Skip to main content

من هم الفريسيون، وما هي عقائدهم؟

إلى الصديق العزيز

الفريسيون هم إحدى الفئات الدينية اليهودية الرئيسية الثلاث التي كانت معروفة عند اليهود وحتى مجيء المسيح. وهذه الفئات الثلاث، هي: الصدوقيون، والأسينيون والفريسيون. وكلمة فريسي بحدّ ذاتها، كلمة آرامية ومعناها "المنعزل" فالفريسيون هم "المنعزلون"، والمعروف عن الفريسيين أنهم أضيق الفئات الدينية اليهودية من ناحية التعليم (أعمال 5:26). وقد عرفوا بهذا الإسم الخاص في عهد يوحنا هركانوس، أحد عظماء أشراف اليهود في القرن الثاني قبل الميلاد. وكان هركانوس من تلامذتهم، ولكنه تركهم فيما بعد والتحق بالصدوقيين. ويسعى ابنه اسكندر ينانوس من بعده إلى إبادتهم. غير أن زوجته ألكساندرة التي خلقته في السلطة سنة 78 قبل الميلاد رعتهم فقوي نفوذهم وأصبحوا قادة اليهود في الأمور الدينية. ولا شك أن الفريسيين في أول عهدهم كانوا من أنبل الناس خلقاً وأتقاهم تديّناً، غير أنه على مرّ الزمن، خجل حزبهم ممن كانت أخلاقهم دون ذلك، إلى أن فسد جهازهم واشتهر معظمهم بالرياء، لدرجة أن يوحنا المعمدان دعاهم "أولاد الأفاعي"، كما وبّخهم السيد المسيح بشدة من أجل ريائهم وادّعائهم القداسة والبرّ واهتمامهم بقشور الدين دون الجوهر، "فإني أقول لكم إنكم إن لم يزد برّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى 20:5). "وقال لهم يسوع انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين" (متى 6:16). "كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين. حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين" (متى 11:16 و12).

وقد وجّه المسيح توبيخه لهم بقوله: "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون. فإنهم يحزمون أحمالاً ثقبلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحرّكوها بإصبعهم. وكل أعمالهم يعملونها لكي ينظرهم الناس. فيعرضون عصائبهم ويعظّمون أهداب ثيابهم. ويجبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع. والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي سيد.. لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدّام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكن أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلة تطيلون صلواتكم. لذلك تأخذون دينونة أعظم. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر لتكسبوا دخيلاً واحداً. ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعفاً.. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشّرون النعنع والشبث والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعلموا هذه ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان الذين يصفعون عن البعوضة ويبلعون الجمل... ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبوراً مبيّضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضاً من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحوون رياءً وإثماً. أيها الحيّات أولاً د الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم" (متى 23). ويشير الإنجيل المقدس الذي يقول: "فخرج الفريسيون للوقت مع الهيرودسيين وتشاوروا عليه لكي يهلكوه" (مرقس 6:3). ويذكر الإنجيل المقدس آيات كثيرة عن معارضة الفريسيين ليسوع نذكر منها ما يلي: "وأما قوم منهم (اليهود) فمضوا إلى الفريسيين وقالوا لهم عما فعل يسوع. فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا ماذانصنع فإن هذا إنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا. فقال لهم واحد منهم. وهو قيافا: كان رئيساً للكهنة في تلك السنة. أنتم لستم تعرفون شيئاً. ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها" (يوحنا 46:11-50).

ما يعتقد الفريسيون:

من حيث العقيدة، كان الفريسيون يؤمنون بالعهد القديم من الكتاب المقدس ويعتقدون بالقدر، ويجمعون بينه وبين إرادة الإنسان الحرة. كما أنهم كانوا يؤمنون بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الملائكة والأرواح" (أعمال 8:23). والثواب والعقاب في الآخرة، بحسب صلاح الحياة الأرضية أو فسادها. كانت عقائدهم ظاهرية وليست قلبية، وقالوا بوجود تقليد سماعي عن موسى تناقله الخلف عن السلف، زعموا أنه معادل للشريعة المكتوبة أو أهم منها. لذلك عندما جاء المسيح، صرّح بأن الإنسان ليس ملزماً بتقاليد الناموس (متى 2:15 و3 و6).

لماذا لقّب يوحنا المعمدان الفريسيين بأولاد الأفاعي؟

عندما كان يوحنا المعمدان، المعروف لدى البعض باسم النبي يحيى بن زكريا يكرز في برية اليهودية قائلاً: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (متى 2:3). جاء إليه جماعة من الفريسيين والصدوقيين بقصد الاستهزاء به وبرسالته، لا سيما وأنهم لم يصدّقوا أن المسيح الذي كان يوحنا يمهّد الطريق له هو المسيا المنتظر. ومن جهة أخرى لم يقبلوا على أنفسهم فكرة الاعتماد والاعتراف بخطاياهم. لأنهم كانوا يعتقدون أنهم مبررون لأنهم من نسل إبراهيم. وهذا كان الاعتقاد السائد عند كافة اليهود. ورغم ذلك كان الفريسيون والصدوقيون يذهبون إلى يوحنا للاعتماد منه. ولكن طلبهم لم يكن ناتجاً عن توبة حقيقية وإنما خوفاً من الغضب الآتي عليهم. ويقول الإنجيل المقدس بهذا الصدد: "فلما رأى كثيرين من الفريسييين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم، يا أولاً د الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا ثماراً تليق بالتوبة، ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتلقى في النار" (متى 7:3-10).

ومعنى ذلك أن يوحنا أراد أن يلفت انتباه الفريسيين عندما جاءوا إليه ليعتمدوا منه، بأن مجرّد الاعتماد بالماء ليس كافياً إذا لم يقترن بالتوبة. وكأنه كان يوجه إليهم هذه الأسئلة: هل تبتم عن خطاياكم؟ أين ثمار توبتكم؟ وكانت نصيحته إليهم: "اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة".

لماذا قال يوحنا لهم: "يا أولاد الأفاعي، أليست هذه إهانة؟

في الواقع أن يوحنا لم يقصد إهانتهم أو التنديد بهم، بقدر ما أراد أن يصفهم على حقيقتهم، لكونهم لم يأتوا للحصول على المعمودية نتيجة إيمانهم، وإنما لاعتقادهم بأن المعمودية قد تبعد غضب الله عنهم، أي الغضب الآتي. إذ أنهم كانوا يعتدّون بأنفسهم معتقدين أن إبراهيم أبا المؤمنين محسوب لهم، وأن إيمان إبراهيم كافٍ لكل نسلهم، وأن اليهودي له رجاء في الحياة الأبدية بسبب إيمانه وبرّه، لا لبرّه هو أو إيمانه الشخصي.

وعلى هذا الأساس، كون الفريسيون مجموعة كبيرة من التعاليم منها أن اليهود لهم نصيب في الحياة الأبدية بسبب إيمان إبراهيم، لذلك نلاحظ أن يوحنا حاول أن يبيّن أنه لا يمكن لهم أن يعيشوا على ذكريات الماضي بأن إبراهيم هو أبوهم، وأن الجيل الفاسد لا تخلّصه حسنات أجداده. لقد صوّر لهم الدينونة بأنها الفأس التي توضع على أصل الشجرة فكل شجرة لا تصنع أثماراً جيدة تُقطع وتلقى في النار، وهذا تشديد على أن كل شخص مسئول أمام الله بالنسبة لإيمانه وأعماله. أما رأي السيد المسيح بالفريسيين فلم يكن يختلف عن رأي يوحنا المعمدان لأن المسيح لاحظ تمسّك الفريسيين بقشور الدين وإهمالهم الجوهر، لذلك حذّرهم بكلمات قاسية "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكون بيوت الأرامل ولعلّة تطيلون صلواتكم، لذلك تأخذون دينونة أعظم" (متى 14:23). وقد لقّبهم المسيح بالجهّال والعميان وشبّههم بالقبور المبيّضة التي تظهر من الخارج جميلة ومن الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة، وأنهم يظهرون للناس أبراراً ولكنهم من الداخل مشحونون رياءً وإثماً (متى 27:23-28). كما لقّبهم المسيح بأولاد الأفاعي وأولاً د إبليس (متى 33:33).

ما هو موقف المسيح من الفريسيين؟

إن وقف المسيح من الفريسيين هو نفس موقفه من أي إنسان خاطئ. لقد جاء المسيح لهداية الناس وخلاصهم وفدائهم، وكان يهمّه طبعاً أن يبتعد الفريسيون عن تديّنهم الزائف، وأن يتوبوا عن خطاياهم ويهتمّوا بجوهر الدين لا بالقشور، ويحيوا حياة الإيمان الحقيقي، وتكون حياتهم مثمرة في الإيمان والأعمال الصالحة، بمعنى أن يعيشوا حسب إرادة الله وتعليمه ووصاياه، وأهم من كل شيء أن يدركوا بأن المسيح هو الإله الذي ظهر في الجسد لأجل خلاص البشر، وإنه هو الطريق والحق والحياة، ولا أحد يأتي إلى الآب إلا به (يوحنا 6:14). ويشير الكتاب المقدس إلى أن الفريسيين كانوا ألدّ أعداء المسيح منذ بداية خدمته الأرضية إلى أن عُلِّق على الصليب.

مع تحيات قاسم ابراهيم 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 29351