حجي: أولية ملكوت الله
"1فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ فِي أول يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّيِ النَّبِيِّ إلى زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِئيلَ وَالِي يَهوذَا وَإلى يَهوشَعَ بْنِ يَهوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ: 2هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: [هَذَا الشَّعْبُ قَالَ أن الْوَقْتَ لَمْ يَبْلُغْ وَقْتَ بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ]. 3فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّيِ النَّبِيِّ: 4[هَلِ الْوَقْتُ لَكُمْ أَنْتُمْ أن تَسْكُنُوا فِي بُيُوتِكُمُ الْمُغَشَّاةِ وَهَذَا الْبَيْتُ خَرَابٌ؟ 5وَ الآن فَهَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 6زَرَعْتُمْ كثيراً وَدَخَّلْتُمْ قليلاً. تَأْكُلُونَ وَلَيْسَ إلى الشَّبَعِ. تَشْرَبُونَ وَلاَ تَرْوُونَ. تَكْتَسُونَ وَلاَ تَدْفَأونَ. وَالآخِذُ أُجْرَةً يَأْخُذُ أُجْرَةً لِكِيسٍ مَنْقُوبٍ]. 7هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: [اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 8اِصْعَدُوا إلى الْجَبَلِ وَأْتُوا بِخَشَبٍ وَابنوا الْبَيْتَ فَأرضى عَلَيْهِ وَأَتَمَجَّدَ قَالَ الرَّبُّ. 9انْتَظَرْتُمْ كثيراً وإذا هو قَلِيلٌ. وَلَمَّا أَدْخَلْتُمُوهُ الْبَيْتَ نَفَخْتُ عَلَيْهِ. لِماذا؟ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. لأجل بَيْتِي الَّذِي هو خَرَابٌ وَأَنْتُمْ رَاكِضُونَ كُلُّ إنسان إلى بَيْتِهِ. 10لِذَلِكَ مَنَعَتِ السماواتُ مِنْ فَوْقِكُمُ النَّدَى وَمَنَعَتِ الأرض غَلَّتَهَا. 11وَدَعَوْتُ بِالْحَرِّ عَلَى الأرض وَعَلَى الْجِبَالِ وَعَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْمِسْطَارِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى مَا تُنْبِتُهُ الأرض وَعَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائم وَعَلَى كُلِّ أَتْعَابِ الْيَدَيْنِ]. 12حِينَئذ سَمِعَ زَرُبَّابِلُ بْنُ شَأَلْتِئيلَ وَيَهوشَعُ بْنُ يَهوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ وَكُلُّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ صَوْتَ الرَّبِّ إِلَهِهِمْ وَكَلاَمَ حَجَّيِ النَّبِيِّ كَمَا أَرْسَلَهُ الرَّبُّ إِلَهُهُمْ. وَخَافَ الشَّعْبُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ. 13فَقَالَ حَجَّي رَسُولُ الرَّبِّ بِرِسَالَةِ الرَّبِّ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: [أَنَا مَعَكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ]. 14وَنَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِئيلَ وَالِي يَهوذَا وَرُوحَ يَهوشَعَ بْنِ يَهوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ وَرُوحَ كُلِّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ. فَجَاءُوا وَعَمِلُوا الشُّغْلَ فِي بَيْتِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلَهِهِمْ 15فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ"
نبوة حجي – الفصل ا
ما هي الأمور التي تحتاج اليوم إلى الاهتمام الخاص والمستعجل؟ أمور الأكل والشرب واللباس والمأوى! نعم هذه أمور هامة للغاية وخاصة في عالم اليوم نظرا لكثرة الناس ولعدم توفير هذه الضروريات الحياتية للملايين من سكان أرضنا هذه والذين كثيراً ما يتضورون جوعا ويعيشون في بيوت لا يمكن تسميتها ببيوت ويلبسون ثيابا هي أقرب إلى الخرق منها إلى ثياب جيدة أو مريحة أو كافية!
ولكن وحتى أن توفرت جميع هذه الضروريات فإن الإنسان لا يستطيع أن يرتاح لأن حياة الإنسان مع احتياجاتها للأمور المادية لا تتكون منها فقط. وكما ورد في كتاب الله"لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيا الإنسان بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ"
يحتاج الإنسان إلى السلام والوئام، السلام بين الأمم والشعوب. نعم هذه حاجة ضرورية للغاية لأن الناس ملوا من الحروب والمنازعات ولاسيما في هذه الأيام التي ظهرت فيها اختراعات مخيفة قد تقضي على البشرية بأسرها – فيما اذا استعملت في حرب عالمية ثالثة! السلام عنصر هام للغاية ولكن السلام هو في صلبه ثمرة لا تنبت في العدم أوفي الفراغ بل ثمرة الصلاح والبر والتقوى ومخافة الله.
وهكذا ومع اعترافنا بأهمية السلام الا اننا أن كنا واقعيين وان اعترفنا بكون السلام ثمرة عوامل أخرى لا يمكن إهمالها لابد لنا من القول: أهم شيء في دنيانا هذه هو الاعتراف بأولية ملكوت الله في حياة الإنسان.
لم نبتدع ما ذكرناه الآن أي قولنا بأولية ملكوت الله في حياة الإنسان بل انما استنتجناه من دراستنا لنبوة النبي حجي. وقد عاش النبي حجي في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد فلسطين وكان أول نبي بين العائدين من سبي بابل. وبعد اندثار مملكة بابل جاء الفرس وسيطروا على أكثر انحاء العالم القديم وسمحوا للمنفيين بالعودة إلى الأرض المقدسة وذلك بعد مضي مدة سبعين سنة من سبي مملكة يهوذا. وقد تزعم حركة العودة كل من عزرا ونحميا وعاد نحواثنان واربعون الفا من السكان الأصليين إلى المملكة الجنوبية. سكنوا القدس وبيت لحم وجوارها وابتدأوا بترميم هيكل سليمان الذي كان قد دمر قبل سبعين سنة.
ونظرا لبروز بعض الصعوبات في طريقهم بردت همتهم وتوقفوا عن العمل في اعادة بناء الهيكل لمدة ستة عشرة سنة. وفي تلك الأونة من التاريخ أي قبل نحو خمسمئة سنة من الميلاد دعا الله نبيه حجي وطلب منه المناداة بموضوع ضرورة اعادة بناء الهيكل. وهيكل سليمان كان يرمز إلى الحضرة الإلهية بينهم وكانت طقوس العبادة المقبولة لدى الله والمنصوص عنها في شريعة موسى – كانت تتم ضمن الهيكل المقدس.
وجد حجي النبي أن الناس في أيامه كانوا قد جعلوا من الأمور الثانوية الأمور الهامة في الحياة. ابتدأ النبي ينادي قائلا"هَلِ الْوَقْتُ لَكُمْ أَنْتُمْ أن تَسْكُنُوا فِي بُيُوتِكُمُ الْمُغَشَّاةِ وَهَذَا الْبَيْتُ خَرَابٌ؟"أهمل العائدون بيت الله ولكنهم لم يهملوا بيوتهم ولا راحتهم الشخصية إذ انهم بنوا بيوتا مريحة وفخمة مغشاة بالخشب الفخم ولكنهم لم يبالوا بإعادة بناء بيت الرب أي الهيكل المقدس. صار هؤلاء الناس – من الناحية العملية – صاروا دهريين ودنيويين، وان كانوا نظريا مؤمنين بالله الواحد اله آبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب!
ويجدر بنا قبل الاسترسال في وصف حالة من عاشوا في البلاد المقدسة منذ نحو2500 سنة يجدر بنا أن ننظر إلى انفسنا في هذه الأيام! ماذا نجد؟ نجد أن أمور الله لا تعطى المكانة الأولى بل الأمور الثانوية. طبعا الأمور الخارجية لم تعد مثل تلك الأيام أي اننا في هذه الأيام لسنا أمام موضوع بناء هيكل ضخم لله في مكان معين من دنيانا هذه. فتلك الأيام التي عاش فيها حجي النبي وغيره من الأنبياء الذين تركوا لنا كتبهم – تلك الأيام كانت أيام النظام القديم، أيام ما قبل المسيح. كان الهيكل جزءا لا يتجزأ من نظام العهد القديم حيث تطلبت تلك الأيام وجود هيكل مقدس مركزي لعبادة الله في قلب الأرض المقدسة. أما نحن فانما نعيش في ظل النظام الجديد أي أيام ما بعد المسيح ولم يعد هناك سبب لوجود هيكل أرضي في مكان ما حيث تقام الذبائح والمراسيم الأخرى التي كانت قد وردت في شريعة موسى.
في أيامنا هذه جماعة الإيمان تشكل مبدئيا هيكل الله الحي – الهيكل المبني لا من حجارة بل من بشر متحررين من استعمار الخطية وطغيان الشر. أن كنا بالحقيقة مهتمين بالله فإن حياتنا تكون دائرة على محور وحيه المقدس. ولكننا عندما ننسى الأمور الأولية ونهبط في حمأة المادية تصبح حياتنا بأسرها محرومة من بركة الله تعالى. وهذا ما كان قد حدث لسكان البلاد المقدسة في أيام النبي حجي لنقتبس من جديد من الفصل الأول من نبوته"6زَرَعْتُمْ كثيراً وَدَخَّلْتُمْ قليلاً. تَأْكُلُونَ وَلَيْسَ إلى الشَّبَعِ. تَشْرَبُونَ وَلاَ تَرْوُونَ. تَكْتَسُونَ وَلاَ تَدْفَأونَ. وَالآخِذُ أُجْرَةً يَأْخُذُ أُجْرَةً لِكِيسٍ مَنْقُوبٍ"
يا لها من حالة محزنة حالة أولئك الذين جعلوا من الأمور الثانوية الأمور الأولية في الحياة! لقد خسروا بركة الله وإذ ذاك خسروا كل شيء حتى الأمور المادية التي لها أهمية (نسبية). في حياة بني البشر. من المستحيل نيل بركة الله أن كنا نهمله ونهمل أموره باعطائها المرتبة الثانية في الحياة! هذا هو الدرس الأول الذي نتعلمه من رسالة حجي النبي.
2. التوبة تجلب رضى الله:
سمع العظماء وعامة الشعب رسالة حجي النبي فما كان منهم الا وأن تابوا عن غيهم وأعطوا الأولية لله ولملكوته المقدس. فجاءتهم بواسطة النبي رسالة ثانية من الله"أنا معكم يقول الرب" يا لها من كلمات عذبة وسامية. أنا معكم يقول الرب! هذه أعظم رسالة يستلمها إنسان أو جماعة من الناس! وقد سمعوا هذه الرسالة الإلهية بعد أن كانوا قد قبلوا رسالة النبي الأولى التي وبختهم وأنبتهم نظرا لموقفهم الشائن تجاه اعادة بناء هيكل الله في القدس! وهكذا نقرأ أن الجميع جاؤوا وعملوا الشغل في بيت رب الجنود إلههم في اليوم الرابع والعشرين من الشهر السادس في السنة الثانية لداريوس الملك. وبعبارة أخرى ظهرت توبة معاصري حجي النبي في أعمالهم وتصرفاتهم.
في عصرنا هذا – عصر الخوف والتردد والضياع والهجرة الروحية – قوى الحرب واللا معنى تهدد كل شيء – في عصرنا هذا الذي لم تهمل فيه أمور الله فقط بل صار تعالى ينكر من قبل العديدين – في عصرنا هذا حيث ظهرت عند الكثيرين رغبة جامحة لبناء عالم بدون الله – علينا نحن ابناء القسم الأخير من القرن العشرين أن نذكر الدرس الهام من رسالة حجي النبي: التوبة، والتوبة فقط تجلب رضى الله.
وقد مضت أكثر من 2500 سنة منذ أيام حجي. والهيكل الذي أعيد ترميمه والذي بقي حتى أيام السيد المسيح والذي صار من أفخم بنايات العالم دمر بصورة تامة ونهائية في العام 70 بعد الميلاد. ممالك وامبراطوريات ظهرت واندثرت. والتاريخ بأسره يرينا حطام جميع القوى المناوئة لله ولملكوته. يا ترى هل نتعظ نحن سكان وأهل القرن العشرين؟ هل نود الإيمان بمن جاء ليكون منقذ ومحرر العالم، أي السيد المسيح يسوع؟ ومن الجدير بالذكر أن أحد ألقاب السيد المسيح الذي منح له من قبل الله كان عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. في المسيح جاء الله الينا وصار معنا ومتى التجأنا اليه ووثقنا به وسرنا في طريقه المستقيم فأننا نمنح القوة والشجاعة لمجابهة سائر القوى التي تهدد حياتنا في هذه الأيام.
نعم نحن لا نستطيع انكار حاجات الإنسان المعاصر من قوت إلى مسكن إلى عمل إلى حرية إلى كرامة ولا نستطيع انكار حاجات المجتمعات البشرية إلى كل ما تتوق اليه النفس ولكنه يجدر بنا أن نذكر أهمية وضع الأمور الهامة في مرتبتها الأولى. متى تبنا إلى الله وصرنا من العاملين بكلمته المقدسة واختبرنا قوة المسيح التحريرية في حياتنا – إذ ذاك تنهمر علينا بركات الله وخيراته ونعمه الزمنية منها والروحية. ولكننا أن سرنا وراء انبياء اخر زمان ونسينا الله وانكرناه واحتقرنا وحيه فإن نهايتنا كأفراد وكجماعات لن تكون سوى نهاية محزنة للغاية. ليساعدنا الله جميعا لنقوم باختيار طريقه المستقيم، آمين.
ديمومة ملكوت الله
"1فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّيِ النَّبِيِّ: 2[قُلْ لِزَرُبَّابِلَ بْنَ شَأَلْتِئيلَ وَالِي يَهوذَا وَيَهوشَعَ بْنِ يَهوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ: 3مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ الَّذِي رَأي هَذَا الْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ الأول؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ الآنَ؟ أَمَا هو فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ! 4فَ الآن تَشَدَّدْ يا زَرُبَّابِلُ يَقُولُ الرَّبُّ وَتَشَدَّدْ يا يَهوشَعُ بْنُ يَهوصَادَاقَ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ وَتَشَدَّدُوا يا جَمِيعَ شَعْبِ الأرض يَقُولُ الرَّبُّ وَاعْمَلُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5حَسَبَ الْكَلاَمِ الَّذِي عَاهَدْتُكُمْ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ وَرُوحِي قَائم فِي وَسَطِكُمْ. لاَ تَخَافُوا. 6لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هِيَ مَرَّةٌ (بَعْدَ قَلِيلٍ). فَأُزَلْزِلُ السماواتِ وَالأرض وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ 7وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهي كُلِّ الأُمَمِ فَأَمْلأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 8لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 9مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الأخير يَكُونُ أعظم مِنْ مَجْدِ الأول قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ]. 10فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّيِ النَّبِيِّ: 11[هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اسْأَلِ الْكَهَنَةَ عَنِ الشَّرِيعَةِ: 12إِنْ حَمَلَ إنسان لَحْماً مُقَدَّساً فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ وَمَسَّ بِطَرَفِهِ خُبْزاً أوطَبِيخاً أوخَمْراً أوزَيْتاً أوطَعَاماً مَا فَهَلْ يَتَقَدَّسُ؟] فَأَجَابَ الْكَهَنَةُ: [لاَ]. 13فَقَالَ حَجَّي: [إِنْ كَانَ الْمُنَجَّسُ بِمَيِّتٍ يَمَسُّ شَيْئا مِنْ هَذِهِ فَهَلْ يَتَنَجَّسُ؟] فَأَجَابَ الْكَهَنَةُ: [يَتَنَجَّسُ]. 14فَقَالَ حَجَّي: [هَكَذَا هَذَا الشَّعْبُ وَهَكَذَا هَذِهِ الأُمَّةُ قُدَّامِي يَقُولُ الرَّبُّ وَهَكَذَا كُلُّ عَمَلِ أَيْدِيهِمْ وَمَا يُقَرِّبُونَهُ هُنَاكَ. هو نَجِسٌ. 15وَ الآن فَاجْعَلُوا قَلْبَكُمْ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَرَاجِعاً قَبْلَ وَضْعِ حَجَرٍ عَلَى حَجَرٍ فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ. 16مُذْ تِلْكَ الأيام كَانَ أَحَدُكُمْ يَأْتِي إلى عَرَمَةِ عِشْرِينَ فَكَانَتْ عَشَرَةً. أَتَى إلى حَوْضِ الْمِعْصَرَةِ لِيَغْرُفَ خَمْسِينَ فُورَةً فَكَانَتْ عِشْرِينَ. 17قَدْ ضَرَبْتُكُمْ بِاللَّفْحِ وَبِالْيَرَقَانِ وَبِالْبَرَدِ فِي كُلِّ عَمَلِ أَيْدِيكُمْ وَمَا رَجَعْتُمْ إِلَيَّ يَقُولُ الرَّبُّ! 18فَاجْعَلُوا قَلْبَكُمْ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَصَاعِداً مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ تَأَسَّسَ هَيْكَلُ الرَّبِّ اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ. 19هَلِ الْبَذْرُ فِي الأَهْرَاءِ بَعْدُ؟ وَالْكَرْمُ وَالتِّينُ وَالرُّمَّانُ وَالزَّيْتُونُ لَمْ يَحْمِلْ بَعْدُ. فَمِنْ هَذَا الْيَوْمِ أُبَارِكُ]. 20وَصَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ ثَانِيَةً إلى حَجَّي فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ: 21قُلْ لِزَرُبَّابِلَ وَالِي يَهوذَا: [إِنِّي أُزَلْزِلُ السماواتِ وَالأرض 22وَأَقْلِبُ كُرْسِيَّ الْمَمَالِكِ وَأُبِيدُ قُوَّةَ مَمَالِكِ الأُمَمِ وَأَقْلِبُ الْمَرْكَبَاتِ وَالرَّاكِبِينَ فِيهَا وَيَنْحَطُّ الْخَيْلُ وَرَاكِبُوهَا كُلٌّ مِنْهَا بِسَيْفِ أَخِيهِ. 23فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ آخُذُكَ يا زَرُبَّابِلُ عَبْدِي ابن شَأَلْتِئيلَ يَقُولُ الرَّبُّ وَأَجْعَلُكَ كَخَاتِمٍ لأَنِّي قَدِ اخْتَرْتُكَ]. يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ"
نبوة حجي الفصل 2: 1-8 و20- 23
ما أعجبها هذه البشرية! تاريخها حافل بالأعمال الخالدة والمآثر العظيمة وفي نفس الوقت هناك الأمور العديدة المحزنة والمخجلة في تاريخها! من الصعب جدا وصف التاريخ بكلمة واحدة لأن تاريخ البشرية معقد، انه عبارة عن بزوغ نجم وأفوله، قيام حضارة وسقوطها. لكن العامل الواحد غير المتغير وغير المتقلب هو: ملكوت الله يسيطر الله على كل شيء وملكوته ملكوت أبدي عام وشامل وان لم يظهر ذلك للعيان. ملكوت الله ثابت غير متقلقل، ملكوته دائم لا يعلم الانحطاط ولا الاندثار.
وما اتينا على ذكره انما يشكل الدرس الثاني الذي نتعلمه من نبوة حجي النبي. وكان قد أرسل الله نبيه حجي ليوبخ الشعب على إهمالهم لبيت الله بينما كانوا قد بنوا بيوتهم وجاهدوا في سبيل الحصول على مستوى عال لمعيشتهم.
عاد الناس إلى الاهتمام بموضوع ترميم هيكل سليمان ولما أتموا جزءا كبيرا من عملهم لاحظوا أن الهيكل المرمم لم يكن يضاهي الهيكل الأول في عظمته. وأخذ الشك يدب في قلوبهم ولم يعرفوا فيما اذا كانوا بالحقيقة قد أرضوا الله واخذوا يتساءلون في قلوبهم فيما اذا كان ملكوت الله قد أصيب بنكسة لا شفاء منها. وإذ ذاك جاءهم نبي الله حجي بهذه الرسالة من الله:
" .. 3مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ الَّذِي رَأي هَذَا الْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ الأول؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ الآنَ؟ أَمَا هو فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ! 4فَ الآن تَشَدَّدْ يا زَرُبَّابِلُ يَقُولُ الرَّبُّ وَتَشَدَّدْ يا يَهوشَعُ بْنُ يَهوصَادَاقَ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ وَتَشَدَّدُوا يا جَمِيعَ شَعْبِ الأرض يَقُولُ الرَّبُّ وَاعْمَلُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5حَسَبَ الْكَلاَمِ الَّذِي عَاهَدْتُكُمْ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ وَرُوحِي قَائم فِي وَسَطِكُمْ. لاَ تَخَافُوا. 6لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هِيَ مَرَّةٌ (بَعْدَ قَلِيلٍ). فَأُزَلْزِلُ السماواتِ وَالأرض وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ 7وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهي كُلِّ الأُمَمِ فَأَمْلأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 8لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 9مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الأخير يَكُونُ أعظم مِنْ مَجْدِ الأول قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ"
من ناحية لم يكن الهيكل الثاني (أي الهيكل الذي كان يعاد بناؤه في أيام سيطرة الفرس على البلاد المقدسة وجوارها). لم يكن ذلك الهيكل ليضاهي هيكل سليمان. ومع أن الفرس كانوا قد أعطوا العائدين الصلاحية لبناء الهيكل من جديد الا أن صعوبات عديدة برزت إلى الوجود وحدثت مخاصمات كثيرة بين العائدين وبين جيرانهم السامريين كما نعلم من قراءتنا للتاريخ المقدس الوارد في الكتاب. مع كثرة المشقات والصعوبات والضيقات التي كانت ستنهمر عليهم كان عليهم أن يتذكروا كلمة الرب: لا تخافوا! لا تخافوا لأن مشروعكم هو مشروع الله واعادة بناء الهيكل كانت تتم بناء على أمر إلهي. فالهيكل كان رمزا لملكوت الله في العالم وكان المكان المعين من قبل الله للعبادة الطقسية المنصوص عنها في شريعة موسى كليم الله. ما قام به العائدون من بناء وترميم لم يكن اذن ذات صبغة محلية بل ذات أهمية كبرى لأنهم كانوا يعملون في سبيل ملكوت الله الدائم غير المتزعزع.
قال الله بواسطة نبيه حجي: لا تخافوا! هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة وأزلزل كل الأمم! كل شيء كان سيتزعزع! الممالك والامبراطوريات، لن يدوم نظام بشرى واحد ولا يكون هناك ديمومة الا لملكوت الله!
وقد تمت النبوات بحذافيرها أي نبوات حجي وغيره من أنبياء الله في أيام النظام القديم. بعد الفرس جاءت مملكة الاسكندر ذى القرنين. وبعد موت هذا الأخير انقسمت مملكته إلى عدة أقسام أهمها مملكة السلوقيين في سورية ومملكة البطالسة في مصر وبعد هذه جاءت امبراطورية رومية وبعد ذلك سقطت رومية واتت مكانها عدة انظمة وممالك وامبراطوريات. وكل نظام بشري ظهر أولاً وكأنه كان سيدوم إلى الابد ولكنه لم يدم بل انهار في النهاية. ليست هناك ديمومة سوى لملكوت الله.
لم يقتصر الله على الكلام عن زعزعة الأمم والممالك البشرية بل قال أيضاً"وَيَأْتِي مُشْتَهي كُلِّ الأُمَمِ فَأَمْلأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 8لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 9مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الأخير يَكُونُ أعظم مِنْ مَجْدِ الأول قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ"هذه نبوات سارة ومفرحة للغاية! يا ترى إلى من كانت هذه النبوات تشير وهل تحققت ومتى وأين؟
أشارت نبوات حجي وغيره من انبياء النظام القديم، أشارت إلى مسيح الله المخلص العظيم والذي كان سيأتي من نسل داود! وزربابل هذا الذي كان من معاصري حجي النبي والذي كان الفرس قد عينوه واليا على القسم الجنوبي من البلاد المقدسة كان زربابل من نسل داود!
ومضت الأيام والسنون بعد حجي وغيره من الأنبياء وبعد نحو400 سنة ولد المسيح في مدينة بيت لحم بالقرب من القدس من مريم العذراء! وبمجيئه إلى دنيانا هذه ظهر ملكوت الله بصورة جلية أكثر من أي وقت مضى. لم يكن ملكوت المسيح ملكوتا أرضيا ولم يعتمد على الحرب أو البطش أو القوة المادية. كان ملكوت المسيح ملكوت محبة وتواضع ومغفرة ولذلك فانه كان ملكوت سلام ووئام. جاء المسيح ونادى بتعاليم ملكوت الله وعلم كيف كانت البشرية ستضحي فيما اذا آمن الناس به واتكلوا عليه للخلاص والانعتاق والحرية.
لكن المسيح لم يضع أسس الملكوت في عهده الجديد والنهائي بواسطة تعاليمه فقط، فالمسيح جاء إلى دنيانا هذه لحل مشكلة المشكلات أي مشكلة خطية الإنسان والميل الدائم نحو الشر. ولذلك نرى المسيح يتعذب ويتألم وهو الطاهر ويذهب في النهاية إلى صليب خشبي حيث صلب خارج أسوار مدينة القدس. مات المسيح حاملا على جسده خطايانا ولكنه لم يبق في أسر الموت بل قام منتصرا ووعد كل من يؤمن به بأن تكون له مغفرة الخطايا والمواطنية في ملكوت الله الأبدي.
كيف ينتسب الإنسان إلى هذا الملكوت الدائم؟ بواسطة الإيمان بمن جاء وحقق نبوة حجي وغيره من الأنبياء في أيام النظام القديم. وهذا الإيمان الذي يتطلبه المسيح ليس عبارة عن مجرد اعتقاد أو معتقد عقلي بأن المسيح جاء وعمل خلاص البشرية. الإيمان الخلاصي الذي يهب الإنسان المغفرة من الذنوب والعضوية في الملكوت السماوي هو عبارة عن استسلام للفادي والمخلص والمحرر. انه ذلك الإيمان الذي يجعل من الإنسان يسير بكل فرح وسرور في موكب المسيح. انه ذلك الإيمان الذي يجعل من صاحبه سفيرا للمصالحة: المصالحة بين الله والإنسان وبين الإنسان وقرينه الإنسان.
عالمنا اليوم بحاجة ماسة إلى الاعتراف بأهمية ملكوت الله. هذا لا يعني اننا أن قمنا بذلك نضحي عائشين في الهواء أو اننا لا نعود نكترث بأمور هذه الدنيا ومشاكلها واتعابها. على العكس من ذلك، أن من صار مواطنا في ملكوت الله يكون أكثر اخلاصا وأكثر محبة وأكثر تفانيا في مواطنيته لوطنه الزمني والأرضي حيثما وضعه الله. المؤمن هو إنسان يعمل، لا لصالح ذاته، بل لخير الآخرين. المؤمن العائش الآن في ظل النظام الجديد يعلم انه حجرة حية من حجارة هيكل الله المقدس ذلك الهيكل الذي ليس هو في القدس ولا في مكان آخر معين بل هو في كل مكان وفي كل زمان حيثما عاش فيه المؤمنون والمؤمناًت وعملوا بقوانين الله. وفي هذا الهيكل الجديد المبني لا من حجارة صماء بل من نفوس بشرية متحررة ومتجددة – في هذا الهيكل تتحقق نبوة حجي"9مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الأخير يَكُونُ أعظم مِنْ مَجْدِ الأول"
البيت الأول الذي بناه سليمان والذي أعيد بناؤه في أيام حجي النبي والذي صار فخما للغاية في أيام المسيح ذهب مع التاريخ ولم يبق ولن يبنى! نعم كان ذلك الهيكل عظيما وفخما الا انه كان جزءا من نظام تحضيرى مؤقت.. وعندما جاء المسيح جاء الكامل ولم تعد العضوية في ملكوت الله محصورة في شعب معين أوجنس واحد بل صارت عامة وشاملة وإذ تمم المسيح مراسيم وطقوس وذبائح الهيكل في حياته وموته وقيامته من الأموات فانه يبني اليوم هيكلا عظيما: هيكل جماعة الإيمان، الهيكل العظيم بل الهيكل الأعظم، لأنه هيكل بشرى اساسه الإيمان والرجاء والمحبة. هل انت حجر حي في هيكل الله؟ آمن المسيح وانضم إلى جماعة الإيمان المتمتعة بديمومة ملكوت الله الأبدي، آمين.
- عدد الزيارات: 3597