الفصل العاشر: ثم ماذا بعد هذا؟
الخلاص عطية مجانية تماماً، وليس هناك شيء يستطيع الإنسان أن يفعله ليكسب خلاص نفسه، فقد أكمل المسيح كل شيء. فإن صلَّيت بإخلاص الصلاة المقترحة (أو صلاة مماثلة) فإن إيمانك بالمسيح قد جعلك ابناً لله "أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ اللّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 1:12).
ولعلك تسأل الآن: ثم ماذا بعد هذا؟
قبل أن يترك المسيح تلاميذه ليهزم الموت بقيامته ويصعد للسماء، قال: "اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ" (يوحنا 15:4) فشرح معنى الحياة المسيحية، وأوضح (من وُجهة النظر الإلهية) أن المؤمن يحيا آمِناً في المسيح إلى أن يصل إلى السماء. ولما كان المسيح يثبت في المؤمنين، فإن عائلاتهم وأصدقاءهم وزملاءهم في العمل سيلاحظون التغيير الذي جرى في حياتهم نتيجة لسُكنى المسيح فيهم.
عندما تراقب القضيب الحديدي الذي يحركون النار به ستقول: "القضيب في النار". ولكن لو تأملتَ لاكتشفت احمرار القضيب وقلت أيضاً: "والنار في الحديد". وإذا دليت دلواً في بئر وغمرته فيه حتى يمتلئ، فستقول إن الدلو في الماء، والماء في الدلو.
عندما تولد ثانية يغمرك الروح القدس فتصبح حياتك "مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللّهِ" (كولوسي 3:3). ولأنك تولد ثانية تكون في المسيح، وتصبح سكنى المسيح المقام مجداً شخصياً لك بقوة الروح القدس، فتفرح لأن "الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ" (كولوسي 1:27). فيحيا المسيح المقام فيك. هللويا.
والآن لنتأمل في الحق الواحد: أنت في المسيح والمسيح فيك:
أنا في المسيح
"لِأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ" (1كورنثوس 12:13).
"كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الْأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الْآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (رومية 6: 3 و4).
"لِأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللّهِ" (كولوسي 3:3).
أعرف صبياً أصيب بسرطان الدم. ولما كان في السابعة كان يجب أن يذهب لطبيبه مرة كل ثلاثة شهور ليُحقن في العمود الفقري. وذات مرة سأله طبيبه: "لماذا لا تصرخ كما يصرخ سائر الأولاد لما تخترق الحقنة عمودهم الفقري؟". فأجاب: "صحيح إنها مؤلمة، ولكنها تخترق أولاً يد يسوع قبل أن تلمسني". فيا له من إيمان واثق!
وكما قبلت المسيح بالإيمان ستجد أن الإيمان هو الوسيلة المناسبة والكافية لتأخذ من المسيح كل ما يسدد احتياجاتك. وعندما تضع ثقتك فيه تفتح الباب لثقة تستمر وتزيد "فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ" (كولوسي 2:6).
تبدأ المشاكل عندما نعالج تجارب الحياة وضغوطها بأنفسنا وبقوتنا الشخصية. وسرعان ما يكتشف المؤمن عجزه بنفسه عن أن يحيا الحياة المسيحية بقوته الذاتية، تماماً كما كان الحال قبل ولادته الثانية. وقد حذَّرنا المسيح من هذا بقوله: "بِدُونِي لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً" (يوحنا 15:5).
ولا يتوقع الله منك أن تقلّد المسيح، مع أنك وُلدت الولادة الثانية. وكم تحيَّر ملايين المسيحيين وهم يحاولون تقليد المسيح بدون نجاح. لذلك يخبرنا الرب عن تدبيره العظيم لحياتنا المسيحية، فيقول إننا مُتنا مع المسيح، وهذا يُميتنا بالنسبة لكل مطالب الناموس ولعناته. كما يجعلنا أمواتاً لكل مجهود شخصي نحاول به أن نتمم مطالب الناموس، ونموت عن كل قدرة لأن نحيا الحياة المسيحية بقوتنا. ولكن كم نشكر الله أننا أحياء نحيا حياة مجيدة بكفاية وحماية المسيح المقام.
وبَّخ الرسول بولس أهل غلاطية لأنهم بدأوا بالإيمان ولكنهم لم يكملوا به. بدأوا كما يجب، ولكنهم حاولوا أن يكملوا بالأعمال. فلنتعلم مما علَّمه بولس الرسول للغلاطيين: "أَيُّهَا الْغَلَاطِيُّونَ الْأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لَا تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوباً! أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هذَا فَقَطْ: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الْإِيمَانِ؟ أَهكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الْآنَ بِالْجَسَدِ؟" (غلاطية 3:1-3). إن المؤمنين "سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية 5:17).
لقد انتقل أهل غلاطية من حيوية الإيمان المعتمد على المسيح إلى مجهودات نفوسهم المقيَّدة بالناموس. وعندما تحيا بالإيمان المعتمِد على الله لن تتعرَّض للمتاعب الروحية التي تعرض لها الغلاطيون.
المسيح فيَّ
"مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ" (غلاطية 2:20).
"إِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ. وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الْأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الْأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ" (رومية 8:10 و11).
"الَّذِينَ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الْأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ" (كولوسي 1:27) "لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ" (أفسس 3:17).
ويمكن أن تعبِّر عن إيمانك المعتمِد على سكنى المسيح فيك بأن تقول: "الآن أُطلق يدك حرَّة لتحيا أنت فيَّ كما تريد". والأمر الرائع هو أن الله أوكل مسؤولية حياتك الروحية لشخص آخر سواك: هو المسيح الذي فيه كل الكفاية ليواجه ظروف الحياة ومتاعبها بدلاً عنك لأنه يسكن فيك. تستطيع أن تكون لاهوتياً بدون المسيح، وأن تكون قسيساً بدون المسيح، وأن تكون مبشراً بدون المسيح. لكنك لن تكون مسيحياً بغير المسيح الذي يجب أن يسكن قلبك.
ومن الرائع أن تعلم أن المسيح هو الإله الأزلي، وقد قال الرسول يوحنا: "الْمَسِيحِ.. الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي" (رؤيا 1:5 و8). فالمسيح هو الخالق والفادي وصاحب السلطان في السماء وعلى الأرض، ومع ذلك فهو لا يهمل آلام وتجارب المولودين ثانية على أرضنا، كما أنه يهتم بصلواتهم، ويقبل عبادتهم. وبروحه يسكن قلبك، فيعمل لك وبك ما تعجز أنت عن عمله بنفسك ولنفسك، فيطهِّرك بطهارته في عالم النجاسة، وينصرك بنصرته في عالم التجارب، ويحبك بحبِّه في عالم الأنانية. هو القيامة والحياة، وهو الآن حياتك.
وكلما سلَّمت حياتك له بخضوع سيستمر في طلب وتخليص النفوس الضالة بواسطتك، فقد جاء ليطلب ويخلِّص ما قد هلك (لوقا 19:10). وستكون حياتك عامرة بالفرح وأنت تراه يخلّص آخرين باستعدادك للشهادة لهم. ولاحظ أن صعود المسيح إلى السماء لم يبعده عنك، فقد قال: "بَعْدَ قَلِيلٍ لَا يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ" (يوحنا 14:19 و20).
وقد تسأل: "كيف تكون كل موارد الله المعطاة لي في المسيح واقعية وعملية في حياتي؟". وهذا سؤال أساسي، لأن إجابته توضح الفجوة بين الإيمان العقلي والإيمان الاختباري، كما تبيِّن الرغبة العميقة في إيمان عامل. وإجابة السؤال ببساطة هي أن الشكر يجعل حياة المسيح تنساب فينا، فالإيمان الصادق يشكر دوماً. تشكر على الخطايا المغفورة، وعلى أنه بنفسه سيكون لك ما تحتاجه، وقت الاحتياج إليه. وبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (عبرانيين 11:6). فلكي ترضيه عِش حياة الإيمان والشكر، وسيمنحك الله كفايتك من كل شيء.
كتب الرسول بطرس للمؤمنين المتألمين لأجل إيمانهم يقول: "قَدِّسُوا (أعطوا الحُكم الكامل) الرَّبَّ الْإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ" (1بطرس 3:15). وهذا يوضح لك كيف تواجه الاضطهاد بإيمان ثابت. تأكد أن المسيح سيد حياتك. وربما تذكر أن "أدوناي" هو أحد أسماء الله في العهد القديم، ومعناه "الرب والسيد" وقد حرَّض الرسول بطرس المؤمنين أن يسيِّدوا الله على حياتهم. وعندما يسود المسيح حياتك تتمتع بالشركة المستمرة معه، ويمنحك احتياجاتك اليومية، ويعطيك فرص خدمته. هذا الفكر تعبِّر عنه الترنيمة التالية:
يا رب، اجعلني عبداً لك
عندئذٍ أكون حراً
هبني أن أسلّم سيفي لك
وعندها أصبح منتصراً
إن الحرية الحقيقية لا تعني أبداً أن أفعل ما أريد وقتما أريد، بل أن أحصل من الله على القوة التي تمكّنني من فِعل ما يجب. ولنذكر كلمات الرسول بولس: "أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي" (فيلبي 4:13).
أثناء النهضة في شمال أيرلندا في سنة 1859 وقَّع آلاف الناس الذين جاءوا إلى المسيح عهد تكريسٍ شخصي، فغيّر الرب المُقام المناخ الأخلاقي لشمال أيرلندا في ذلك الوقت. وهذا ما يمكن أن تتمتَّع أنت ومجتمعك به، لو أنك التزمت بعهد تكريسك لله.
"وَإِلهُ السَّلَامِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الْأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الْأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِينَ" (عبرانيين 13:20 و21).
عهد إيماني
أقبل الله الآب ليكون لي إلهاً: "رَجَعْتُمْ إِلَى اللّهِ مِنَ الْأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا اللّهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ" (1تسالونيكي 1:9).
أقبل المسيح ليكون لي رباً ومخلصاً: "رَفَّعَهُ اللّهُ (المسيح) بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أعمال 5:31).
أقبل الروح القدس ليملأني بمحبة الله: "مَحَبَّةَ اللّهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رومية 5:5).
أقبل كلمة الله لتكون دستور حياتي: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللّهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللّهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ" (2تيموثاوس 3:16 و17).
أقبل المؤمنين ليكونوا شعبي: "شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي" (راعوث 1:16) .
أخصِّص نفسي بالتمام للرب: "لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ وَلَا أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ. لِأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ" (رومية 14:7 و8).
أفعل هذا بكل رغبتي: "وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا الرَّبَّ.. أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ" (يشوع 24:15).
وبكل إخلاصي: "فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلَاصِ اللّهِ، لَا فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللّهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلَا سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ" (2كورنثوس 1:12).
وبكل إرادتي: "شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ (متطوِّع) فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ" (مزامير 110:3).
وإلى الأبد: "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ" (رومية 8:35).
التوقيع.........................
التاريخ.........................
- عدد الزيارات: 2388