معجزة أليشع التاسعة
شفاء قائد الجيش السوري
(2ملوك 5)
تتلخَّص قصة هذه المعجزة في أن رئيس جيش أرام (الجيش السوري) كان مصاباً بمرض البرص، ولم تستطع الوصفات الطبية كلها أن تشفيه. وكان في بيته خادمة صغيرة يهودية أخبرت سيدتها، زوجة نعمان، أن نبياً اسمه أليشع في بلدها يستطيع أن يشفيه. ونقل نعمان الخبر الى ملك أرام ( سوريا) آنذاك، فكتب لنعمان رسالة توصية يقدمها لملك بني إسرائيل ليشفي نعمان.
وخاف ملك إسرائيل كثيراً لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً.
ولكن الخبر وصل إلى النبي أليشع، فاستدعى نعمان السرياني وطلب إليه أن يذهب إلى نهر الأردن ليغتسل هناك سبع مرات، فيرجع لحمه كلحم صبي صغير. ورفض نعمان أن يذهب إلى نهر الأردن بحُجَّة أن أنهار بلاده أعظم وأفضل! ولكن رجاله قالوا له: »لو أن النبي أمر أمراً عظيماً، أَمَا كنت تعمله؟«. فسمع لنصيحتهم، ونزل وغطس في نهر الأردن سبع مرات، حسب قول النبي أليشع، فرجع لحمه كلحم صبي صغير، وطهُر من المرض.
ورجع نعمان إلى النبي أليشع مع كل جيشه ليقدّم له شكراً، هديةً. ولكن النبي أليشع رفض الهدية تماماً. فاستأذن نعمان السرياني في أن يأخذ حِمْل بغلين من التراب ليبني مذبحاً للرب، إذ يمدُّ التراب على وجه قطعة الأرض، فتصير القطعة كلها أرضاً مقدسة، ثم يبني مذبحاً عليها، لأنه عرف نعمان أن الله هو الإله الحقيقي، وأن الصنم الذي يتعبَّد له السوريون وقتها ليس شيئاً.
وهكذا نال السرياني شفاءه، وقدم شكره لله.
كان نعمان السرياني، قائد الجيش السوري، يملك الشيء الكثير. كان يملك النجاح، إذ كانت حملاته العسكرية موفَّقة. وكان يملك المكانة المرموقة، فقد كان مرفوع الوجه عند ملكِهِ في دمشق. وكان يملك المال الكثير ولكنه كان مريضاً بالبرص. وأحاطت به جماعة من الناس مدَّت له يد المساعدة، فتعال نرى من قدَّم مساعدة لنعمان لشفائه من برصه.
أول من قدم المعونة كانت الزوجة الصالحة. كان عندها دموع الحب تبكي بها على مرض زوجها العزيز. إنها زوجة باكية لكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك. ولما رأتها جاريتها تبكي، تشجعت وقدمت لها نصيحة.
الشخص الثاني الذي قدم ما عنده لنعمان السرياني كانت تلك الجارية اليهودية، التي قدمت شهادتها عن النبي أليشع نبي الله. لم تبْقَ عندها دموع، فقد سكبتها كلها على نفسها وعلى أهلها الذين أُخذت من بينهم منذ صغرها. ولم يكن عندها مال تقدمه لنعمان، فهي جارية أسيرة، لكن إيمانها بالله كان عظيماً. صحيح أنها لا تستطيع أن تقدم الشفاء، لكنها تستطيع أن ترشد للشافي. فقدمت نصيحتها وشهادتها إذ قالت لمولاتها: »يا ليت سيدي يقف أمام النبي الذي في السامرة، فإنه كان يشفيه من برصه«.
وهناك شخص ثالث حاول أن يقدم معونة لنعمان السرياني، ذلك هو الملك السوري آنذاك، الذي أرسل رسالة ومالاً إلى ملك إسرائيل، وقال له: »عند وصول هذا الكتاب إليك، أرسلت إليك نعمان فاشْفِهِ من برصه«. كان يملك المال والسلطان، لكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً لمعونة قائد جيشه.
وكان هناك شخص رابع، هو ملك بني إسرائيل، الذي ما أن تلقَّى تلك الرسالة حتى مزق ثيابه وقال: »هل أنا الله لكي أُميت وأُحيي، حتى أن هذا يرسل إليَّ أن أشفي رجلاً من برصه؟ فاعلموا وانظروا أنه إنما يتعرَّض لي«. لقد خاف من تحرُّش ملك أرام.
أظهر ملك إسرائيل عجزه، ونقص إيمانه وأنانيته وجهله ببلده وإلهه. لم ير ملك إسرائيل نبيَّ الله أليشع، ولم يشعر بآلام نعمان. كان كل ما رآه هو عرشه المهدَّد، فخاف على نفسه وعلى عرشه.
على أن هناك شخصاً عظيماً قدَّم خدمته، هو النبي أليشع، الذي أعطى درساً عظيماً في التواضع والقوة التي منحتهما السماء له. لقد أرسل أليشع إلى ملك إسرائيل يقول له: »لماذا مزقتَ ثيابك؟ ليأتِ إليَّ فيُعلَم أنه يوجد نبي في إسرائيل«. لقد أراد أليشع أن يوضّح أن الإله الحقيقي ورسالته الحقيقية هي في إعلانه السماوي بالإله الواحد.
وكان هناك جماعة من أصدقاء نعمان قدَّموا لقائدهم نصيحة. فعندما رفض في كبرياء أن يغطس في نهر الأردن، نصحوه بأن يجرِّب وصفة النبي أليشع، فقد تفيده. والحمد لله أن نعمان قبل مشورتهم، فغطس في نهر الأردن ونال الشفاء.
على أننا لا يجب أن ننسى أبداً أن الله فوق هؤلاء جميعاً. الله هو الذي قال: »أريد فاطهُر« فنال نعمان شفاءه. ولقد أحسَّ نعمان بهذا الجميل، فقرر أن يوقف التعبُّد لأوثانه، لأنها لم تنفعه بشيء. وعزم أن يقدم العبادة لله وحده. وهذا اعتراف بالفضل يجب أن نقوم به دوماً. فعندما يغمرنا الله بنِعَمه، نعزم بكل قلوبنا أن نتَّخذه سيداً لحياتنا ورباً لنا يمتلك زمام حياتنا، ويقودنا ويرشدنا يوماً بعد يوم، ويكون هو الهادي الوحيد لنا، الذي نقول له كما قال المرنم آساف في مزموره: »بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي« (مزمور 73:24). فإن كان رأيُ الله يهدينا، فلا بد أن نصل الى أمجد حياة هنا على الأرض، وهناك في محضره في السماء.
- عدد الزيارات: 2539