السقوط و ما تلاه
الخطيئة والسقوط:
ولكن الإنسان لم يكن مستقلاً بالكلية لأنه لم يخلق نفسه بنفسه. لقد خلق الله الإنسانَ ومنحه حريةً كاملةً ليسلك كما يشاء. ولأنه كان مخلوقاً فقد كان يدين لخالقه وكان يجب أن يكون خاضعاً له. ولكي يدرك الإنسان ذلك وضع الله له وصيةً توجب عليه ألا يتعدّاها. وفي خضوعه لهذه الوصية إنما يدل على طاعته لله وثقته به ومحبته له.
"وأوصى الرب الإله آدمَ قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2:16،17).
وتأتي الأفعى (الشيطان) فتغوي الإنسان، وتشجعه على مخالفة الوصية. وهكذا تدكّ إسفيناً في العلاقة بين الله والإنسان. "فقالت الحية للمرأة: لن تموتا. بل الله عالِمٌ أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر" (تكوين 3:4).
ونتج عن خطيئة الإنسان:
- انفصال الإنسان عن الله: "فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعملَ الأرضَ التي أُخِذَ منها. فطَرَدَ الإنسانَ وأقام شرقي جنة عدن الكَرُوبيمَ ولهيب سيفٍ متقلّبٍ لحراسة طريق شجرة الحياة" (تكوين 3:23،24).
- وتغرّب الإنسان عن نفسه: "وسمعا صوت الرب ماشياً في الجنة... فاختبأ آدم وامرأتُه من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال : سمعتُ صوتك في الجنة فخشيتُ لأني عريان فاختبأتُ" (تكوين 3:8-10).
- وانفصال الإنسان عن الإنسان: "قال (الله): من أعلمك أنك عريانٌ. هل أكلْتَ من الشجرة التي أوصيتُكَ أن لا تأكل منها. فقال آدم: المرأةُ التي جعلتَها معي هي التي أعطَتْني من الشجرة فأكلْتُ" (تكوين 3:11،12).
- وانفصاله عن الطبيعة: فتصدّع الانسجام الذي أعدّه الله بين الإنسان والطبيعة. فبدلاً من أن تكون الطبيعة خاضعةً للإنسان الحامل صورة الله تمرّدت هذه الطبيعةُ عليه حين تشوّهتْ صورةُ الله فيه: "ملعونةٌ الأرض بسببك. بمشقّةٍ تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاً وحسكاً تنبتُ لك" (تكوين 3:17،18). وصار الإنسانُ عرضةً للكوارث والظواهر الطبيعية كالطوفان وغيره: (تكوين 7).
وهكذا، وبدلاً من أن يحب آدم وحواء الله ويعيشا معه في أمان وثقة وسعادة جعلتْهما الخطيئة في حالة من الخجل والخوف والشعور بالذنب.
وبنتيجة المعصية دخلت الخطيئة والألم والموت إلى العالم وإلى ذرية آدم. وهكذا ورث الجنس البشري الخطيئة والموت: "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رومية 5:12).
وبقيت صورة الله في الإنسان ولكن مهشّمةً: "سافكُ دم الإنسان بالإنسان يُسْفَكُ دمُه. لأن الله على صورته عملَ الإنسانَ" (تكوين 9:6).
"أما اللسان....فبه نبارِكُ الله الآبَ وبه نلعنُ الناسَ الذين تكوّنوا على شِبْهِ الله" (يعقوب 3:9).
الجريمة والعقاب:
الله ديّانٌ عادل:
لكل جريمة عقاب ولكل فضيلة ثواب. وبما أن الإنسان أخطأ فلا بد أن ينال القصاص الذي تستوجبه خطيئته.
الله قاضٍ عادل: "الرب إله حقٍ" (إشعياء 30:18). وإنّ "العدل والحق قاعدة كرسيّه" (مزمور 97:2). ويقول الله: "لأني أنا الرب مُحِبُّ العدلِ" (إشعياء 61:8). ولابد له أن يعاقب الخاطئ. فهو "لن يُبْرِئَ المذنب" (خروج 34:7). و"لا يتبرّرُ الشرّير أمامه" (أمثال 11:21). و"النفس التي تُخطئ تموت" (حزقيال 18:4). ذلك "لأن أجرة الخطيئة هي موتٌ" (رومية 6:23).
الله رحيم:
في نفس الوقت إن الله أبٌ رحيمٌ محِبٌّ. يقول الكتاب المقدس أن "الله محبة" (1 يوحنا 4:8). فهو يحبنا ومحبته لا حدود لها: "محبةً أبديةً أحببْتُكَ" (إرميا 31:3).
معضلة:
لدينا هنا معضلة: الله يريد أن يعاقب خطيئتنا، ولكنه لا يريد أن يعاقبنا لأنه يحبنا، كما وأنه يريدنا أن نخلص جميعاً: إن الله "يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تيموثاوس 2:4). ويقول: "التفتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض" (إشعياء 45:22).
الحل:
بحكمته اللامتناهية وجد الله الحل في شخص ابنه يسوع المسيح.
فالإنسان لا يستطيع أن يخلِّصَ نفسَه:
1-لأنه هو المذنب الذي أخطأ إلى الله:
يقول إشعياء النبي: "إن يد الرب لم تَقْصُر عن أن تخلّصَ ولم تثْقُلْ أذنُه عن أن تسمع. ولكنّ آثامَكم صارتْ فاصلةً بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم سَتَرَتْ وجهَه عنكم حتى لا يسمع" (إشعياء 59:1،2).
2-لأنه هو نفسه خاطئ بالولادة والطبيعة والممارسات والخيارات. وذلك لأن "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 3:23).
ويقول داود: "ها أنذا بالآثام حُبِلَ بي وبالخطايا ولدَتْني أمي" (المزمور 51:5).
3-لأنه ما من وسيلة بشرية للخلاص: فلأعمال الصالحة والممارسات الدينية، رغم أنها جيدة، إلا أنها لا تكفي للخلاص أو لتطهير طبيعة الإنسان الخاطئة: "من يُخرِجُ الطاهرَ من النّجس؟ لا أحد" (أيوب 14:4).
فلقد "صِرْنا كلُّنا كنَجِسٍ وكثوبِ عِدَّةٍ كلُّ أعمال بِرِّنا" (إشعياء 64:6).
وليس من ملاك أو نبي قادر على تحقيق هذا الخلاص لأن من أخطأنا إليه هو الله بحد ذاته.
ولهذا كان لا بد للمخلص أن يكون إلهاً وإنساناً معاً. وفقط يسوع المسيح هو الجدير بأن يخلّصنا: "فلا خلاصَ بأحد غيره، لأنه ما من اسم آخر تحت السماء أُطْلِقَ على أحد الناس ننال به الخلاص" (أعمال 4:12).
الوعد بالخلاص:
ويروي لنا الكتاب المقدس كيف يَعِدُ الله بالمخلص ما أن ينطق بالحكم على آدم وحواء. فيخاطب الأفعى قائلاً: "أضع عداوةً بينكِ وبين المرأةِ وبين نسلكِ ونسلها (يسوع المسيح). هو يسحق رأسكِ وأنتِ تسحقين عقبَه" (تكوين 3:15).
ويقصد بهذا أن يشير إلى يسوع المسيح الذي سيُولَدُ من العذراء مريم ويسحق الموت (رأس الأفعى) بموته وقيامته. وأما قوله "تسحقين عقبه" فإشارة إلى الجراح التي سيعانيها المخلصُ على الصليب.
والآن يبدي آدم وحواء ثقتهما بوعد الله هذا لهما بأنه سيرسل المخلّصَ من نسل المرأة، فيسمّي آدمُ زوجَتَه حواء أم الحياة: "ودعا آدمُ اسمَ امرأتِهِ حواء لأنها أمّ كلّ حيّ" (تكوين 3:20).
وفي الحال يُظْهِرُ الله تحنانَه إذ يلاحظ إيمانهما هذا فيصنع لآدم وحواء ثياباً ويلبسهما: "وصنع الرب الإله لآدم وامرأتِه أقمصةً من جِلْدٍ وألبسهما" (تكوين 3:21). وهذا الجلد يشير إلى ذبيحة المسيح (حمل الله) على الصليب كفّارة عن خطايا البشر وتحقيق الخلاص لهم.
- عدد الزيارات: 2948