Skip to main content

أين تقع جنة عدن؟

إلى الصديق العزيز

- في الواقع، لا توجد أدلة ثابتة تشير بوضوح إلى مكان "جنة عدن" بالنسبة للجغرافية الحديثة، لذلك تعددت الآراء حول هذا الموضوع. وما يدعو إلى الدهشة، إن سكان بلدان مختلفة يدّعون أن بلدهم هو جنة عدن وأن الله خلق آدم وحواء في بلدهم، ربما لاعتقادهم أن بلدهم هو أجمل مكان في الدنيا في نظرهم. فعلى سبيل المثال، يدّعي بعض الأفارقة (سكان أفريقيا) أن مكان جنة عدن هو في أفريقيا، في منطقة قريبة من خط الاستواء بين كينيا وتنـزانيا، ويدّعي الأثيوبيون أنها في بلاد الحبشة، والعدنيون أنها في عدن، في جنوب الجزيرة العربية، والهنود الحمر أنها في أمريكا الشمالية قرب جبال كولورادو المرتفعة جداً والقريبة من السماء، على حدّ زعمهم، اللبنانيون أنها في لبنان، وبالتحديد في بلدة إهدن، التي تطوّر اسمها من عدن إلى إهدان و العراقيون في العراق، الخ. وأمام هذه الادّعاءات تصعب البراهين القاطعة، إذ أن الادعاءات هي مجرد تكهنات لا ترتكز إلى الواقع. والجدير بالذكر أن كلمة "عَدْن"، هي كلمة عبرية معناها بهجة، فجنة عدن هي "جنة البهجة" أو "جنة السرور".

إن قصة خلق آدم وحواء في جنة عدن مذكورة في الكتاب المقدس، فهل أن هناك أدلة تشير إلى مكانها الحقيقي؟

إن ما يذكره الكتاب المقدس عن جنة عدن قليل جداً، ولا يحدد الموقع الجغرافي بالنسبة للجغرافية الحديثة، وإنما هناك وصف جزئي لها، يمكن أن يعطينا إلى حدٍّ ما فكرة تقريبية عن موقع ذلك المكان، وهذا طبعاً يدحض بعض الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة.

يقول الكتاب المقدس عن مكان جنة عدن في قصة الخليقة الواردة في سفر التكوين من الكتاب المقدس ما يلي: "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية. وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً، ووضع هناك آدم الذي جبله، وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر. وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة، ومن هناك ينقسم، فيصير أربعة رؤوس، اسم الواحد فيشون، وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب، وذهب تلك الأرض جيد، هناك المقل وحجر الجزع، واسم النهر الثاني جيحون، وهو المحيط بجميع أرض كوش. واسم النهر الثالث حداقل وهو الجاري شرقي أشور. والنهر الرابع الفرات وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تكوين 2:7-16).

بعد قراءة هذه الأعداد من قصة الخليقة الواردة في الكتاب المقدس، يتضح لنا على الأقل الموقع التقريبي لمكان جنة عدن، وذلك من أسماء الأنهار والبلدان التي وردت في القراءة. وعلى هذا الأساس نستطيع القول إن الأساطير التي تشير إلى مكان جنة عدن لا تمتّ إلى الواقع بصلة، فهو ليس في أمريكا الشمالية، ولا في أفريقيا، وإنما في آسيا، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للجغرافية الحديثة.

وكيف نعرف ذلك؟

نستطيع أن نعرف موقف جنة عدن التقريبي من أسماء الأنهار المذكورة في الكتاب المقدس، وأسماء بعض البلدان التي وردت في الآيات السابقة.

الأنهار والمواقع

لقد وردت أسماء الأنهار ومواقع بعضها. أولاً نهر فيشون، وهو المحيط بجميع أرض الحويلة، الثاني جيحون، وهو المحيط لجميع أرض كوش. واسم النهر الثالث حداقل وهو الجاري شرقي أشور، والنهر الرابع الفرات. وبعض هذه الأنهار والمناطق معروف واالبعض الآخر غير معروف، لذلك لنبدأ بتحديد الأسماء. إن نهري فيشون وجيحون غير معروفين حديثاً ويُعتقد أنهما من الأنهار المنقرضة، أما نهرا حداقل والفرات فيُعتقد أنهما نهرا دجلة والفرات المعروفان حتى اليوم.

هل يمكننا معرفة المواقع المذكورة التي تحيط بها الأنهر الموجودة في جنة عدن؟

أولاً : إن نهر فيشون يحيط بأرض الحويلة، والحويلة مكان في وسط البلاد العربية، ويرجح البعض أن القسم الغربي من بلاد العرب شمالي اليمن.

ثانياً: نهر جيحون بأرض كوش، وأن اسم "كوش" يُطلق على بكر حام بن نوح، وهذا الإسم يُطلق أيضاً على سلالة كوش التي تؤلف شعوباً متعددة سكنت في أواسط وجنوب البلاد العربية، وبعض الشواطئ الأفريقية المجاورة. ويُشار في أكثر الأحيان إلى أن أرض كوش هي بلاد الحبشة. ولكن يُقال إنه من المستبعد أن تكون جنة عدن في بلاد الحبشة، لأن أرض كوش المذكورة في قصة الخليقة كان يسقيها نهر الفرات، الموجود في بلاد ما بين النهرين.

ثالثاً: نهر حداقل شرقي أشور. والمعروف أن بلاد أشور سميّت كذلك نسبة إلى سلالة سام، الابن الثاني لنوح، وهو يتشير إلى بلاد ما بين النهرين والمنطقة المحيطة بها.

وهل أسماء البلدان والأنهر المحيطة بما يمكن أن تعطينا فكرة لمعرفة الموقع الجغرافي التقريبي لمكان جنة عدن التي خلق الله فيها آدم وحواء. فما هو رأي الجغرافيين وعلماء اللاهوت في بهذا الموضوع؟

بالرجوع إلى قاموس الكتاب المقدس، نلاحظ أن موقع جنة عدن غير معروف تماماً، وهذا رأي معظم الجغرافيين وعلماء اللاهوت. ولكن بعضهم يعتبر أن بلاد أرمينيا هي مكان جنة عدن، لأن نهري الدجلة والفرات ينبعان منها. وهناك من يعتقد أن نهر عدن، الوارد ذكره في الكتاب المقدس والذي تفرّع إلى اربعة رؤوس، ما هو إلا نهر الفرات، ودجلة الذي يصبّ في شط العرب في الخليج العربي منقسماً على نفسه إلى عدة فروع. فجنة عدن بحسب بأي بعض الجغرافيين واللاهوتيين، هي القسم الجنوبي من العراق حيث الخصب.

وهل هذا هو الرأي الذي يؤخذ به؟

يُعتقد أنه أقرب الآراء إلى الصواب، لأن فيه الصفات التي وردت في الكتاب المقدس عن عدن، بأنها شرقي فلسطين، فيها دجلة والفرات وأرض كوش التي يقربها. وهي أرض عيلام المعروفة قديماً باسم كاشوا، وأن سهل بابل كان معروفاً قديماً باسم عدنو. وكما ذكر سابقاً أن موقع الحويلة هو جزء من جزيرة العرب الذي يجاور العراق إلى الجنوب الغربي منه.

فالشرح الوارد أنفاً لا يعطينا أدلة قاطعة عن مكان وجود جنة عدن، وإنما هناك آراء وتكهّنات حيث يُعتقد بأن أقرب المواقع إلى الحقيقة هي بلاد ما بين النهرين. وبهذا الصدد نقول، جميل أن يعرف الإنسان مكان جنة عدن الذي خلق الله فيه أبوينا الأولين آدم وحواء، إذا تمكنا من ذلك. ولكن الأجمل هو أن نتأمل والأهم هو أن نتأمل في محبة الله الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله، ووضعه في الجنة، ومنحه جميع خيرات الأرض، لينعم بها لأنه يحبه. ولكن بعد أن سقط آدم الأول في الخطية عندما عصى أوامر الله وطرده الله من الجنة، وعده بإرسال مخلص هو آدم الثاني، أي المسيح، الذي جاء ليخلص الإنسان من الخطية، ويقوده إلى الخلاص والحياة الأبدية.

مع تحيات قاسم ابراهيم

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.

 

  • عدد الزيارات: 28135