Skip to main content

ماذا يقول الكتاب المقدس عن النبي محمد رسول الإسلام؟

ما زال يحفظ لنا ، ناشري التراث الإسلامي ، كتباً حوت من ضمنها تناول هذا السؤال . بل أن كاتبوها أجهدوا أنفسهم في محاولة البرهنة على وجود " النبي الأمي؛ و أحمد " في الكتاب المقدس ، بعهدية القديم والجديد ، أي التوراة والإنجيل.

ما هو السبب؟

نعود مرة أخرى إلى البشائر التي اعتقد الكتاب المسلمون بأنها تنسب إلى محمد التنبؤ عنه سواء في التوراة أو الإنجيل ، ولا عجب أن نرى السيد رشيد رضا وقد عقد في الجزء التاسع (230 - 300) من (تفسير المنار) فصلاً طويلاً أورد فيه ثماني عشرة بشارة مستمدة من أسفار العهد القديم والأناجيل وناقش الشبهات التي يوردها المبشرون، وأورد من الحجج والأقوال ما فيه المقنع لراغبي الحق والحقيقة، في صواب استنتاجاته وقوة حججه، وفي عدم قيام شبهات المشتبهين علي أسس قوية". ولكن ما لنا وللمبشرين، هذا الهاجس الدائم إن القضية قضية واقع وعلم ونقد نزيه وقد سبق رشيد رضا، صاحب "إظهار الحق" في إيراد تلك البشائر أو الإشارات الثمانية عشرة ، وها نحن نوردها ونرد عليها .

البشارة الأولى: "النبي، من إخوتك"

"يقيم لك الله، إلهك، نبياً من وسطك، من أخوتك، مثلي، له تسمعون ... أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك" (سفر التثنية 18 : 15 و 18)

سبق بحثها إن قوله "من إخوتك" يعني عندهم من العرب، لأن ولد اسماعيل هم إخوة بني إسرائيل. وفاتهم أن كل القرائن "لك"، "لهم"، "من وسطك"، "من وسط إخوتهم" تقطع بأن "من إخوتك" مقتصرة علي بني إسرائيل . والتوراة هنا تعطي شرعة النبوة عند بني إسرائيل، كما تعطي شرعة الملك فيهم (التثنية 17 : 14 - 16). فلا يصح بحال من الأحوال أن تكون شرعة النبوة شهادة لنبي موعود يأتي من العرب، لبني إسرائيل

البشارة الثانية : "هم أغاروني بما ليس إلهاً ! أغاظوني بأباطيلهم ! فأنا أغيرهم بما ليس شعباً، بأمة غبية أغيظهم" (التثنية 32 : 21)

قالوا : المقصود "بالأمة الغبية" : العرب. فهنيئاً للقائلين القابلين بهذا اللقب أما نحن فنرفضه قومياً ودينياً.

تاريخياً، لقد أدب الله بني إسرائيل بأمة بابل وأشور، ثم بأمة سوريا الهيلينية، ثم بأمة الرومان. وبعد قتل المسيح، وبحسب نبؤة المسيح، دمر الرومان الأمة والدولة والهيكل، فلم يبق فيه حجر علي حجر، وذلك عام سبعين م. ولما جددوا الثورة عام 133، سحقوهم ومنعوا أورشليم عليهم، وغيروا حتي اسمها، فصارت "ايلياء". وصارت بلاد اليهودية مسيحية قبل الفتح الإسلامي، الذي لم يفعل باليهود شيئاً في فلسطين، لأنهم كانوا مشردين. فالواقع التاريخي ينقض تخريجهم لهذه النبؤة

دينياً، إن "الأمة الغبية" المقصودة، عندها "ما ليس إلهاً"، ولها "أباطيلها" أي أصنامها، فهي أمة وثنية. والأمة العربية التي زحفت علي فلسطين كانت الإسلام : فهل أمة محمد وثنية ؟ يا لعار التخريج !

البشارة الثالثة : "جاء الله من سيناء وأشرق لهم ! من سعير ! وتلألأ من جبل فاران ! وأتي من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة لهم" (التثنية 23 : 2)

قالوا : "مجيئه من سيناء إعطاؤه التوراة لموسي، وإشراقه من سعير إعطاؤه الإنجيل لعيسي، وتلألؤه من فاران إنزاله القرآن، لأن فاران من جبال مكة"، ومنه أتت "نار شريعة لهم"

هذا التخريج يسمي : جر الجمل بشعرة  !

1 - ياقوت يقول في كتابه (المشترك وضعاً، والمختلف صقعاً) : "فاران إسم جبال مكة. وقيل اسم جبال الحجاز. وقال أبو عببيد القصاعي في كتاب (خطط مصر) : وفاران والطور كورتان من كور مصر القبلية. وفاران أيضاً من قري صفد سمرقند، ينسب إليها أبو منصور الفارابي". فهناك إذن أربعة أماكن تحمل اسم فاران، فلا يصح حصر النبوة بفاران الحجاز. هذا إذا صح أن العرب سمت جبال مكة، أو جبال الحجاز، فاران.

2 - والكتاب يفسر بعضه بعضاً، فلا يصح تفسيره بغيره. ومتي قامت الدلائل والقرائن في نص، فلا يصح تأويلها بغيرها . إن إشارات التوراة كلها تجعل فاران قرب سيناء (تك 14 : 5 - 6، تك 21 : 21، العدد 10 : 12، 12 : 16، 13 : 3)، علي طريق هجرتم من مصر إلي فلسطين، ولم يمروا علي الإطلاق بالحجاز. وسفر التثنية يصف دخول أرض الموعد، بقيادة الله لشعبه، في مراحل الغزو: من سيناء، إلي سعير، إلي فاران، إلي الأرض المقدسة . ويذكر الكتاب أن داود "نزل إلي برية فاران" (1صموئيل  25 : 1، 1 ملوك 11 : 18)، ولا يذكر الكتاب علي الإطلاق أن داود غادر فلسطين إلي الحجاز.

3  - النص المذكور يصف بطريقة شعرية مراحل غزو فلسطين: فلا يصح أن نرى فيها منازل الوحي التي يذكرون وبنص القرآن القاطع كان الوحي إلي محمد بواسطة جبريل (البقرة 89)، لا من الله مباشرة. والآية التوراتية تقول : "جاء الرب" أي الله نفسه، والكلام استعارة شعرية، فلا تسمح القرائن أن تحملها علي الحقيقة والواقع فتحريجهم بأداة النص جملة وتفصيلاً .

البشارة الرابعة :" وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه : ها أنا أباركه، وأثمره، وأكثره جداً، فيلد اثني عشر ولداً. وأجعله أمة كبيرة" (التكوين 17 : 2)

قالوا : هذه النبوة تجعل من ولد اسماعيل من سيكون سيد شعب كبير وهذا لم يتحقق في ولد اسماعيل إلا بمحمد فنبؤة الكتاب تذكره . بل ظاهر النص يقضي علي هذا التخريج فكما أن التوراة تذكر لإسرائيل اثني عشر سبطاً، كذلك تذكر لإسماعيل اثني عشر ولداً، أجداداً لأمة كبيرة ولا مكان في النص لفظاً أو معني للنبوة أو للدولة وسيادتها. وكانت العرب المستعربة من ولد اسماعيل تملأ الحجاز قبل ظهور محمد: فتمت النبؤة قبله.

البشارة الخامسة : "لا يزول قضيب (صولجان) من يهوذا، ولا مشترع من بين رجليه، حتي يأتي شيلون، وله تخضع شعوب" (التكوين 49 : 10)

قالوا : "شيلون" هو لقب لمحمد الذي أتي وخضعت له شعوب .

نستغرب ونستهجن هذا التخريج : فكيف فاتهم أن "شيلون" هو من يهوذا، ومصدره من صلبه، "من بين رجليه" وهو يأتي إلي بني يهوذا، لا إلي العرب وأبي حالما يزول السلطان عن يهوذا، لا بعد ستماية سنة من الاستعباد الروماني الروسي. وهذا ما تم مع المسيح، فإنه "ابن داود"، ابن يهوذا وظهر لما خرج السلطان من يهوذا إلي يد الأمميين، ولا يصح شئ من عناصر النبوة في محمد، ولا إشارة فيها علي الإطلاق إلي النبي العربي.

البشارة السادسة : "فاض قلبي بكلام صالح ! إني أنشد للملك : أنت أروع جمالاً من بني البشر ! ... تقلد سيفك علي فخذك أيها الجبار ! ... كرسيك، يا الله، إلي دهر الدهور ! قضيب استقامة قضيب ملكك !" (المزمور 45)

قالوا : إن النبي الجبار، نبي السيف والبيان، هو محمد، فهو المقصود بهذه البشارة التي لا تنطبق علي غيره.

والنشيد قد يكون له معني واقعي، أو مجازي، فمن حيث التاريخ، هو نشيد زفاف لأحد ملوك إسرائيل. وقد يحمل المجاز، ويقصد في الملك المذكور رمز النبي الملك الآتي، لكن السيف المذكور هو سيف الحق، لا سيف القوة. وفي النشيد تعبيران يمنعان من استخدامه بحق محمد : فالنشيد يطلق عليه لقب "الله"، أو بالحري لقب "إله" - بالعبرية إيلوهيم -، ومن الكفر إطلاق هذا اللقب المجازي علي محمد ثم أن الآية (8) تذكر "مسحة" الملك والنبوة، الدارجة عند بني إسرائيل، ولم يعرفها العرب، ولا يذكر القرآن أو الحديث أو السيرة "مسحة" بزيت لمحمد.. فتأمل كيف يشطون بالتخريج إلي التهريج !

البشارة السابعة : "غنوا للرب ترنيمة جديدة ... تعظيم الله في أفواههم، وسيوف ذات حدين في أيديهم، لإجراء الإنتقام من الأمم والتأديب للشعوب" (المزمور 149)

قالوا : هذه البشارة نبؤة عن أمة محمد، إنها أمة الحمد والسيف معاً .

وفاتهم أن المزمور نشيد لبني إسرائيل أنفسهم، كما يتضح من فاتحته "يبتهج بنو صهيون بملكهم" (مز 149 : 1) فهل كان محمد ملك صهيون ؟ أم هل فرح بنو صهيون بمحمد ؟ ! حملات القرآن المتواترة عليهم خير شاهد.

البشارة الثامنة : "هوذا الأوليات قد أتت، والحديثات أنا مخبر بها ... غنوا للرب أغنية جديدة ... لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار" (أشعياء 42 : 9و 11)

قالوا : إنها نبؤة علي يقظة الصحراء التي سكنها قيدار، الإبن التالي لإسماعيل إلي طريقة جديدة لحمد لله، فهي تشير إلي محمد والإسلام في الحجاز

والواقع النبوي يشهد بأن هذه البشارة نشيد من أناشيد الرجوع من جلاء بابل. والدعوة ليست فقط للصحراء (42 : 11)، بل قبلها للبحر وجزره (42 : 10)، ثم لأهل الجبل (42 : 11) فهي تعم البشرية لإعلان انتصار الله علي الأصنام بتحرير أهل التوحيد من جلاء بابل (42 : 17) هذا هو نشيد الحمد لأيام الله في إسرائيل فمن التعسف المفضوح اقتصار الحمد علي "الصحراء التي سكنها قيدار"، للاستنتاج منها أنها بشارة بهداية الجزيرة العربية إلي طريقة جديدة لحمد الله . والقرآن صريح بأنه ليس طريقة جديدة لحمد الله، إنما هو "ذكر من معي وذكر من قبلي"، ذكر من "سما المسلمين من قبل وفي هذا" القرآن (الحج 78): فيه يشرع للعرب دين موسي وعيسي معاً بلا تفريق (الشوري 13) فالاقتصار الثاني علي إسلام القرآن ينقض القرآن كله. والواقع التاريخي يشهد بأن اليهودية عمت الحجاز قبل الإسلام، وأن المسيحية سادت في أطراف الجزيرة كلها، ودخلت النصرانية مكة والمدينة قبل القرآن، بشهادة القرآن نفسه فلا يصح اقتصار "الحمد الحديد" علي الإسلام وحده. فقد سبح أهل قيدار، في شمال الحجاز، بالحمد التوراتي والإنجيلي، قبل القرآني، بمئات السنين، فمثلا تنحصر النبؤة في محمد والإسلام، حتي تكون بشارة بهما . فالواقع التاريخي والواقع النبوي يأبيان ذلك التخريج الإعتباطي

البشارة التاسعة : "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد ! اندفعي بالترنيم واصرخي أيتها التي لم تتمخض، فإن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل قول الرب" (أشعياء 54 كله)

قالوا : المراد بالعاقر هنا مكة لأنه لم يقم فيها نبي بعد إسماعيل، ولم ينزل فيها وحي، وتعبير "بني المستوحشة" إشارة إلي أولاد هاجر، أم إسماعيل، ومطلقة إبراهيم و"الحداد" المذكور فيها (54 : 16) إشارة إلي محمد، قاتل المشركين بسيفه.

إن الواقع النبوي صريح بأن هذه البشارة من أناشيد رجوع بني إسرائيل من جلاء بابل إلي أورشليم، التي كانت بدونهم كالعاقر المستوحشة إن الله سيعيد عن قريب بني صهيون من جلائهم إلي المدينة المقدسة، وتصير العاقر المهجورة أم بنين أكثر من ذات البعل، وأكثر من قبل الهجرة.

والنشيد سمي أورشليم العاقر، والمهجورة، والمستوحشة، لأن صهيون في مجال الكتب عروس الله ولم ترد فيه تلك الكتابة بحق مكة علي الإطلاق - وكيف ترد وهي كانت علي الشر والكفر ! والتنزيه القرآني يأبي مثل تلك الكنايات، فتخريجهم هو أيضا ضد حرف القرآن وروحه.

والعهد الجديد قد اعتبر أورشليم الجديدة رمزاً للمسيحية النازلة من السماء : "ورأيت المدينة المقدسة، أورشليم الجديدة، نازلة من السماء، من عند الله، مهيأة كعروس مزينة لعريسها ! وسمعت صوتاً جهيراً من العرش يقول : هوذا مسكن الله مع الناس ! أجل سيسكن معهم، ويكونون له شعباً، وهو ذاته - معهم" يكون إلههم (الرؤيا 21 : 2 - 3) فالنشيد المذكور رمز للمسيحية المولودة من الموسوية، التي أمست عاقراً فهجرها الله إلي "أورشليم الجديدة". وصار بنو المسيحية أكثر من بني الموسوية، وأكثر من أمة محمد، فلا تنطبق النبوة عليه وعلي أمته، وبما أن العهد الجديد فسر النبوة لصالحه، فعلينا أن نأخذ بوحيه، وليس في القرآن شئ من ذلك، فلا يصح لنا أن نجتهد برأينا بعد تصريح الوحي. ومن المضحك المبكي تفسير "الحداد" في النشيد بمحمد، وهذه هي الآية : "ها أنا خلقت الحداد الذي ينفخ الجمر في النار، ويخرج أداة لعمله وأنا خلقت المفسد للتدمير فكل أداة أنشئت عليك لا تنجح ! وكل لسان  يقوم عليك في القضاء تردينه مؤثما هذا ميراث عبيد الله، وبرهم مني قول الرب". فالحداد الذي يسعي لتدمير إسرائيل مفسد : فهل يليق هذا بالنبي العربي ! ؟ ألا يفطنون لنتائج تخريجهم التي ترتد عليهم ؟

البشارة العاشرة : "إني اعتلنت لمن لم يسألوا عني، ووجدت ممن يطلبوني .. وأنتم الذين تركوا الله، ونسوا جبلي المقدس، الذين يهيئون المائدة لجد، ويعدون الممزوج لمناة، إني أعينكم  للسيف ! وتجثون جميعكم للذبح ! ... ها أني أخلق أورشليم "ابتهاجاً" وشعبها "سروراً" (أشعياء 65 كله)

قالوا : هذه نبؤة لاستبدال اليهود بالمسلمين شعباً لله : "ويدعو عبيده باسم آخر" (65 : 25)، كما يدل عليه ذكر "مناة" ألهة العرب (65 : 11)

يظهر أن القوم يقتصرون علي بعض التعابير في نبؤة، فيتمسكون بها ليفسروا الكل علي ضوء الجزء، فيؤولون النص تأويلاً تأباه قرائنه اللفظية والمعنوية وليس هذا من النقد العلمي النزيه رأوا في ورود اسم (مناة) إحدي "الغرانيق العلي) عند العرب، فحرفوا النبؤة عن معناها، وفاتهم أن "مناة" مثل"جد" المذكور معها (65 : 11) كانا من آلهة الكنعانيين والآراميين، قبل مشركي العرب. وفاتهم أن التجديد المشار إليه سيكون بفضل "النسل الذي يخرج من يعقوب، والوارث من يهوذا" (65 : 6) وأن التجديد سيكون لأورشليم وإسرائيل "تهللوا وابتهجوا إلي الأبد بما أخلق فإني هاءنذا أخلق أورشليم ابتهاجا، وشعبها سروراً، وأبتهج بأورشليم، وأسر بشعبي" (65 : 18 - 19) وهكذا فإن استبدال اليهودية سيكون بالمسيحية، بواسطة نسل يعقوب، ووريث يهوذا، كما صرح به المسيح نفسه في مثل الكرامين القتلة، بأنه هو نفسه ابن رب الكرم ووريثه (متي 21 : 33 - 43)

إنهم يتجاوزون صراحة النص، وتفصيل الإنجيل له، إلي اجتهاد ما أنزل الله به من سلطان في القرآن والإنجيل والتوراة.

 البشارة الحادية عشر : نبؤة دانيال المزدوجة : صورة التمثال (كناية عن الشرك) الذي يمثل أربعة ممالك، وفي زمن المملكة الرابعة ينقطع حجر من جبل "بغير يد قطعته" فيسحق التمثال والممالك الوثنية التي تحمله (2 : 31 - 45)، وصورة ابن البشر الآتي علي سحاب السماء لينشئ علي الأرض ملكوت الله، علي أنقاض ممالك العالم (7 : 13 - 37)

قالوا : إن الحجر الذي ضرب تمثال الشرك هو محمد، وملكوت الله هو الدولة الإسلامية التي قامت علي أنقاض الفرس والروم

الحجر المعجز الذي يسحق التمثال، ويبني علي أنقاضه مملكة أبدية يظهر علي أيام ملوك الدولة الرابعة الوثنية أي الرومان، فإنه "في أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماء مملكة لا تنقض إلي الأبد، وملكه لا يترك لشعب آخر، فتسحق وتفني جميع تلك الممالك، أما هي فتثبت إلي الأبد" (2 : 43) ومملكة الروم التي خلفت مملكة الرومان لم تكن وثنية، بل مسيحية، علي دين الكتاب والإنجيل والإسلام لم يقم بعد فناء مملكة بابل وأشور، ومملكة فارس ومادي، ومملكة الإسكندر المقدوني، ومملكة الرومان التي "في أيام ملوكها، ويفلت الحجر الرمزي المعجز، وينشئ علي أنقاضها جميعاً ملكوت الله، بل يظهر الإسلام بعد فناء تلك الممالك الأربعة بثلاثماية سنة . وقد طبق المسيح نفسه رمز الحجر المعجز علي ذاته : "حينئذ قال لهم يسوع : أما قرأتم قط أن الحجر الذي رذله البناؤون هو صار رأساً للزاوية، من قبل الله كان ذلك وهو عجيب في أعيننا" (متي 21 : 42)، فجمع نبؤة دانيال إلي نبؤة الزبور (مز 107 : 22 - 33) . ومتي فسر كتاب منزل كتاباً منزلاً، فلا يحق لنا الاجتهاد في موضع النص والإنجيل تبني نبؤة دانيال، فبني يسوع دعوته علي أنه ابن البشر الآتي ليؤسس ملكوت الله، كما يتضح في كل فصول الإنجيل بأحرفه الأربعة. ففي محكم الإنجيل وصريحه، يسوع هو ابن البشر - وهو اللقب الوحيد الذي اعتاد أن يتسمي به - ورسالته هي تأسيس ملكوت الله . فالإنجيل، يدعمه التاريخ، يشهد بأن المقصود عند دانيال المسيح والمسيحية ولا ذكر لشئ من ذلك في القرآن، لذلك فلا يصح أن نطبق اعتباطاً نبؤة دانيال علي محمد والإسلام

البشارة الثانية عشر : "هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليقيم دينونة علي الجميع، ويعاقب جميع فجارهم علي فجورهم" (رسالة يهوذا، العدد 14، 15)

قالوا : إن الرب هنا بمعني السيد، وهو محمد، وربوات قديسيه الصحابة

يا للعجب العجاب ! يقودهم تخريجهم إلي الكفر ولا يشعرون أجل إن كلمة "رب" بالنكرة، أو علي الإضافة إلي مخلوق قد تعني مخلوقاً، لكن متي اقترنت بأل العهد والعلمية، كما في الكتاب كله، لا تعني إلا الله تعالي - فمن الكفر إطلاقها علي محمد ؟ وتعبير "ربوات قديسيه" لا يمكن أن تعني صحابة محمد، فقد كانوا معدودين، ولم يكونوا جميعهم قديسين. وفي لغة العهد الجديد، تعبير "القديسين" كنابة عن المسيحيين . و "الرب" في الآية "يصنع دينونة للجميع" أي أنه ديان العالمين وملك يوم الدين. ومن الكفر أيضاً إطلاق هذه الصفة علي محمد، والقرآن يشهد : "إنما أنت مذكر ! لست عليهم بمسيطر" الغاشية 22). وفي الإنجيل يأخذ المسيح لنفسه صفة الديان للعالمين مثل الله (يوحنا 5 : 22) وصفة ملك يوم الدين (متي 25 : 31 - 33). فلا ذكر في تلك الآية، ولا إشارة، إلي محمد وصحابته، إنما الآية والرسالة كلها حديث في المسيح والمسيحيين.

 البشارة الثالثة عشر : "وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في  برية اليهودية قائلاً : توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السموات" (متي 2 : 1 - 2)، ويسوع نفسه يجدد الدعوة عينها (متي 4 : 17)

قالوا : إن المسيح لم يؤسس دولة، وهو مع المعمدان سابقه يبشران بدولة الله في أرضه فملكوت السماوات (أي الله) هو الإسلام دولة وشريعة.

ونقول : إن التخريج قد بلغ هنا حد الوقاحة علي الإنجيل ومتي قام  النص بطل الاجتهاد. والإنجيل كله يظهر أن ملكوت الله في عرفه ليس دولة تقوم بحد السيف، إنما هو سلطان الله علي النفوس والعقول والقلوب، دولة روحية. وإن ملكوت الله يبنيه المسيح نفسه : "ومن أيام يوحنا المعمدان حتي الآن، ملكوت السموات يغتصب، والمغتصبون يأخذونه عنوة" (متي 11 : 12) ويصرح أن انتصاره علي الشيطان برهان قيام ملكوت بينهم : "وأما إن كنت بروح الله أخرج الشياطين، فذلك إن ملكوت الله قد قام بينكم" (متي 12 : 28) قام بينهم بالحسني علي حياة المسيح، ولكن بعد قيامته ورفعه إلي السماء سيقوم بقوة : "إن من القائمين ههنا من لا يذوقون الموت حتي يروا ملكوت الله قد أتي بقوة" (متي 16 : 28، مرقس 9 : 1، لوقا 9 : 27) فليس في الإنجيل من انتظار لملكوت الله بعد المسيح بمئات السنين ولا من معني لدولة بحد السيف.

البشارة الرابعة عشر : "يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله ... فصارت شجرة تؤمها طيور السماء، وتعشش في أغصانها" (متي 13 : 31 - 32)

قالوا : إن حبة الخردل التي تصير شجرة، صورة لملكوت الله، هي كناية عن الإسلام، والنجاة فيه بشريعته

تكفي قراءة الفصل كله، في تمثيل ملكوت الله بالأمثال، حتي يعرف الأمي نفسه معناه، وكيف طبقها المسيح كلها علي نفسه : "الذي يزرع الزرع الجيد هو ابن البشر (لقب المسيح)، والحقل هو العالم، والزرع الجيد الملكوت وبنوه" (متي 13 : 37). وقال يسوع لصحابته بمناسبة تلاوة أمثال الملكوت عليهم : "لقد  أتيتم أنتم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله ... فطوبي لعيونكم لأنها تبصر، ولآذانكم لأنها تسمع ! الحق الحق أقول لكم : إن كثيرين من الأنبياء والأولياء قد اشتهوا أن يروا ما أنتم راؤون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم سامعون ولم يسمعوا" (متي 3 : 10 - 17) فإن نبؤات الأنبياء، ورغبات الأولياء، تتم في مشاهدة صحابة المسيح لظهور الملكوت واطلاعهم علي أسراره . فكيف يقرؤون، وكيف يفهمون ؟

البشارة الخامسة عشر : "هكذا يكون الآخرون أولين، والأولون آخرين" (متي 20 : 1 – 16)

قالوا : هذا المبدأ الإنجيلي نبؤة عن الإسلام، دين الله في أرضه، فهو يبشر بأن المسلمين، آخر من ظهر من أهل الكتب المنزلة، سيكونون أولين، والأولين من اليهود والنصاري سيكونون آخرين. ألا يورك التخريج والتهريج ! إن تحريف الإنجيل يبلغ هنا حد التزوير الرخيص المفضوح . فالمسيح يعلن لتلاميذه : "لا تخف أيها القطيع الصغير، فقد رضي أبوكم السماوي أن يعطيكم الملكوت" (لوقا 12 : 32) . ويقول لهم :"أنتم أوتيتم معرفة أسرار ملكوت الله" (لوقا 8 : 10) . وعند رفعه إلي السماء يأمرهم بالرسالة الإنجيلية في العالم أجمع، للخليقة كلها، ويصرح لهم : "وها أنا معكم كل الأيام إلي  إنقضاء الدهر" (آخر آية عند متي) . فهل تعليم المسيح كاذب ؟ وهل وعده أكذب ؟!

ومن جهة أخري، يعد المسيح أتباعه بتنزيل الروح القدس عليهم، للتأييد المطلق مدي الدهر: "يقيم معكم، ويكون فيكم" (يوحنا 14 : 17)، "يعلمكم كل شئ، ويذكركم جميع ما قلت لكم" (يوحنا 14 : 25)، "روح الحق يشهد لي وأنتم معه شاهدون" (يوحنا 15 : 26 - 27)، ويفحم العالم علي خطيئته، وعلي بركم، وعلي دينونة الله (يوحنا 16 : 8)، "روح الحق يرشدكم إلي الحقيقة كلها" (يوحنا 16 : 12)ز فهل بعد تأييد الروح القدس الدائم للمسيحية لتوطينها في العالم "إلي انقضاء الدهر"، يمكن تفسير المبدأ المذكور، علي النحو الموتور ؟

البشارة السادسة عشر : قال المسيح لليهود : "أما قرأتم قط في الكتب : إن الحجر الذي زذله البناؤون صار رأساً للزاوية من قبل الرب كان ذلك، وهو عجيب في أعيننا ! من أجل هذا أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم، ويعطي لأمة تؤدي ثماره" (متي 21 : 42 - 43)

قالوا : إن ملكوت الله الذي ينزع من أهل الكتاب ويعطي لأمة أخري تؤدي ثماره، هو الإسلام، وأن الحجر رأس الزاوية فيه، هو محمد.

هذا مثال مفضوح علي أسلوب التضليل في التأويل فما أسهل عزل آية أو قول عن نصه وبيئته البيانية، لصبغه بمعني يناقضه !

يسوع تحدي اليهود بمثل الكرامين القتلة، الذين يقتلون النبيين بغير حق، وهم يتآمرون علي قتل المسيح نفسه (متي 21 : 33 - 46) ورد علي مكرهم بالاستعارة النبوية في الحجر المرذول (المزمور 117 : 22 - 23) الذي سيكون حجر الزاوية في ملكوت الله، وطبقه علي نفسه بقوله : "أما قرأتم قط في الزبر ... "وطلبوا أن يقبضوا عليه" لقتله (21: 42 و 46) وفي المثل يصور المسيح نفسه أنه "ابني .. ابنه .. الوارث" لملكوت الله، بينما الأنبياء جميعهم "عبيد" الله فهو يجعل نفسه ابن الله، وبهذه الصفة، الوارث الشرعي الوحيد لملكوت الله أبيه - أليس من الكفر بحق القرآن ونبيه وصف محمد بابن الله ؟ ووارث لملكوت الله "أبيه" ؟ . إنهم يكفرون بحق القرآن ونبيه من حيث لا يدرون!

البشارة السابعة عشر : "من يغلب ويحفظ أعمالي إلي النهاية فسأعطيه سلطاناً علي الأمم" (الرؤيا 2 : 26 – 29)

قالوا : الغالب الموعود، الذي وحده أعطي سلطاناً علي الأمم، هو محمد.

هذا التصريح تفتيش أعمي، في روح الرؤيا، ليروا فيها إشارة وفاتهم أن الرؤيا كلها كشف لسلطان المسيح علي سير التاريخ في البشرية فهو الذي أخذ من يد القديم سفر القضاء والقدر المختوم بسبعة أختام لحجبه عن المخلوق يقول الرائي : "فأخذت أبكي بكاء كثيراً، لأنه لم يوجد أحد يستحق أن يفتح الكتاب، ولا أن ينظر إليه فقال لي أحد الشيوخ (المقربين) أمسك عن البكاء ! فهوذا قد غلب الأسد، الذي من سبط يهوذا، فرع داود ! فهو إذن يفتح الكتاب وختومه السبعة"، وأنشد أهل السماء نشيداً جديداً لأسد يهوذا، السيد المسيح :" مستحق أنت أن تأخذ الكتاب، وتفض ختومه، لأنك ذبحت وافتديت لله أناساً من كل قوم ولسان، وشعب وأمة، وجعلتهم لإلهنا ملكوتاً وكهنة، وسيملكون علي الأرض" (الرؤيا 5 : كله). فالغالب القهار هو المسيح نفسه ، لا غيره . والغالب معه، في الآية التي بها يستشهدون، هو أيضاً المسيحي الذي يغلب الوثنية والشرك، ولا ينغلب لها، لأنه حفظ "وصية ابن الله" أي إنجيله (6 : 18). فسفر الرؤيا كله، جملة وتفصيلاً، ينقض تفسيرهم المغرض المفضوح.

الشهادة الثامنة عشرة : النبؤة بالفارقليط، في الإنجيل بحسب يوحنا (14 : 16، 14 : 26، 15 : 26، 16 : 7 - 8، 12 – 14)

قالوا : إن الفارقليط الموعود هو "أحمد" المذكور في القرآن (الصف: 6)

سيأتي الجواب عليه، ومحوره أن الفارقليط ذات إلهية، بحسب الإنجيل، فمن الكفر بالإنجيل والقرآن نسبته إلي محمد.

تلك هي "البشارات والإشارات" التي رأوا فيها أن محمداً "مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل". وقد لمسنا لمس اليد أنها نبؤات وشهادات للمسيح وحده.  والنتيجة الحاسمة أنه ليس في التوراة، ولا في الزابور، ولا عند النبيين، ولا في الإنجيل، إشارة إلي محمد، النبي العربي، فالمسيح فيها خاتمة النبوة والكتاب. وما نرى تلك إلا عقدة نفسية، علي أهل القرآن أن يتخلصوا منها إذا كان الله قد ميز المسيح علي الإنبياء بالإنباء عنه قبل ظهوره - وليست الميزة الوحيدة - فلم يبشر الله بموسي ولا بإبراهيم، ولا بأحد من الأنبياء : وهذا لا ينقص من قيمة نبؤتهم وفضل دعوتهم، كما لا ينقص من كرامة محمد إذا لم يكن "مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل". والإنباء السابق بالمسيح من باب المفاضلة بين الأنبياء (2 : 253، 17 : 55) كفضل تأييد المسيح بالروح القدس (2 : 253، 17 : 21 و 25) : ولا بشكل ذلك نقصاً أو انتقاماً في نبؤتهم. 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 227819