الإنسان والغفران
الذين يشعرون بشناعة خطاياهم يحاولون استرضاء الله بوسائل مختلفة لكي يغفرها لهم.
بالأعمال الصالحة :
الأعمال الصالحة لها قيمة طيّبة في حدّ ذاتها، ولكنّها لا تستطيع أن تمنحنا غفران الله عن خطايانا السالفة. هذه الحقيقة أُعلِنت لنا على لسان إشعياء النبيّ حين قال: "صِرْنا كلّنا كنجسٍ، وكثوب عِدّةٍ كلّ أعمال بِرّنا، وقد ذبلنا كورقةٍ، وآثامنا كريح تحملنا" (إشعياء 64:6).
و قال الرسول بولس بإلهام الروح القدس: "لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لِأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللّهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا" (أفسس 2:9 ،10).
ونفهم من قول الرسول المغبوط أنّ الأعمال الطيّبة التي يقوم بها الإنسان لا يمكن أن تعطيه الغفران، لأن لا فضل له فيها، إذ هي من الواجبات الضروريّة التي وُضِعت عليه. والمسيح نفسه أشار إلى هذه الحقيقة حين قال "مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لِأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا" (الإنجيل بحسب لوقا 17:10).
لكأنّ المسيح يذكّرنا بالوصيّة الأولى والعظمى في الناموس "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ" (الإنجيل بحسب متى 22:37) وهذه الوصيّة تعني أنّ محبّتنا للربّ يجب أن تقترن بخدمته وعمل الصالح قدّام عينيه.
ولعلّ أروع مثل نتعلّمه من سيرة داود الذي حين قدّم هو ورجاله كمّيّة ضخمة من الذهب لبناء الهيكل قال "مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَرَّعَ هكَذَا، لِأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ! أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، كُلُّ هذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتاً لاِسْمِ قُدْسِكَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ" (1 أخبار 29:14 ، 16).
صحيح أنّ الأعمال الصالحة ضروريّة جدّاً نظراً لأنها تتفق مع أفكار الله، لكنّ الأعمال الصالحة لا يمكنها أن تشتري الغفران وإلاّ لحُذفت كلمة "نعمة" من معاجم اللغة - فالنعمة هي عطية الله المجانية لمن لا يستحق.
الصلاة:
الصلاة أيضاً ليست وسيلة غفران. فالخاطئ قد أساء إلى الله، ولا يستطيع أن يعوّض عن الإساءة بمجرّد التوسّل والابتهال. وكذلك لا يستطيع بالتوسّل والابتهال أن يحظى برحمة الله، لأنّ رحمة الله مقترنة بكماله المطلق في العدل.
وكذلك الخاطي لا يتمتّع بشفاعة الروح القدس الذي يجعل نفس الإنسان متوافقة مع الله، وبالتالي يشفع في صلاته ويجعلها مقتدرة كثيراً في فعلها.
وثمّة من يسأل: مَن يستطيع إذاً أن يصلّي؟ الجواب: الذي قبل المسيح ونال غسل خطاياه بدم صليب الفادي. لذلك فالصلاة ليست وسيلة للحصول على الغفران، وإنّما هي علاقة طيّبة يتمتّع بها الإنسان مع الله بعد غفران خطاياه.
الصوم:
الصوم مظهر من مظاهر التذلّل وكسر النفس، إلاّ أنّ ممارسته لا تكفي للتعويض عن الإهانة الموجّهة إلى الله بسبب الخطيّة. وبالتالي لا يتيح للخاطي الغفران.
وقد عرف بالاختبار أنّ الذين يصومون طمعاً في ثواب الله هم في الواقع لا يؤدّون بصومهم عملاً نافعاً لله والناس يستحقّون من أجله جزاءً، فقد قال الله: "لَمَّا صُمْتُمْ وَنُحْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالشَّهْرِ السَّابِعِ، وَذَلِكَ هَذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً، فَهَلْ صُمْتُمْ صَوْماً لِي أَنَا؟ وَلَمَّا أَكَلْتُمْ وَلَمَّا شَرِبْتُمْ، أَفَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْآكِلِينَ وَأَنْتُمُ الشَّارِبِينَ" (زكريّا 7:5 ، 6).
الشفاعة:
ليس في الكتاب المقدّس تعليم يقول إنّ شفاعة الأولياء والقدّيسين الذين سبقونا تغفر الخطايا. وقد جاء في التعليم الرسوليّ أنّه "يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ: الْإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لِأَجْلِ الْجَمِيعِ، الشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ" (1 تيموثاوس 2:5 ، 6). "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلَاصُ. لِأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أعمال 4:12).
التوبة:
ما أجمل التوبة! إنّها تحُول دون ارتكاب الكثير من الخطايا. ولكنّها مع جمالها لا تستطيع غفران ما سلف من الخطايا... هب أنّ قاتلاً ارتكب جريمة قتل، ولكنّه في أثناء المحاكمة يقطع وعداً بالكفّ عن ارتكاب الجرائم، فهل يجد القاضي في وعده سبباً للعفو عنه؟ كلاّ إطلاقاً! لأنّ القاضي الذي أُقيم حارساً على القانون لا يمكن أن ينقضه. فإن كان القاضي الأرضيّ لا يجيز لنفسه كسر العدالة، فكم بالحريّ يكون قاضي السماء والأرض، الذي قال "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ" (حزقيال 18:20).
- عدد الزيارات: 2419