اعترف بذنوبك أمام الله ولا تكذب
صعد يوماً إلى أحد الهياكل رجلان، أحدهما رجل دين والآخر مختلس لص. فوقف الأول منتصباً فخوراً في وسط المعبد وصلى أمام الجميع هكذا: »اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الّزُنَاةِ، وَلَا مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ« (لوقا 18:11 و12).
وأما ذاك اللص فوقف من بعيد يعتريه الخجل ويعصره الندم، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل طأطأ رأسه وقرع على صدره متمتماً: » اللّهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ« (لوقا 18:13).
ويحدثنا الإنجيل الشريف أن المسيح المبارك شهد أن الأول رجل أناني مرائي لم ينل بركة واحدة، أما الفاسد فقد تبرر باعترافه وتوبته وعاد إلى بيته في سلام.
فيا أخي القارئ، ننصحك أن تعترف بذنبك أمام ربك. وإن لم تكن قد عرفت حقيقة خطاياك بعد، فاطلب من الله تعالى بروح الانكسار والخضوع قائلاً اللهم اكشف لي كل ظلم وإثم في حياتي وليظهر نورك قساوة قلبي والبغضة في أفكاري، والنجاسة في أقوالي وأعمالي.
تجاسر بأن تطلب من الله أن ينزع الحجاب عن ضميرك، ويهتك الأستار عن خفايا نفسك لتدرك خطاياك المتراكمة جلياً، إذ ليس إنسان لا يخطئ، العصمة لله وحده. فاطلب من الله الرحيم علماً ومعرفة عن حقيقة نفسك، فيعلمك وصاياه العشر كمرآة لحالتك الفاسدة فتدرك أنك لست بأفضل من غيرك.
الرب يعلن لنا أننا لم نحببه من كل قلوبنا ولا من كل أنفسنا ولا من كل قدرتنا. بل ركضنا وراء المال، وأحببنا ممتلكاتنا، وتعجبنا من جمالنا، وكتبنا الأمور التي أصبحت أصناماً لنا.
أَوَلمْ تلفظ اسم الله باطلاً مرات عديدة، مجدفاً عليه دون أن تلاحظ ذلك؟ وهل أكرمت أباك وأمك بخدمات عملية وتضحيات المحبة، والصبر المستديم كما أمر الله؟
وما أكثر الحقد والبغضة والرفض الكامن في قلوبنا، ضد الناس القساة في محيطنا، أن نية القتل كامنة في دم الإنسان.
والدعارة هي مثل الوحل تلطخنا بقعاً بقعاً. آه لأجل الضمائر المخنوقة في سبيل النجاسة فكراً وقولاً وعملاً. لو ندرك كمية الخطايا المرتكبة في عاصمتنا أثناء ليلة واحدة، لفزعنا من فظاعتها ونقشعر من حقيقة البشر.
والأكاذيب تزداد، فمن يصدق كلام الآخر تصديقاً حقاً؟ الالتواء والخداع يسمم العيش المشترك. فليكن معلوماً عندك أن الله يكره كل كذب ونميمة وإهانة، لأن الله يحب جميع الناس، وقد قال بفم المسيح المبارك: »لَا يُمْكِنُ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ« (لوقا 17:1).
وفوق هذه الخطايا كلها يدفعنا الاشتهاء إلى التملك والبخل والأبهة والسلطة، حتى أصبحت قلوب البشر قاسية بخيلة وغليظة.
فكم مرة تركت المرضى والفقراء واللاجئين جانباً، وكم مرة اشمأزت نفوسنا من وجودهم؟ فالرحمة غير ثابتة في قلب الإنسان، لأنه ممتلئ بالأنانية والكبرياء. وقد أوحى الله تعالى لرسوله الكريم بولس بأفضل وصف لحالة البشر قائلاً: »أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللّهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ. حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الْأَصْلَالِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. وَطَرِيقُ السَّلَامِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. لَيْسَ خَوْفُ اللّهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ«.
أيها الأخ العزيز، ألا تزال تفكر أنك صالح، أم لانت نفسك أمام توبيخ ضميرك؟ هل تجلت لك الهوة السحيقة التي تفصلك عن خالقك؟ هل تمثلت عظم خطيئتك وبشاعة معاصيك؟ هيا، هيا اعترف أمام ربك الرحيم، ارفع قلبك وراحتيك واسكب نفسك أمام عزته وجلاله وأفرغ كل ما في داخلك من خطايا وموبقات أمام حضرته. قل له: يا إلهي الآن علمت أن خطاياي تفصلني عنك وتمنع اتصالي بك، وحجبت نور وجهك عني. إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت فاقبل اعترافي وتوبتي وسربلني بخلاصك الكريم.
- عدد الزيارات: 2328