معجزة أليشع السادسة
إقامة ابن الشونمية من الموت
(2ملوك 4:8-37)
تدور أحداث هذه المعجزة حول ولد وحيد لأمه مات، فأقامه الله من الموت بواسطة النبي أليشع. وتتلخَّص القصة في أن سيدة عظيمة كانت ساكنة في بلدة اسمها شونم، من نصيب سبط يساكر. وهي اليوم بلدة »سولم« على بُعد خمسة وعشرين كيلومتراً من الكرمل، على جانب جبل الدَّحي الجنوبي الغربي، على بعد خمسة كيلومترات شمال مرج ابن عامر.
تصف التوراة المرأة بأنها كانت عظيمة، لأنها كانت غنية، أو زوجة لرجل غني. ونستنتج من القصة الكتابية أنها كانت امرأة ذكية وتقية وكريمة، وكان إيمانها عظيماً في وقت انحطاط ديني في الدولة الإسرائيلية كلها. وقد دعت المرأة الشونمية نبيَّ الله أليشع ليميل إلى بيتها كلما مرَّ ببلدها ليأكل خبزاً ويستريح. وذات يوم قالت لزوجها: »علمتُ أن النبي أليشع رجلَ الله مقدسٌ فَلْنَبْنِ له عِلّيَّة صغيرة، نضع له فيها سريراً وخِواناً وكرسياً ومنارة، حتى إذا جاء إلينا يستريح فيها«.
وذات يوم ذهب أليشع إلى شونم ودخل إلى العِلّيَّة التي جهَّزتها له، ثم طلب من خادمه جيحزي أن يستدعيها، وقال لها: »لقد انزعَجْتِ بسببنا. فماذا نصنع لك؟ هل هناك شيء أكلف به الملك من أجلك، أو رئيس الجيش؟« فأجابت: »أنا ساكنة وسط شعبي في سلام«. فعاد يسألها: »ماذا أصنع لك؟« فقال جيحزي: »ليس لها ابن، ورجلها قد شاخ«. فقال أليشع: »في مثل هذا الوقت من السنة القادمة ستحتضنين ابناً«. فأجابت مندهشة: »لا يا سيدي رجل الله، لا تكذب عليّ!«. ولكن الله استجاب لدعاء أليشع وأعطى الشونمية ابناً.
وكبر الولد وذهب مع أبيه إلى الحقل، وبقي وسط الحصادين، فأصابته ضربة شمس، فأعاده أبوه إلى البيت إلى أمه حيث مات.
أدركت المرأة الشونمية أن الله أعطاها هذا الغلام بمعجزة، فقد كانت عاقراً ولم يكن ممكناً أن يكون لها أولاد. كان الولد عطية الله لها. فحملته إلى عِلّيَّة أليشع، وأرقدَتْه على سريره، وأغلقت عليه الغرفة، وأرسلت إلى زوجها طالبة أن يرسل لها واحداً من رجاله مع حمار، لأنها تريد أن تذهب إلى رجل الله ثم ترجع. فسأل زوجها: »لماذا؟« قالت له: »سلام«.
ولما رآها أليشع قادمة من بعيد قال لخادمه جيحزي: »هذه هي المرأة الشونمية. اركض للقائها واسألها: أسلامٌ لك؟ أسلام لزوجك؟ أسلام لولدك؟« فكانت إجابتها: »سلام«. فلما وصلت حيث كان أليشع قالت له: »هل طلبْتُ ابناً من سيدي؟ ألم أقل لك:لا تخدعني؟«. فأدرك نبيُّ الله أن ابنها قد مات، فطلب من خادمه أن يأخذ عكازه، ويذهب مسرعاً إلى البيت وأن يضع العكاز على وجه الصبي الميت ليقوم. ولكن المرأة العظيمة قالت: »حيٌّ هو الرب، وحيّةٌ هي نفسك أنني لا أتركك« - فقام أليشع وتبعها. ولما دخل البيت وجد الصبي ميتاً مضطجعاً على سريره، فأغلق الباب عليه وعلى الصبي، وصلى إلى الرب، واضطجع فوق الصبي ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه، وتمدّد على الولد، فعطس الولد سبع مرات، ثم فتح عينيه. فدعا أليشع جيحزي خادمه وقال: »ادع المرأة الشونمية«. ثم قال لها: »احملي ابنك«. ولكن المرأة سجدت أولاً شكراً لله، ثم حملت ولدها.
لقد أجرى الله معجزة إقامة الولد الميت بناء على صلاة أليشع، وكانت صلاة إلى الرب تدل على محبته للولد الذي جاء نتيجة لاستجابة الصلاة. نعم كان أليشع يحب الولد ويحب أهله. ربما ظن أليشع أن عكازه يشبه عصا موسى، ولكن الله لم يكن يريد أن يقوم الولد من موته بفضل العكاز، ولا بفضل الخادم جيحزي، ولا بفضل أليشع نفسه، بل بفضل الله سامع الصلاة. فكان لا بد من أن أليشع بنفسه يدعو الله لأن يقيم الولد الميت.
وفي القصة لمسة شكر رائعة لله، فإن النبي أليشع عندما طلب من الشونمية أن تحمل ابنها لم تحمله، بل سجدت أولاً على الأرض ورفعت صلاة شكر إلى الله، ثم حملت ابنها وخرجت. ان إحساسها بالدَّيْن لله كان أقوى من مشاعرها كأم نحو ولدها الذي مات ثم قام. وهذا يبيّن مقدار حبها لله وتقديرها لفضله عليها.
إن أية أم عادية في مثل هذا الموقف كانت تسرع أولاً لتحمل ابنها، ثم تسجد أمام الله شاكرة. أما هذه السيدة فقد سجدت أولاً شكراً، ثم حملت ابنها.
ليتنا نتعلم كيف نعبّر عن الحب لله والشكر له قبل أن نأخذ عطاياه، فما أكثر الذين ينشغلون منا بالهدية وينسون المُهدي الذي أنعم علينا بها.
- عدد الزيارات: 2136