إيماننا هو أن الله بروحه القدوس قد أرشد هؤلاء الكُتّاب ليكتبوا ما هو حقيقي. إننا نؤمن أن الله قد عرّف الأنبياء بحقه وبإرادته لكي يستطيعوا أن ينقلوا رسالته إلى البشر. وبنفس الطريقة فقد جعل الله حقّه معروفاً لدى هؤلاء الناس الذين اختارهم ليكتبوا هذه الأسفار. لذا فإن كل مؤلف، وبقلمه الخاص وبصفاته الإنسانية المميزة، وبإرشاد من روح قدس الله، كتب كلمة الله لنا. فقد جاء في الإنجيل المقدس أو العهد الجديد أنه: "لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2 بطرس 1: 21). كما تكلموا من عند الله، كذلك أيضاً كتبوا كلمة الله. الكتاب المقدس هو كلمة الله المكتوبة. لذلك نعتبر نحن المسيحيين أن الكتاب المقدس مختلف تماماً عن بقية الكتب الأخرى الموجودة في العالم. ونؤمن أنه يوجد في داخله كل ما نحتاج إلى معرفته عن الله، وعن ما هو واجبنا تجاهه وتجاه إخوتنا في البشرية. لأن هذا الكتاب يخبرنا عن المخلص يسوع المسيح، الذي هو وحده لديه القدرة على أن يُغير البشر الخطاة ويجعل العالم كما يبتغيه الله أن يكون. والآن هل لي أن أوضح بضعة مسائل؟
1- أولاً، دعوني أقول أنه على الرغم من أن هناك طوائف عديدة مختلفة من المسيحيين في العالم، إلا أن جميعهم يقبلون هذه الأسفار ال66 ويعتبرونها حقيقية، ويرون فيها دليلاً لا مثيل له إلى العقيدة والحياة.
2- لا يعتقد المسيحيون أن الأسفار اللاحقة تُبطِل (تنسخ) أو تحل محل التي قبلها. فعلى سبيل المثال، لا نعتقد أن الإنجيل قد حلّ محل التوراة. قال يسوع: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ" (متى 5: 17). كما في المدرسة حيث الكتب المستخدمة في الصف العاشر لا تُناقض أو تُبطِل تلك التي في الصفوف الأدنى بل تُكملها، كذا فإن الأسفار اللاحقة التي أعطاها الله لا تُلغي التي سبقتها، بل تعطي الناس فهماً أكمل عن حقيقة الله. ولذلك فإننا نحن المسيحيين، نقرأ كل الأسفار لنتعلم كل الدروس التي يعلمنا إياها الله. إن كُتب سفر لا يتوافق مع ما قاله الله في الكتاب المقدس، فإننا سنعلم أن هذا السفر ليس من الله. لأن الله لا يُناقض نفسه أبداً.
3- إن سمعتَ بالقول أن المسيحيين قد غيروا (حرّفوا) أسفارهم المقدسة، وأن الأسفار التي لدينا الآن ليست موثوقاً بها، فإني أؤكد لك أن هذه التهمة باطلة تماماً. إن المسيحيين يحبون أسفارهم المقدسة، وسوف لن يسمحوا لأشخاص أشرار بأن يدمروها أو يغيروا فيها. إضافة إلى ذلك، فإن المخطوطات اليونانية موجودة اليوم وهذه كُتِبت باليد منذ أكثر من 1600 سنة ومنها نستمد ترجماتنا الحالية. لقد أعطى الله كلمته لكل الجنس البشري وحاول المسيحيون ترجمة الكتاب المقدس بأكمله أو أجزاء منه إلى كل لغة في العالم لكي يستطيع كل إنسان أن يقرأه بلغته الأم. لقد تُرجم الكتاب المقدس أو أجزاء منه ونشر بأكثر من 1400 لغة مختلفة. وفي كل لغة بقيت الرسالة على حالها. هل تعلم أن عدد نسخ الكتاب المقدس التي توزع كل عام تفوق بكثير أي كتاب آخر في العالم؟ وبالتأكيد لن تكون هذه هي الحال لو كان هناك اعتقاد بأن هذا الكتاب زائف أو فيه تحوير. إضافة إلى ذلك، يستحيل على الله الذي أعطى كلمته لإرشاد الناس أن يسمح بأن تتغير فتُضل الناس. بل إن الله نفسه هو الحارس على كلمته المقدسة، وقد حفظها لآلاف السنين من أي شيء يمكن أن يدمرها. ولذلك فإنها موضع ثقة على نحو كامل.
4- أحد الأمور اللافتة المتعلقة بالأسفار الـ 66 بالكتاب المقدس هو أنه رغم كونها قد كُتبت على يد كتاب عديدين على مدى فترة تمتد لحوالي 1500 سنة فإن رسالتهم واحدة. إنهم يخبروننا من هو الله، وما يطلبه الله من الإنسان، وما فعله الله ليخلص الإنسان الخاطئ. هذا يظهر أن الله هو المؤلف الحقيقي لكل هذه الأسفار وليس الناس الذين كتبوها.
5- أمر لافت آخر يتعلق بالكتاب المقدس هو سهولة فهمه. رغم أنه كُتب بلغات قديمة منذ زمن بعيد جداً، يمكن ترجمته إلى الكثير من لغات العالم اليوم، وحتى الناس ذوي الثقافة المحدودة يمكنهم فهم رسالته. لطالما سمعت رجالاً ونساءً في أماكن بعيدة من العالم، بدون أي تعليم، وبمجرد قراءتهم لجزء من الكتاب المقدس، جاءوا إلى معرفة الله ووجدوا غفران ذنوبهم والخلاص منها. بالطبع، الدارسون المتعلمون كتبوا كتباً عديدة تساعدنا على فهم كلمة الله بشكل أكمل، ومجامع الكنيسة المسيحية صاغت دساتير عقائد إيمانية أرشدت المؤمنين إلى طريق الحق. ولكن يحدث عادة إذا ما درس المرء الكتاب المقدس بعناية فإنه سيجد أنه يشرح نفسه. الكتاب المقدس يخبرنا عن كل ما نحتاج لمعرفة الله والإنسان. ولذلك، فكل مسيحي لديه الامتياز والواجب لأن يدرس الكتاب المقدس. بمساعدة مسيحيين آخرين، وبإرشاد الروح القدس، يمكنه أن يفسر الكتاب المقدس لنفسه. كثير من المسيحيين لديهم عدد قراءة جزء من الكتاب المقدس كل يوم والتأمل في التعليم الذي يحويه.
لعلك تساءلت عن السبب في أني لم أقل أن الإنجيل قد كتبه يسوع، أو أعطاه الله ليسوع المسيح. الحقيقة هي أنها على حد علمنا لم يكتب يسوع أي كتاب، ولم يكن لديه أي كتاب في يده أعطاه الله إياه. وكما سأوضح لاحقاً فقد كان هو نفسه كلمة الله الحية، والله تكلم إلى الناس من خلال ما كانه يسوع وما فعله، وأيضاً من خلال ما قاله. لقد كان هو نفسه التجسيد الكامل لله. ومن هنا فإن الله أرشد متى وبولس وآخرين ليكتبوا الأسفار مصورين يسوع المسيح لنا. وهذا يساعدنا على أن نراه، وأن نسمع رسالة الله من خلاله. ولذلك، يا صديقي، أنت تدرك من خلال ما كتبت كم هو مهم الكتاب المقدس، وكم هو ضروري للجميع ليقرأوه، أو ليستمعوا إلى محتوياته. إذ منه فقط يمكن للمرء أن يكتسب فهماً حقيقياً للدين المسيحي وطريق الخلاص. آمل أن تشتري نسخة، وأن تقرأ العهد الجديد أولاً. ثم انتقل إلى العهد القديم، الذي ستفهمه على نحو أفضل بعد قراءة العهد الجديد. أصلي لله أن يتكلم إليك من خلال كل صفحة من كلمته المقدسة.
- عدد الزيارات: 12614