الاعتقاد بتحريف الكتاب المقدس
هل الكتاب المقدس محرَّفٌ؟ تنتشر بين المسلمين عامة فكرة أن الكتاب المقدس قد وقع عليه التحريف والتبديل. ولكننا في هذا العرض الموجز سنقدم لك أدلة مقنعة وإثباتات دامغة وبَيِّنات واضحة وقياسات لا تدحض ولا تقبل الجدل على صحة الكتاب المقدس. وكل هذه لنُؤَكِّد لك أنه من المستحيل للكتاب المقدس أن يكون قد حُرِّف أو تغيَّر. وأول سؤال يخطر على بالك كمسلم يعقل هو: إن كان قد حصل تغيير في الكتاب المقدس، فهل حدث ذلك التغيير قبل أيام النبي العربي أم بعدها؟
1- من طبيعة الحال لا يمكن أن يكون الكتاب المقدس قد تعرض للتحريف قبل أيام محمد وإلا لتهجم محمد عليه وكتب عن تغييره في القرآن ليوصي المسلمين ويحذِّر العالم أجمع كي لا يقرأوا كتاباً قد تحرَّف. ولكن محمد أكرم الكتاب المقدس وشدد على انه كتاب الله المعطى لبني البشر كنور وهدى ورحمة للعالمين، وأن رسالته هو جاءت لتصادق على التوراة والإنجيل، لذلك حثّهم في القرآن على قراءته قائلاً:"قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل".
2- وإن كنت تعتقد أن الإنجيل قد تبدل بعد عهد محمد فاسأل نفسك هذا السؤال: "إن كانت المسيحية قد انتشرت في أنحاء المسكونة قبل محمد وكانت متعددة الطوائف والملل، لصالح أي من الطوائف قد حُرِّف الكتاب المقدس؟ أكان التحريف لصالح الكاثوليك أم الأرثوذكس أم لصالح إحدى الطوائف المستقلة؟ وهل كانت الطوائف المختلفة ترضى أن يتحرف الكتاب المقدس لصالح طائفة معينة دون الطوائف الأخرى؟"
3- وهل من المعقول أن يحدث أي تواطؤ بين الملل المسيحية المتعددة والتي تناظر بعضها بعضاً والمنتشرة في أنحاء العالم على تغيير كتابهم الذي يحثهم على الصدق والحق والأمانة؟ وكيف بإمكانهم أن يحرِّفوه في حين أن إنذار الله فيه واضح جداً: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة"(الرؤيا 18:21-19). وبما أن الله وعد أن السماء والأرض تزولان قبلما يمس أحد كتابه المقدس بتغيير أو تحريف فهو قد صدق بوعده وحفظ كتابه لأنه لو استطاع أحد أن يحرفه لحرفته الكنائس التقليدية وحذفت منه على الأقل الآية التي تقول: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك..."(خروج 4:20-5). ولكن تلك الكنائس والطوائف التقليدية مع عظمتها وسلطانها لم تستطع أن تحذف تلك الآية أو أية كلمة من كتاب الله.
4- وهل من المعقول أن ترضى الطوائف اليهودية بتغيير التوراة لصالح المسيحية؟ لا ينبغي أن يفوتك بأن اليهود في تلك الأجيال كانوا واقفين بالمرصاد للمسيحيين وكانوا مستعدين أن يشينوا عليهم لو أقدموا على أي تحريف أو تبديل في الكتاب المقدس ولا سيَّما أن اليهود كانوا متمسكين بتوراتهم يغارون عليها غيرة شديدة لدرجة أنهم في حرصهم على كتابهم كانوا يعرفون عدد كلماته وعدد حروفه حتى ضُرب المثل بموقفهم وحرصهم، لذلك كان من المتعذر جداً أن يحُرَّف.
5- إن كان الكتاب المقدس قد أصابه التغيير فلماذا لم يستطع المعترضون أن يقدموا لائحة بالآيات التي تغيرت ولائحة بأصلها وتعليلاً للغاية من وراء تغييرها؟ لقد كان الكتاب المقدس متيسِّراً في زمان محمد ومنتشراً بين القبائل المسيحية في ذلك الوقت كقبائل حِمْـيَر وغسان وربيعة وأهل نجران والحيرة وغيرها... كما كان بين يدي محمد ليقرأه كما قرأه الذين جاءوا قبله (يونس 37) فلو حدث حقا أي تغيير في الكتاب المقدس لحفظ المسلمون الأصل ليثبتوا التحريف الواقع.
6- لقد كانت نِسَخُ الكتاب المقدس في القرن السابع بعد الميلاد تُعد بالآلاف باللغات الأصلية والترجمات المختلفة منتشرة بين أيدي الطوائف المسيحية وغير المسيحية في كل بلد وأمة. ولم توجد قوة عسكرية أو سلطة مدنية أو نفوذ ديني أو سلطات حكومية لها سلطان قانوني أو حتى حق شرعي يستطيع أن يمتد إلى جميع الأنحاء التي وُجدت فيها نسخ الكتاب المقدس لكي تجمعها وتحرفها. فعملية جمع آلاف النسخ من كل أقاصي الأرض كانت ولا تزال من رابع المستحيلات. كما أن عدداً كبيراً من نسخ الكتاب المقدس في اللغات الأصلية والترجمات المختلفة، منها ما نُقل قبل القرن السابع ومنها ما نُقل بعده، لا يزال محفوظاً في عدد من المتاحف الكبرى. ولا عجب أن كل تلك النسخ توافق بعضها البعض موافقة كلية. ولا يفوتنك أن الكتاب المقدس وحده يتميَّز عن جميع الكتب المكتوبة بأن مخططاته الموجودة في المتاحف العامة والخاصة هي أقدم المخطوطات في العالم. لذلك كل من يقول أن الكتاب المقدس قد حُرِّف فهو ينكر الحقيقة والواقع.
7- وقد دافع الفخر الرازي، أحد مشاهير أئمة الإسلام ببسالة عن صحة الكتاب المقدس وسلامة نصِّه. فقال في الجزء الثالث من كتابه وعلى الصفحة 327: "كيف يمكن التحريف في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهورة في الشرق والغرب؟... وكيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس؟... إن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى تغيير اللفظ. فكل عاقل يرى أن تغيير الكتاب المقدس كان متعذراً لأنه كان متداولاً بين أناس كثيرين مختلفي الملل والنحل. فكان في أيدي اليهود الذين كانوا مشتتين في أنحاء الدنيا. بل كان منتشراً بين المسيحيين في أقاصي الأرض". وهكذا نرى بحسب المنطق السليم وشهادة إمام أئمة الإسلام أن تحريف الكتاب المقدس أو تبديل أي جزء منه كان أمراً مستحيلاً.
8- يشهد القرآن في عشرات من آياته لصحة التوراة والإنجيل ولكننا لضيق المجال سنقتبس منها الآيات التالية: "...وعندهم التوراة فيها حكم الله... إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيّون... وأتيناه الإنجيل فيه هدىً ونورٌ ومصدِّقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين... وأنزل التوراة والإنجيل من قَبْلُ هدىً للناس"(المائدة 46-49 وآل عمران 3). ويستمر القرآن في تبجيله للكتاب المقدس إذ يؤكد للمسلمين على حقيقة استحالة تحوير وتغيير ذلك الكتاب العظيم، قال:"ولا مبدِّلَ لكلمات الله"(الإنعام 34 و115، يونس 65، الكهف 26)."ولن تجد لسُنَّة الله تبديلا"(الفتح 23). ثم يشدد القرآن على أن الكتاب المقدس وحده هو الذكر (الأنبياء 7 و 48 و 105) ثم يُضيف قائلا:"إنَّا نحن نزَّلنا الذكر وإنّا له لحافظون"(الحجر 9). إن كان الله يشدد على أنه هو نفسه الذي أوحى بالذكر وانه هو"حافظه" فكيف يتجرأ الإنسان، مسلماً كان أم مسيحياً اسمياً على أن يكذِّب الله عزّ وجلّ ويتهمه بأنه لم يكن قادراً على أن يحفظ كلمته من التغيير والتبديل؟ يا لها من وقاحة يتصف بها الإنسان! وكيف ينتقد الإنسان كلمة الله الحية ويلطم الله جلّ جلاله بتهم وأكاذيب مغرضة؟ وكيف سيكون موقف إنسان كهذا أمام الله عند يوم الدينونة؟ سيكون مخيفاً جداً الوقوع في يد الله. اسمع يا صديقي، عندما تتهجم على الكتاب المقدس فأنت لا تتهجم على المسيحيين أو على طوائفهم بل على الله نفسه، لأنه كتاب الله. وهكذا تتحد مع الشيطان الرجيم في محاولة مشينة ضد كلمة الله: وما هذا إلا تواطؤ تآمري ضد كتاب الله. لا تنسَ أن الشيطان وجد عملاء له في كل عصر وجيل يتواطؤون معه في محاولته الشنيعة لتلطيخ وتشويه سمعة الكتاب المقدس بكل ضروب الاتهامات والافتراءات: ولكن علينا أن نعلم بأن الله قد وعد في كلمته وعداً أبدياً لا مشروطاً بأن السماء والأرض تزولان ولكن كلمته لا تزول بل تبقى إلى الأبد (متى 35:24 ولوقا 17:16). إن التهجم على الكتاب المقدس هو تهجم شخصي على ذات الله، وهذا عمل الشيطان الرجيم. وما انتقاد الناس للكتاب المقدس إلا تواطؤ لكي يحجزوا الحق بالإثم ويستبدلوا حق الله بالكذب. أولئك الذين يصرُّون على انتقاد كلمة الله زاعمين أنهم حكماء ليسوا إلا عملاء جهلاء مُضَلِّين ومُضِلِّين، واعدين الناس بالحرية، وهم أنفسهم عبيد الفساد، الذين لم يستحسنوا أن يقبلوا صحة الكتاب المقدس رغم كل الأدلة المقنعة والإثباتات الدامغة والبيانات الواضحة والقياسات التي لا تُدحض، بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي، لذلك أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض، وسريعا سيأتي اليوم الذي سيقفون فيه أمام عرش الديَّان ويقعون تحت حكم الله حيث يعانون من غضبه المخيف. وهكذا ينالون جزاء ضلالهم المحق (رومية 1)."وويل للكافرين من عذاب شديد"(إبراهيم 2). فلا نذعنن للشيطان ولا ينبغي أن نتواطأ معه بل لنؤمنَن بكلمة الله لئلا نقع في شباك المغضوب عليهم.
- عدد الزيارات: 3652