Skip to main content

الله يدعو موسى

لما كان موسى يرتحل طلباً للمراعي لقطعانه اقترب من جبل حوريب، الذي يُدعى أيضاً جبل سيناء. وهو الجبل الذي تلقى فيه بعد ذلك شريعة الله التي نزلت إليه.

وتقول التوراة لنا إن الله ظهر لموسى عند جبل حوريب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر موسى وإذا بعليقة تتوقد بالنار دون أن تحترق، فقال موسى: »أَمِيلُ الْآنَ لِأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لَا تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟« فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللّهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: »مُوسَى مُوسَى«. فَقَالَ: »هَئَنَذَا«. فَقَالَ: »لَا تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ« (خروج 3:1 - 5).

أيها القارئ الكريم، إن كان الله قد ظهر لموسى ناراً في عليقة، ألا يمكن أن يظهر لنا في شخص المسيح؟ بورك من في النار، وسبحان الله الذي يُظهر نفسه لعباده الصالحين بأي طريقة يشاء. ظهر لموسى في وسط تلك الشجرة المشتعلة بالنار دون أن تحترق، كما أظهر ذاته لنا في شخص المسيح، الذي يقول الإنجيل المقدس عنه: »وَبِالْإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللّهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ« (1تيموثاوس 3:16).

الله يتكلم من العُلَّيقة:

ثم قال الله لموسى، من خلال العليقة التي كانت تشتعل بالنار دون أن تحترق: »أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ«. فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لِأَنَّهُ خَافَ... فَقَالَ الرَّبُّ له: »إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ،... وَالْآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضاً الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، فَالْآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ« (خروج 3:7 - 10).

عزيزي القارئ، ألا ترى كيف يرقُّ قلب الله لشعبه، فيريد أن يحررهم من العبودية، ويصعدهم إلى أرض جيدة؟ هذا تماماً ما يحدث معك. فإن كنت تحس أن الخطية تستعبدك وأن إبليس يذلّك، فإنني أؤكد لك أن الله يريد أن يحررك من العبودية، وأن يصعدك إلى أرض جيدة فيها تجد خلوة معه، وتفرح به وتستمتع بشخصه. إن الله لا يشاء لإنسان أن يُذل إنساناً آخر، وهو يسرع لمعونة المذلولين والمتعَبين. عندما كان السيد المسيح في عالمنا ورأى الناس كغنم بلا راع، رق قبله لهم (متى 9:36). وقال لتلاميذه أن يصلّوا ليرسل الرب فعَلةً لحصاده (متى 9:38). ثم أرسل تلاميذه برسالة الإنجيل ليوصّلوا بشرى الفرح والخلاص للنفوس المحتاجة. وها هو المسيح يدرك ما تقاسيه أنت من عبودية ومن متاعب، ولا زال قلبه مليئاً بالرأفة، فيرسل إليك هذه الرسالة ليقول لك: »إنني أريد أن أنقذك. إنني أسمع صراخك«.

ما أجمل ما قال نبي الله داود وهو يعبّر عن هذه الحقيقة: »اِنْتِظَاراً انْتَظَرْتُ الرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي، وَأَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ الْهَلَاكِ، مِنْ طِينِ الْحَمْأَةِ، وَأَقَامَ عَلَى صَخْرَةٍ رِجْلَيَّ. ثَبَّتَ خُطُواتِي، وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَةً لِإِلهِنَا« (مزمور 40:1 - 3).

أيها القارئ الكريم، أؤكد لك أن الله يحبك، ويريد أن ينقذك. وأرجوك أن تجيء إليه دوماً تطلب منه المعونة والإرشاد. إن الله في محبته يدرك ما أنت فيه من ضيق، ويريد أن يحررك من كل مذلة. إن كنت عبداً للخطية فإن الله يريد أن ينقذك من عبودية الخطية، وأن يطلقك إلى حرية مجد أولاد الله. وإن كنت مستعبداً لإنسان قاس، فإن الله في حبه يريد أن ينقذك ويخلصك.

موسى يقدم خمسة اعتذارات:

عندما وجَّه الله دعوته إلى كليمه موسى ليذهب إلى فرعون، بدأ موسى يقدم الاعتذارات عن عدم أدائه هذه المهمة الشاقة. قدم موسى خمسة اعتذارات (سفر الخروج 3:11 - 4:16)

1 - قال الله لموسى: »هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ«. فجاء اعتذار موسى الأول: »مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ؟«. لا شك أن موسى يتذكر اختباره القديم، عندما أراد أن ينقذ شعبه من العذاب الذي يُسامونه، فكان أن هدده فرعون بالقتل، فهرب من هناك. وجاوب الله على اعتذار موسى بقوله: »إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ«. وأكد الله له أنه حالما يُخرج الشعب من مصر، فأنهم سيعبدون الله على جبل حوريب، الذي هو جبل سيناء. ووعد الله هذا هو علامة للإيمان وحده - فلا يمكن لبني إسرائيل أن يجيئوا إلى جبل سيناء ليعبدوه إلا بعد أن يحقق وعده لهم بالخروج. (خروج 3:11، 12).

2 - وعاد موسى يعتذر من جديد، قال: »هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟« فَقَالَ اللّهُ لِمُوسَى: »أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ«. وَقَالَ: »هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ« (خروج 3:13 و14). »وأهيه« اسم عبري معناه »الكائن« ويعبّر هذا الاسم عن أبدية الله ووجوب وجوده. إنّ الله هو الموجود بذاته لا بداية له، غير مخلوق، أبدي.

وأمر الرب موسى أن يستأذن فرعون في أن يذهب الشعب للصحراء في رحلة تستغرق ثلاثة أيام ليقدموا للرب ذبائح، وقال الرب لموسى: »أَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ عَجَائِبِي الَّتِي أَصْنَعُ فِيهَا. وَبَعْدَ ذلِكَ يُطْلِقُكُمْ (فرعون)«. (خروج 3:18 - 20).

3 - ولكن موسى عاد يعتذر مرة ثالثة وقال: »هَا هُمْ لَا يُصَدِّقُونَنِي وَلَا يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي، بَلْ يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ الرَّبُّ« (خروج 4:1). فأعطى الله لموسى ثلاث معجزات يؤديها، ليُقنع الشعب أنه مرسل من عند الله.

المعجزة الأولى أن عصا موسى تتحول إلى حية. وما إن طرح موسى عصاه على الأرض حتى صارت حية، فهرب موسى منها. ثم قال الرب لموسى: »مُدَّ يدك وأمسك ذنبها« فمد يده وأمسك بذنبها فصارت عصا في يده من جديد.

ثم قال الله لموسى: »أدخل يدك في عبك« فأدخلها ثم أخرجها، وإذ يده برصاء. فقال الله: »رُدَّ يدك إلى عبك«. وعندما فعل ذلك عادت يده سليمة صحيحة. وقال الله لموسى: »إذا لم يصدقوك بسبب المعجزة الأولى وهي تحويل العصا إلى حية، فإنهم سيصدقونك بسبب المعجزة الثانية«.

ثم قال الله لموسى: »إذا لم يصدقوا المعجزتين، فعليك أن تأخذ من ماء نهر النيل وتسكب على الأرض، فيصير الماء الذي تأخذه من النهر دماً على الأرض« (خروج 4:1 - 9)

4 - ولكن موسى عاد يعتذر مرة رابعة وقال للرب: »اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلَامٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلَا أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلَا مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ« (خروج 4:10).

عزيزي القارئ، كيف يمكن لموسى أن يتوقع من الله أن يهبه نعمة الفصاحة، في حين أنه يتهرب من أمر الله؟ إن المواهب التي يعطيها الله لنا تنمو بالممارسة. لقد أصبح موسى واحداً من أكبر الخطباء الذين عرفهم العالم، وقبل أن يموت ألقى في بني إسرائيل خطباً رائعة مدونة في سفر التثنية من التوراة. ورداً على هذا الاعتذار ذكَّر الله موسى بأنه خلق فم الإنسان، وفي قدرته أن يمنح موسى الفصاحة (خروج 4:10 - 12).

5 - وعاد موسى يعتذر من جديد. فقال له: »أيها السيد، أرسل بيد من ترسل«. وكأن موسى يطلب من الله أن يرسل إنساناً آخر. وهنا غضب الله على موسى وقال له إن أخاه هارون أكثر فصاحة منه، وسوف يقف هارون بجانب موسى.

أيها القارئ الكريم، عندما يوجّه الله لك دعوة لتخدمه، أرجوك ألا تعتذر أو تتهرَّب من تلك الدعوة. فما أعظم الخسارة التي كان يمكن أن تحل بموسى لو أنه رفض أن يؤدي خدمة لله. عندما تعتذر أعذاراً واهية، فإنك تخسر خدمة عظيمة وشرفاً كبيراً يكلفك الله به. عندما يدعوك الله، أرجوك أن تصغي إلى صوته وأن تستمع إليه (خروج 4:13 - 16).

وأخيراً وافق موسى على طاعة دعوة الله إليه.

  • عدد الزيارات: 9541