إن الله مقياس حياتك
كتب إلينا شاب من البحرين يقول: »لا أعرف بمن أؤمن فيما بعد. هل أنا مسلم أو شيوعي أو مسيحي؟ فهل تساعدونني وتوضحون لي من أتبع. محمد أو ماركس مع لينين أو المسيح؟«. وقبل أن يوقع رسالته كتب: »المضطرب«.
هذا الشاب وما أكثر أمثاله تائه ضائع بين التيارات المتصارعة والأفكار المتضاربة ولكنه لم يغرق في لجج حيرته ولا فقد الرجاء بل كشف عن أشواق قلبه معرباً عن حاجته القصوى إلى هدف سام وقدوة صالحة وليس إلى تقاليد جافة وصلوات طقسية وعقائد متجمدة.
نعم، فالله الحي القدوس جعل ذاته مقياساً للبشر وقدوة لأتقيائه ليرفعهم من نجاساتهم إلى مستواه الإلهي إذ قال له المجد: »كُونُوا قِدِّيسِينَ لِأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ« (1 يطرس 1:16).
ربما تقول حاشا! من أنا بالنسبة إلى الله. فإن القدوس لا يطلب منك خلاص نفسك بنفسك، لأن هذا الأمر مستحيل، بل هو يريد تحريرك من المقاييس البشرية والقوالب الدنيوية. فالله الذي خلق الإنسان على صورته يريده أن يسلك أيضاً في قداسته. وهكذا أمر خليله إبراهيم قائلاً له: »أَنَا اللّهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً« (تكوين 17:1).
الله المحب يريد أن ينشلك من ارتباطاتك في الخطية وهو مستعد أن يخلصك ويقدسك ويشفي ضعف أخلاقك. ولكن قبل تحقيق هذا الخلاص فيك يحررك من الظن أنك صالح أو مقتدر لتصلح نفسك بنفسك. إن الصلاح المطلوب من الإنسان هوصلاح الله بالذات. المسيح عبّر عن هذا المبدأ المكتوب بوصيته الواضحة »كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ« (متى 5:48).
كل من يسمع آيات الوحي ويدرك عمق معانيها يكاد ييأس، لان هذه هي خطيتنا أننا لسنا طاهرين ولا صالحين مثل الله. والمسيح لخص هذه الاثباتات بقوله للشاب الغني: »لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللّهُ« (متى 19:17).
أيها القارئ العزيز، إذا أدركت الله تدرك نفسك في نوره. إن أكثر الناس يتخيلون أنهم صالحون مهذبون ويكذبون على أنفسهم ويغترون، لأنهم لا يعرفون المقياس الإلهي لحياتهم بعد. فأمام الله يظهر كل إنسان مذنباً هالكاً. فمعرفة الله الحقة تذيب الكبرياء فينا. ليس أحد صالحا إلا الله. وليس إنسان أفضل من الآخر. فمن يقيس نفسه بالله يعترف بأننا جميعنا فاسدون راسبون. وقد أعلن الرسول الكريم بولس هذه الحقيقة، في رسالته الشهيرة قائلاً: »الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللّهِ« (رومية 3:23).
هل توافق على هذه الحقيقة؟ أو أنك لا تزال تؤمن أنك صالح وأفضل من الآخرين؟
هل تصغي إلى صوت ضميرك، الذي يبكتك على خطاياك الخفية؟ أنت تعرف بالضبط أنك خاطئ. وبمقدار ما تقترب من الله يظهر كل عيب فيك. فتعال إلى ربك ولا تؤجل، لأنه مكتوب: »فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلَاصٍ أَعَنْتُكَ. هُوَذَا الْآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الْآنَ يَوْمُ خَلَاصٍ« (2 كو 6:2).
- عدد الزيارات: 2157