الصلاة ومجيء ملكوت الله
"1وَقَالَ لَهُمْ أيضاً مثلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أن يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ: 2«كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إنساناً. 3وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي. 4وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إلى زَمَانٍ. وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إنساناً 5 فإني لأجل أن هَذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي أُنْصِفُهَا لِئلاَّ تَأْتِيَ دَائماً فَتَقْمَعَنِي " 6وَقَالَ الرَّبُّ: «ﭐسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. 7أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً وَهو مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ 8أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً! وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ ابن الإنسان أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإيمان عَلَى الأرض؟ "
الإنجيل حسب لوقا 18: 1-8
يعلمنا كتاب الله المقدس أن لملكوت الله مرحلتان: الأولى مؤقتة والثانية أبدية. يكون هذا الملكوت في المرحلة الأولى غير ظاهر للعيان وغير معترف به إلا من قبل مواطني الملكوت أي أولئك الذين آمنوا بالمسيح يسوع كمخلص ورب. لكنه في المرحلة الثانية والأبدية فإنه سيصبح ملكوتاً ظاهراً للعيان ومعترفاً به من قبل المؤمنين وغير المؤمنين. في المرحلة الحالية أي الزمنية لملكوت الله نلاحظ كيف أن رب الملكوت هو من الناحية الحسية غائب عن الأرض. لكن هذا الغياب الظاهري لن يستمر متى انتقل الملكوت من مرحلته الزمنية إلى مرحلته النهائية والأبدية. إن رب الملكوت سيعود إلى الأرض ليدين الأحياء والأموات ولإظهار ملء ملكوته المجيد.
من أخطر الأسئلة المصيرية التي يجابهها المواطن في ملكوت الله في مرحلته الحالية هو: كيف علي أن أكيف حياتي وما هي الغاية الرئيسية التي يجب أن تبقى نصب عيني؟ هل هناك نصيحة ربانية تركها لنا السيد المسيح بخصوص الحياة التي نحياها في مدة الانتظار هذه؟ إن جواب كلمة الله على هكذا أسئلة وعلى ما يشابهها هو: أن المسيح قد ترك لأتباعه تعليمات خاصة تبين لهم الكيفية التي يجب أن يعملوا بها في هذه المدة أو المرحلة الزمنية وهم منتظرون عودة المسيح في اليوم الأخير.
قبل كل شيء هناك موضوع النمو في الحياة الجديدة التي دخلها المؤمنون لدى انضمامهم إلى ملكوت الله. ليس هناك مجال للكسل أو الخمول لمن صار مواطناً في ملكوت المسيح وعليه أن يعمل بكل جد ونشاط على تكييف حياته حسب أسس ومباديء الملكوت.
وهذا يعني الصراع المستمر ضد الخطية والشر في حياة المؤمن وفي المحيط الذي يعيش ضمنه وكذلك ينتظر من مواطن الملكوت أن يطلب من الذين لا يزالون خارج الملكوت ونعمة الله الخلاصية أن يحذوا حذوه ويلتجئوا إلى أمان الملكوت هاربين من غضب الله الذي سيظهر بشكل هائل في اليوم الأخير.
يتأمل المؤمن المفكر في أمور هذه الحياة المستعصية وخاصة المواضيع التي تتعلق بالعدل والصلاح أثناء المرحلة الحالية (أي الزمنية أو الإنتقالية لملكوت الله. ينظر المؤمن حوله ولاسيما في أيام انتشار الصنميات الإلحادية المعاصرة وكثرة الجور والطغيان، ينظر المؤمن في العالم الذي يحيق به ويشهد ما يناقض إيمانه بسلطان الله على كل شيء. ما أكثر الذين يعيشون وكأن الله غير موجود أو كأنه تعالى غير آبه أو مهتم بعالمه؟ وما أكثر الذين يعملون جهدهم في أيامنا هذه للقضاء على كل أثر للدين والإيمان بالله وبملكوته في العالم.
ما هو موقف المؤمن والمؤمنة تجاه الأزمة الروحية والأخلاقية الحادة التي نمر بها؟ كيف يستطيع المؤمن أن يسير أمور حياته آخذاً بعين الاعتبار كلاً من عداوة الكثيرين لملكوت الله وانتصار ملكوت الله على قوى الشر والظلام في اليوم الأخير؟ كيف نحل معضلة التناقض الظاهري بين سلطان الله القدير والفوضى والتفسخ والانحلال الروحي والأخلاقي الذي يعم عالمنا اليوم؟ جواب السيد المسيح الذي أعطانا إياه يكمن في مغزى مثل القاضي الظالم والأرملة التي كانت تأتي إليه طالبة العدل والإنصاف.
لم يكن ذلك القاضي الظالم خائفاً لله ولا مهتما بآراء الناس. كان قاضياً ظالماً متعسفاً لا يعمل حسب روح ونص الشريعة الإلهية التي تأمر بالعدل والإنصاف ولاسيما في قضايا الأرامل واليتامى والمساكين. لم يشأ القاضي في باديء الأمر أن ينصف تلك الأرملة المسكينة التي كانت تذهب إليه مراراً وتكراراً طالبةً منه النظر في قضيتها. وفي نهاية المطاف أنصفها القاضي بعد أن عقد مؤتمراً مع نفسه قائلاً: إني وان كنت لا أخاف الله ولا أهاب إنساناً فلأن هذه الأرملة تزعجني سأنصفها لئلا تأتي على الدوام فتضايقني.
لم يعلمنا السيد المسيح بأنه هناك أي شبه بين الله الديان العادل والقاضي الظالم. كان السيد يريد أن يعلمنا هذا الدرس الهام: إن كانت الأرملة قد نالت حقها في نهاية الأمر نظراً للجاجاتها مع أن القاضي الذي كانت تذهب إليه كان – حسب قوله – غير آبه بالله وغير خائف من أي بشر، فكم بالحري سينصف الله المؤمنين والمؤمنات في النهاية. وفي كثير من الأحيان يظهر الله في هذه الحياة – أي إبان المرحلة الزمنية لمسيرة ملكوته – يظهر وكأنه يتوانى عن المجيء إلى مساعدة المؤمن الذي التجأ إليه في معارك الحياة اليومية التي يخوض غمارها ضد أعداء أقوياء. ولكنه بالرغم من هذا التباطؤ الظاهري وبالرغم من ضراوة الحرب الروحية التي تدور رحاها ضمن حياة المؤمن وفي العالم المحيط به، على مواطن الملكوت ألا ييأس بل يؤمن من قرارة قلبه بأن الله سيمن عليه بالنصر في النهاية.
وإذا سمح المؤمن لهذه الحقيقة الجوهرية بأن تلعب دورها في حياته فإنه يختبر معنى القول الرباني في أنه ينبغي أن يصلوا كل حين ولا يملوا. يتوجب على مواطن الملكوت أن يصلي في كل حين وفي شتى الظروف والمناسبات، عليه أن يرفع أدعيته إلى الله من أجل انتصار الملكوت ومبادئه السامية في حياته وفي العالم بأسره. والجو الذي يجب أن يحيط بحياته هو جو الصلاة. هذا لا يعني أن الله سيستجيب إلى صلواته وأدعيته نظراً للجاجته، كما كان حالة الأرملة المسكينة مع القاضي الظالم، بل نظراً لليقين التام الذي يكمن في قلب المؤمن بخصوص انتصار ملكوت الله النهائي، ذلك الملكوت الذي انتسب إليه المؤمن. يصلي المؤمن ليمن عليه الله بنعمة وبركة تمكنه من العيش بكل أمانة حسب دستور الملكوت السماوي.
وعندما يشعر المؤمن بأن قواه تكاد بأن تخور وهو يخوض معاركه الروحية وإذ يمثل له العدو بشتى الطرق والوسائل أن الملكوت قد فشل وأنه من الأجدر بأن يستسلم المؤمن بدون قيد أو شرط وأن ينغمس في الحياة المادية والدهرية، يرى المؤمن باباً واحداً للهرب من فخ الشيطان: وهذا هو باب الصلاة إلى الله.
يا ترى لماذا يتمهل الله على بني البشر الثائرين عليه؟ ولماذا لا يظهر ملء ملكوت الله؟ لماذا لا يعود المسيح يسوع إلى العالم حالاً وينقذنا من الفوضى والشرور التي تحيق بنا؟ لماذا يخال المؤمن في بعض الأحيان بأن أدعيته وابتهالاته لمجيء ملكوت الله لا تسمع؟ نواجه هذه الصعوبات لأننا ننظر إلى الحياة بأسرها من وجهة نظر زمنية محدودة. إن الله عليم بالموعد الذي حدده منذ الأزل بخصوص نهاية التاريخ البشري وعودة المسيح المخلص إلى العالم.
وهو يعمل في المرحلة الحالية الزمنية من ملكوته على المجيء بالناس من كل مكان إلى ملكوته المقدس. وهو لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. وهكذا فإن الله يظهر للمؤمنين الذين يقاسون الاضطهادات وكأنه تعالى اسمه قد تأخر في الاستجابة إلى صلواتهم أو كأنه غير آبه بمصير ملكوته على الأرض. بينما يعلمنا المثل الذي ضربه لنا المسيح يسوع أن الله لا يتوانى في تلبية طلبات عبيده ولكنه يهتم في هذه المرحلة من تاريخ البشرية بدعوة الناس للانضمام إلى عضوية ملكوته قبل فوات الأوان. كل يوم يمن الله به على الناس إنما هو يوم خلاص ويا لبؤس من رفض هذا الخلاص المجاني.
- عدد الزيارات: 2027