Skip to main content

الله

الفصل التاسع: كيف أُصبح عضواً في عائلة الله؟

في أوائل الأربعينيات من هذا القرن، أنجز الطب تقدماً عظيماً في مجال جراحة العين حتى أمكن نقل قرنية سليمة من عين إنسان تُوفي لتوّه، وزرعها في عين آخر أعمى. وتحدث الدكتور سانجستر عن أول عملية ناجحة لنقل وزرع قرنية العين، فقال إنه عند الفجر اصطحب شخصين إلى غرفة العمليات، أحدهما سيدة وُلدت عمياء، والآخر طبيبها جراح العيون الذي أجرى العملية. وفي الأيام التالية للعملية كانت طبقات الضمادات التي تحمي عيني المريضة تُنزع تدريجياً فبدأت المولودة عمياء تحس بالضوء، وصارت في منتهى الانفعال. وفي اليوم الموعود قبل شروق الشمس نُزعت الضمادة الأخيرة من على عينيها اللتين صارتا مبصرتين.

في هذا اليوم لم يكن ممكناً لشروق الشمس بالنسبة لهذه السيدة أن يكون أكثر بهاءً، فقد بزغ الضوء من وراء الأفق وكأنه يشرق خصيصاً لها! وبدأت الظلال تَقْصُر، وقطرات الندى تلمع على أوراق النباتات الخضراء.. وبدموعها على خدَّيها تطلعت إلى الطيور المشغولة بالقفز على الأرض التي بلَّلها الندى تبحث عن إفطارها، فصاحت: "لقد حاولتم أن تصفوا لي هذا، ولكني لم أكن أتصور أبداً أنه بمثل هذا الجمال!" ثم جلست في رهبة صامتة أمام عظمة خليقة الله.

كيف تستطيع أن تصف اللون الأحمر لإنسان لم يبصر أبداً؟ أو تشرح درامية غروب الشمس لإنسانٍ لم ترَ عيناه النور أبداً؟ إن هذا بالتأكيد مستحيل، لأن كلماتك ستقع على أذني مستمع لا خلفية عنده عن النور ليرجع إليها! إن الكمال في لوحة فنان، والفرحة في وجه إنسان، أو جلال منظر الغروب لا تصفه الكلمات. وينطبق نفس الشيء على العالم الروحي.

ويواجه المؤمن الذي يريد أن يصف الجمال الروحي لغير مؤمن نفس الصعوبة. تحدثتُ مرة إلى طالب طب يستعد لامتحاناته النهائية، وحاولت أن أشرح أعجوبة حب الله. فأجابني ببساطة: "أنا لا أستطيع أن أرى هذا الحب". وتجاهلت ردَّه ومضيتُ أقول: "أنا لا أتوقَّع أنك تستطيع، لأنك مثل إنسان يعيش في حجرة مظلمة. أنا أعرف ماذا يشبه هذا الأمر، فقد عشت أنا نفسي في ظلام روحي. ولكن عندما أشرقَت عليَّ شمس حب الله جعلتني أستطيع. ولو أردت أن تفهم الله فيجب أن تخرج من هذه الحجرة المظلمة إلى نور شمسه الوضاح". في ذلك اليوم ركع طالب الطب ليسأل المسيح أن يغفر خطيته ويدخل حياته. ولن أنسى ما قاله عندما نهض من على ركبتيه. قال: "لم أفكر أبداً أن أمراً كهذا يمكن أن يكون بمثل هذه الروعة!".

وكما ينقل النظر الطبيعي جمال خليقة الله للعين البشرية، ينقل البصر الروحي حقيقة وجود الله وقوته وحبه إلى النفس البشرية. وكم هو محزنٌ أن تستمع لإنسان أعمى روحياً يتحدث عن الله، لأنه بسبب فقدانه للبصيرة الروحية، سيقدِّم صورة خاطئة أو ناقصة عن الله.

بعد أن صعد المسيح للسماء، تكلم على فم رسوله يوحنا، وقدم تشخيصاً مروّعاً لحالة القائد الروحي في مدينة لاودكية وقال: "لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ.. أَعْمَى" (رؤيا 3:17). فهل تتصوَّر أعمى لا يدري حالته المحزنة؟ وبعد تشخيص العمى الروحي استطرد المسيح ليصف علاجه، فقال له: "كَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْلٍ لِكَيْ تُبْصِرَ" (رؤيا 3:18). وكم هي هامة هذه الوصفة! إن النظر الروحي يحتاج إلى عملية روحية في العين، وهذا ما يعمله الروح القدس.

عندما وُلدتَ ميلاداً طبيعياً لم يكن لك الرؤية والفهم الروحيين. فإن كنت تريد أن تجد مخرجاً من الظلمة الروحية إلى "إِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللّهِ" (2كورنثوس 4:6). فأنت تحتاج أن تولد ثانيةً. قال المسيح لنيقوديموس: "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. لَا تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللّه" (يوحنا 3:3 و6 و7). فإن كنت تريد أن ترى ملكوت الله يجب أن تولد ثانيةً.

لقد وُلدتَ مثل كل كائن بشري آخر، وبداخلك فراغ شكّله الله، يصيح مشتاقاً أن يُملأ. ولا يمكن إشباع هذا الفراغ الروحي إلا بدخول المسيح قلبك وسكناه فيه. وعندما تقبل ذلك، فإن هدف كفارته سيتحقَّق في حياتك، فإنه لم يمت ليغفر خطاياك فقط، ولكن ليكون قلبك مكاناً روحياً طاهراً يحل هو فيه بجلاله. فمن الضروري أن تُغفَر خطاياك قبل أن يأتي ليسكن قلبك.

بينما كنت أتحدَّث مع مؤمن أفريقي شاب، وجدتُه متحمساً أن يشارك الخبر المفرح عن المسيح مع شباب بلده. وفي الأسبوع التالي كانت لي الفرصة لألقي دروساً كتابية لنحو مئتي قسيس، فدعوتُه ليحضر معهم. ولما كان يسكن على بُعد مئات الأميال من مكان اجتماع القسوس، فقد استقل سيارة مزدحمة بالركاب، سارت على طريق مليء بالحُفر ليقابلنا. وأخيراً وصل منهكاً ومتعَباً، ولكنه كان سعيداً جداً أن يجد فرصة جديدة ليتعلم أكثر عن الله وعن كلمته. ولم يركب السيارة المزدحمة إلا مُكرهاً، فقد كانت وسيلته الوحيدة ليصل إلى الاجتماع، وكان هدفه الفعلي هو ما ينتظره في نهاية رحلته.

وبنفس الطريقة سار المسيح في الطريق الوحيد الذي يوصِّله إلى حياتك، ليمنحك الشركة معه والأُنس به، وهو طريق الصليب، ليغفر خطاياك ويطهرك من كل إثم. وإن كانت هذه رغبته القصوى لك، فبالتأكيد لن ترضى أنت بشيءٍ أقل من هذا. إن هذه العلاقة الشخصية مع المسيح هي الغرض الأساسي الذي لأجله خُلقتَ.

وعندما يدخل المسيح حياتك تتأكد هنا والآن أن حياتك الأبدية قد بدأت فعلاً، وأن حلول المسيح فيك يرفع حياتك الأرضية إلى السماويات، ويضمن لك أنك في طريقك للسماء. "وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللّهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الِابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللّهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ" (1يوحنا 5:11 و12). وهذه هي المعجزة التي اختبرها طالب الطب. لقد غفر المسيح خطاياه ودخل حياته، فصاح: "لم أفكر أبداً أن أمراً كهذا يمكن أن يكون بمثل هذه الروعة!".

لكن كيف؟

أعطى الله رغبة لكثيرين ليتعرَّفوا على المسيح المخلّص بعد أن سمعوا الرسول بطرس يعظ عن حياة المسيح وموته وقيامته. لقد عمل فيهم الروح القدس ما يفعله الآن معك. تحدَّث الرسول بطرس عن المسيح الرب (كيريوس - يهوه) ومسيح الله. فخلق فيهم هذا الفهم تبكيتاً وإحساساً بالحاجة إلى الخلاص، بعكس ما فعلوه قبل ذلك بنحو خمسين يوماً عندما صرخوا: "اصلبه! اصلبه!". ولكنهم وهم يسمعون الرسول بطرس "نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ الرُّسُلِ: "مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الْإِخْوَةُ؟" (أعمال 2:37) فكانت إجابة بطرس الأولى لهم هي حثّهم على التوبة التي بدونها لا يكون الإيمان حقيقياً، بل يكون فقط محاولة تصديق. إن الإيمان الذي يخلِّص هو الذي يرغب في تغيير الاتجاه.

عندما تشكر المسيح في ثقة بسيطة على ما فعله من أجلك إذ مات على الصليب، فإنك تعبِّر بذلك عن تغيير اتجاهك نحو الله ونحو الخطية، وتكون قد اختبرتَ تغييراً درامياً. حينئذ فقط يُجري الروح القدس جراحة روحية في عينيك، فتبدأ ترى الأمور من زاوية جديدة. وهذا معنى "التوبة". إنها تغيير الفكر، وعلى هذا فإن اختبار الميلاد الجديد الحقيقي يتضمَّن تغييراً جذرياً في الفكر نحو الله ونحو الخطية.

نحو الله: التوبة هي تغيير الفكر. وهي ترفض كل مفهوم كاذب عن الله. لقد رأيتُ أناساً في أفريقيا كافحوا ضد طرقهم القديمة وعاداتهم الوثنية، وأحرقوا أصنامهم علانية بعد أن عرفوا المسيح. وعندي أصدقاء قاوموا ضغوطاً اجتماعية هائلة، وواجهوا تهديدات وأخطاراً عندما تحوَّلوا عن أنظمة دينية أو اجتماعية خاطئة ليتبعوا الله الذي أعلن عن نفسه في الكتاب المقدس. فالإيمان المخلِّص ينبغي أن يكون متأصلاً في الاقتناع أن المسيح هو يهوه - الله المخلّص الوحيد.

نحو الخطية: عندما تختبر الخلاص من الخطية بالإيمان بالمسيح، تكتشف حالتك الخاطئة بأسف وخجل. وتغيير فكرك من نحو الخطية (أي توبتك) يعني أنك لن تحاول فيما بعد أن تتجاهل خطيتك، أو أن توجد لها أعذاراً، وأنك لن تأمل فيما بعد أن صلاحك سوف يخلّصك، فكل أعمال بر الإنسان هي كثوب نجس أمام الإله القدوس (إشعياء 64:6). وستجد لديك الرغبة في أن تتحوَّل بعيداً عن كل ما لا يُرضيه في حياتك.

تخيَّل جندياً خرج في إجازة من ثكنته. وفي أثناء الأجازة وصله خطابان، واحد من صديق له، والآخر من قائده. الأول يدعوه لحضور زفاف صديقه، والآخر يستدعيه للعودة للخدمة. هناك بالتأكيد فرقٌ بين دعوةٍ وأمر. الدعوة يمكن أن تُرفض بأدب، أما الأمر فيقدِّم بديلين لا ثالث لهما: إما الطاعة أو التمرُّد.

ولأن الله يحبك، ويعرف أن الخطية ستحطم حياتك، فهو لا يدعوك أن تتوب بل يأمرك بذلك. وقد ختم بولس تقديم رسالة الإنجيل للفلاسفة والفضوليين في أثينا (عاصمة اليونان) بقوله: "فَاللّهُ الْآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا.." (أعمال 17:30). وأنت أيضاً ضمن "جميع الناس" يجب أن تتوب.

وستحدث المعجزة في حياتك عندما تتحوَّل عن مواقفك الخاطئة من نحو الله، وتهجر خطيتك الشخصية، وبالإيمان تتَّجه إلى المسيح داعياً إياه إلهك ومخلِّصك، فيعمل الروح القدس في قلبك "أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ" (فيلبي 2:13) كل ما هو صالح في عيني الله. ومن هذا نرى أن الله يجهِّز للراغبين في التوبة الرغبة والقدرة معاً على أن يعملوا ما يُرضيه ويسرّه. عند ذلك فقط تُحقّق انتظارات الله منك.

وكصديق لك أطلب منك أن تقبل المسيح مخلِّصاً لك وبدون تأجيل. فتِّش عن مكان هادئ تركع فيه أمام الله مصلّياً الصلاة التي أقترحها لك. لا تكرِّرها كالببغاء بدون تفكير. المهم أن تتلوها وأنت مقتنع أن المسيح هو الطريق والحق والحياة، ولا يأتي أحدٌ إلى الآب إلا به (يوحنا 14:6).

والآن ربما تحب أن تغمض عينيك وتصلي من قلبك، أو تصلي الصلاة التالية:

صلاتي، استجابةً لدعوة الله

يا إلهي، أعترف أني لم أعرفك ولا أحببتك. ولكني أشكرك لأنك تعرفني وتحبني.

أنا خاطئ، لا أقدر أن أساعد نفسي ولا أن أكسب خلاصي بنفسي، فأتَّجه نحوك مؤمناً، طالباً غفرانك. أعترف أني خاطئ تائب عن خطاياه. شكراً لك لأنك مُتَّ عني، واهباً لي دمك الثمين الذي يعطي الحياة ويطهِّرها. وفي ثقة أضع نفسي تحت حماية الدم الكريم.

أرجوك أن تجيء إلى قلبي وتملك على حياتي.

والآن أشكرك لأنك أعطيتني ميلاداً ثانياً بالروح القدس. وما أروع أن أعرف أني صرتُ ابناً لله بقوة قيامتك، وأنك تحيا فيَّ إلى الأبد.

وكل من يؤمن به ويتكل عليه لن يُخزى (1بطرس 2:6).

والآن أَخبرِ شخصاً آخر بما فعلته. اذكر دائماً أن المسيح يحيا فيك، وأن عنده لك كل القوة التي تحتاجها لتتحدَّث عنه ولتحيا له.

وقفة للتفكير

ما هي أفضل طريقة للتعبير عن الشكر لشخص أعطاك هدية ثمينة:

هل بأن تقول له: "إنها لي"؟

أو بأن تقول له: "أشكرك"؟

من يعطيك التأكيد أنك ابنٌ لله: الشعور أم الإيمان؟

"بِالنِّعْمَةِ أنتم مُخَلَّصُونَ، بِالْإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ" (أفسس 2:8).

هل يشتمل إيمانك بالمسيح على:

عامل التوبة؟

عامل الشكر؟

اتجاه الاعتماد الكامل عليه؟

هل تصرف الآن وقتاً تشكر فيه الله الذي خلَّصك، وتسبِّحه ليس فقط على ما فعله لأجلك، بل لأجل شخصه الكريم؟

"إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللّهَ أَقَامَهُ مِنَ الْأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ. لِأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلَاصِ" (رومية 10:9 و10).

"لا يمكن لشيء، من ظروف ومتاعب وتجارب، أن يمسَّني من قبل أن يمرَّ أولاً على الله وعلى المسيح، قبل أن يصل إليَّ.. فلو أن شيئاً من هذه جاز كل هذه المسافات حتى يصلني، فلا بد أن له غرضاً عظيماً، قد لا أفهمه للوهلة الأولى. وعندما أرفض الرعب، وأرفع عينيَّ إلى الله، معترفاً أن المتاعب جاءتني من عند الله لهدف عظيم هو بركة قلبي، فلن يربكني حزن، ولن تنزع أي تجربة سلاحي مني، ولن تجعلني أية ظروف أن أقلق، لأني سأكون مطمئناً في فرح الرب نفسه. وهذا هو انتصار الإيمان" (ألان ردباث). 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 2025