Skip to main content

مَن هو نيقوديموس الذي ورد ذكره في يوحنا 3؟

وماذا قصد المسيح بقوله له:"الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3:3).

إلى الصديق العزيز

- يدور هذا السؤال حول موضوع الولادة الجديدة، أو الولادة من فوق كما يسميها الكتاب المقدس. ولهذه الولادة علاقة مباشرة بالإيمان المسيحي وحياة المؤمن. ولكن أعتقد أنه من المناسب ذكر الحادثة قبل الدخول في تفاصيلها ليستنير القارئ بما نحن بصدده.

يذكر الكتاب المقدس عن هذه الحادثة ما يلي: "كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيس اليهود، هذا جاء إلى يسوع ليلاً وقال له: "يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه. أجاب يسوع وقال له: الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس: كيف يُمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ، ألعلّه يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يوحنا 1:3-5).

بعد أن قرأنا مقابلة السيد المسيح مع نيقوديموس، يمكننا أن نبدأ الإجابة بأن نيقوديموس حسب ما ورد في الإنجيل المقدس، كان رئيساً لليهود وكان ينتمي إلى جماعة الفريسيين المتعصبة. وبالرجوع إلى قاموس الكتاب المقدس وكتاب تفسير إنجيل يوحنا نلاحظ أن كلمة نيقوديموس اليونانية، تعني المنتصر على الشعب. كان نيقوديموس رئيساً لليهود، أي من القادة العلمانيين غير الإكليريكيين، وكان عضواً في مجلس اليهود والمعروف بمجلس السنهدريم (يوحنا 5:7). ويُعتقد أنه أصبح فيما بعد أحد المؤمنين بالمسيح.

هل يمكن معرفة السبب الذي دعا نيقوديموس للذهاب إلى المسيح ليلاً ليتحدث معه؟

- كان نيقوديموس رئيساً لليهود، ينتمي إلى جماعة الفريسيين التي كانت تقاوم المسيح وتعاليمه بكل قواها. والمعروف عن هذه الطائفة اليهودية التعصّب الديني الأعمى، والتقيّد بتعاليم وتقاليد العهد القديم، وتمسكهم بقشور الدين دون الجوهر. ويُعتقد أن كون نيقوديموس فريسياً، وأحد أعضاء مجلس السنهدريم، فلابد أن يكون أحد الذين اشتركوا في مقاومة السيد المسيح وتعاليمه، ولكنه بعد أن تأمل تعاليم يسوع التي تحضّ على المحبة والإخاء، والمسامحة والغفران وعدم الاهتمام بالأرضيات، ثم قيامه بعمل المعجزات مثل شفاء المرضى، وإقامة الموتى وفتح عيون العمي، وإقامة المقعدين، تعجب كغيره من اليهود، واندهش بتعاليمه الإلهية وأعماله، فأراد أن يتقابل معه. ولكن يظهر أنه خشي أن يراه أحد. فذهب إلى المسيح ليلاً وقدم له اعترافه بأنه جاء من الله، وأن ما يعمله لا يستطيع أي شخص أن يعمله إن لم يكن الله معه. وهنا نلاحظ أن المسيح لم يجامل نيقوديموس، بل دخل معه في حوار مباشر وقال له: "الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3:3). ولكن عندما سمع نيقوديموس هذه الكلمات، أساء فهمها، فوجّه للمسيح السؤال التالي: "كيف يمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟" (يوحنا 4:3)؟

ماذا قصد المسيح بقوله: "إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله؟

- عندما تكلم المسيح عن "الولادة من فوق" أو "الولادة الثانية" لم يقصد مطلقاً الولادة الجسدية، كأن يدخل الإنسان بطن أمه ثانية ويولد. فعبارة "الولادة" هنا لها معنى مجازي أو تصويري، وترمز إلى أمر روحي بعيد كل البعد عن الولادة الجسدية.

إلى ماذا يشير هذا المعنى المجازي أو التصويري للولادة الجديدة؟

- معنى الولادة من فوق، هو أن يولد الإنسان من الله بقلب جديد وفكر جديد وأهداف جديدة في الحياة، فيصبح وكأنه خُلق من جديد. وهذا يتناسب مع قول داود النبي: "قلباً نقياً اخلُق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدِّد في داخلي" (مزمور 10:51). وبحسب المفهوم المسيحي، فإنه عندما يُخلق في الإنسان قلب نقيّ، وفكر نقيّ، بحسب إرادة الله التي في المسيح يسوع، يصبح الإنسان وكأنه وُلد من جديد.

وضحوا لي الولادة الجديدة بطريقة أبسط؟

- بحسب العقيدة المسيحية، عندما يؤمن الإنسان بالمسيح الذي جاء ليفدي البشرية من لعنة الخطية، ويتكل عليه ويسير حسب تعاليمه بالإيمان العامل بالمحبة. فإن هذا الإنسان يتغيّر من حال إلى حال. حال ما قبل الإيمان، إلى حال ما بعد الإيمان. وهذا ينعكس طبعاً على حياة الشخص وتفكيره وأعماله وتصرفاته. فكل ما هو شرّ فيه، ينقلب إلى ما هو عكس ذلك، وبهذا يصبح إنساناً جديداً في المسيح.

هل هناك أدلة في الكتاب المقدس تثبت صحة مفهوم التجديد؟

- إن ما ذكر آنفاً يتوافق مع ما قاله بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس، التي يحثّهم فيها أن يعيشوا حسب إيمانهم بالمسيح قائلاً: "فأقول هذا وأشهد في الرب، أن لا تسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضاً ببُطل ذهنهم.. وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا، إن كنتم قد سمعتموه وعُلِّمتم فيه كما هو حق في يسوع، أن تخلعوا من جهة التصرّف السابق الإنسان العتيق الفاسد، بحسب شهوات الغرور، وتتجددوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحق" (أفسس 17:4-24). وقول بولس الرسول إلى أهل رومية بأن التجديد إنما هو بتجديد الذهن بقوله: "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله، أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة، مرضيّة عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" (رومية 12:1-2).

هل يمكن لنا أن نفهم أن "الولادة من فوق" أو "الولادة الثانية” هي تعبير مجازي أو تصويري، يُقصد به أن ينتقل الإنسان من حال ما قبل الإيمان بالمسيح إلى ما بعد الإيمان، وأنه نتيجةً لهذه الولادة يحصل تغيير في حياة الشخص وتصرفاته، فيصبح وكأنه وُلد ثانية أو وُلد من جديد؟

- صحيح، فالولادة من فوق هي أن يعيش الإنسان منقاداً بروح الله، لا أن يعيش بحسب الجسد بل بحسب الروح. ويقول بولس الرسول بهذا الصدد: "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم ابناء الله.. فإننا كنا أولاداً، فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح" (رومية 8:14 و17). ويقول أيضاً ما يفسر كلمات السيد المسيح لنيقوديموس: ".. اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون. ولكن إذا أنقذتم بالروح فلستم تحت الناموس. وأعمال الجسد ظاهرة، التي هي زنا، عهارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزّب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سكر، بَطَر..إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله. وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غلا طية 16:5-23).

أما قصد المسيح بقوله: "الولادة من فوق" فهو الابتعاد عن الشهوات الأرضية والسير مع الله بحسب إرشاد روحه القدوس. وأن يكون المسيح حالاً في الإنسان ومالكاً حياته وكيانه من جميع النواحي.

هل في الكتاب المقدس من وُلد مثل هذه الولادة الثانية التي تكلم المسيح عنها؟

- إن الذين حصلوا على الولادة الثانية، والوارد ذكرهم في الكتاب المقدس كثيرون. وكل من يؤمن بالمسيح ويحيا حياة الإيمان فقد وُلد ثانية. ولكن أودّ أن أذكر واحداً وهو الرسول بولس، الذي كان يُعرَف قبلاً باسم شاول. فقد كان شاول فريسياً ابن فريسي ومن الفئة المتعصبة، وكان يعمل تهديداً وقتلاً بالمسيحيين، ويجرّ الرجال والنساء إلى السجون والتعذيب لا لشيء، إلاّ لأنهم كانوا مسيحيين. وبعد أن حصلت حادثة اهتدائه العجيبة على طريق دمشق، انقلب انقلاباً كلياً. فبعد أن كان عدواً للمسيح ولجماعته، أصبح من أول المجاهدين في سبيل نشر كلمة الله والدعوة المسيحية. فمثل هذا الشخص وُلد ثانية لأنه أصبح مؤمناً بالمسيح بعد أن كان يعلم على قتل المؤمنين. لقد تغيّرت حياته كلياً بعد إيمانه بالمسيح، وأصبح من أول دعاة المسيحية.

مع تحيات قاسم ابراهيم 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 11695