Skip to main content

هل الله واحد أم ثلاثة؟

إلى الصديق الكريم

نبدأ بالقول إن المسيحيين يؤمنون "أن الله واحد لا شريك له" غير محدود، يملأ السموات والأرض، خالق الكل، أبدي لا نهاية لملكه. وقد قال المسيح أن أول الوصايا وأهمها هي أن "الرب إلهنا رب واحد" علينا أن نحبه من كل القلب والنفس والقدرة. ثم في "رسالة يعقوب" في العهد الجديد من الكتاب المقدس بالإصحاح رقم2 والآية رقم 19 فسوف تجد نص الآية في أولها: "أنت تؤمن أن الله واحد حسناً تفعل". كما يبدأ نص قانون الإيمان المسيحي "بالحقيقة نؤمن باله واحد". كما تتضح وحدانية الله من أمر المسيح لتلاميذه أن يذهبوا إلى جميع الأمم "ليعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس"، قالها لهم في صيغة المفرد ولم يقل بأسماء في صيغة الجمع. وقد قال رسول المسيحية يوحنا: "الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد". واقرأ أيضاً في الرسالة الأولى ليوحنا بالإصحاح رقم 5 وبالآية رقم7.

ويقول المسيحيون توضيحاً لعقيدة التثليث لمن يجهلها، أن الله موجود بذاته - وهذا ما يطلقون عليه الآب - فلا يمكن أن الله الواحد الذي أوجد الموجودات كلها يكون بلا وجود ذاتي. والقول "آب" هنا لا تعني التوالد التناسلي، بل تعني الأبوة الروحية كقولك أن إبراهيم هو أب المؤمنين. ويقول المسيحيون أن الله الواحد الموجود بذاته هو أيضاً ناطق بكلمته، ويطلقون على ذلك "الابن" و"الكلمة". فلا يمكن أن يكون الله هو الذي خلق الإنسان ناطقاً، يكون هو نفسه غير ناطق بالكلمة. وتلقيب المسيح "بكلمة الله"المأخوذة من كلمة "Logos" التي جاءت في الإنجيل في الأصل اليوناني، وقد استخدمها العلماء اليونانيون القدامى للتعبير عن الكلمة والعقل، ومنها جاءت الكلمة "LOGIS" أي المنطق فالله خلق العالم بكلمته، وهو وكلمته واحد.

ويقول المسيحيون أن الله حي بروحه وهو "الروح القدس". فلا يمكن أن الله الذي خلق الحياة يكون هو نفسه غير حي بروحه، والله وروحه واحد. وهكذا يتحدث المسيحيون عن الله: الله واحد، موجود بذاته، ناطق بكلمته حي بروحه.

إذاً الله واحد، الآب: ذو الوجود الذاتي، الناطق بكلمته: المسيح، الحي بروحه: الروح القدس. وقد انتشرت أفكار خاطئة عن التثليث، قاومتها المسيحية. هناك تثليث خاطيء اسمه "ثالوث المريميين" ظهر في القرن الخامس ميلادي. وأصحاب هذا التثليث من أصل وثني كانوا من قبل يعبدون الزهرة. ويقولون "إنها ملكة السماء". فعندما صاروا مسيحيين نقلوا معهم أفكارهم، وقالوا أن مريم العذراء هي ملكة السماء وأصبحت عقيدتهم أن هناك ثلاثة آلهة: الله ومريم والمسيح. وقد حاربت المسيحية هذا التعليم الخاطيء، ولم ينته القرن السابع الميلادي حتى كان هذا التعليم الخاطيء قد اندثر.

يؤمن المسيحيون بأن الآب والكلمة والروح القدس متساوون في كل شيء بلا فارق وبلا انفصال. الثلاثة متساوون في الأزلية. وهنا يبدو واضحاً الفرق بين الثالوث المسيحي والثالوث الوثني. في التثليث الوثني ليس الثلاثة واحداً، وفي التثليث الوثني توالد تناسلي، وفيه اختلاف في الزمن. فقد مر وقت لم يكن فيه أحد الثلاثة موجوداً. أما في المسيحية فهم واحد، بلا تناسل ولا توالد، وبلا فارق زمني، لأن الله موجود بذاته منذ الأزل، وفيه عقله (الابن) وفيه روحه (الروح القدس). ويؤمن المسيحيون أن الله هو الروح وهو الحكمة أو العقل، وهو الذات الإلهية، لذلك فان المسيحيين يؤمنون بألوهية الآب والابن والروح القدس، والكل واحد لا فرق بينهم. ويقف المسيحيون بحزم ضد التثليث الخاطيء. فلم تكن العذراء القديسة مريم أبداً إلها، ولم يكن الله أبداً ثلاثة، و لم يكن الله أبا للمسيح بتوالد جسدي.

وهنا يجدر بنا أيها القارئ العزيز الإشارة إلى أنه لا توجد حقيقة بسيطة ولا سهلة. إن الحَجَر يبدو قطعة واحدة، لكن الواقع أنه مركب من عدد لا يحصى من الذرات، وقد تبدو قطعة خشب أمامنا ساكنة على حين أن الأمر الواقع أن بداخلها حركة دائبة لا تهدأ. إضافة إلى أن جسم الإنسان الحي مركب من نفس وروح وجسد، وهذه الثلاثة تكون الإنسان الناطق. وهناك الشمس المركبة من نار ونور ومادة وكل من هذه تشكل وحدة واحدة التي هي الشمس. وهناك العديد من الأمثلة التي تبسط لنا فكرة الثالوث والوحدة.

أمّا وقد رأينا هذا في العالم المادي، فكم يكون في العالم الروحي؟ ونحن نجد البرهان على عقيدة التثليث في الكتاب المقدس، حيث ضمنها المسيح في تعاليمه، كما تمسكت بها الكنيسة، وقدّمها الرسل في العهد الجديد. نرى الثالوث في إعلان ميلاد المسيح. فالآب أرسل الروح القدس لمريم العذراء ليحل عليها فتلد المسيح. ولا يستطيع دارس الإنجيل أن ينسى منظر معمودية المسيح، وقد تحدث الآب من السماء بينما المسيح يعتمد في الماء والروح القدس يستقر على المسيح في شكل حمامة. وهناك أهم ما ورد في الكتاب المقدس إثباتا لعقيدة التثليث:

1-- جاء اسم الجلالة في التوراة "إلوهيم" وهذه صيغة الجمع. وقال البعض إن هذا للتعظيم، ولكن عادة حديث الفرد عن نفسه بالجمع بقصد التعظيم لم تكن معروفة زمن كتابة التوراة. ولو كانت هذه العادة موجودة لزم أن تجيء كل أسماء الله وصفاته والضمائر المتصلة به في صيغة الجمع أيضاً، غير أننا لا نجد أثراً لهذا.

2- أوضحت التوراة والإنجيل أن وحدة الله شاملة جامعة. كما جاء في العهد الجديد من الكتاب المقدس في إنجيل مرقس الإصحاح 12 والآية رقم 32 "فإن الله واحد وليس سواه". نجد أيضاً قول المزامير: "قال الرب لربي اجلس عن يميني" وقد جاء ذلك في العهد القديم من الكتاب المقدس (التوراة) المزمور رقم 110 وفي الآية رقم 1. كما تجد في العهد الجديد بإنجيل متى الإصحاح رقم 22 وبالآية رقم 44 الآية نفسها: "قال الرب لربي اجلس عن يميني لأضع أعدائك موطئا لقدميك".

3-- أمر المسيح أن تجري المعمودية التي تدل على انتماء المؤمن إليه بالقول: "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (أنظر إنجيل متى بالعهد الجديد بالإصحاح رقم 28 والآية رقم 19) (ولم يقل المسيح عمدوهم بأسماء الآب والابن و الروح القدس). كما أن الرسول المسيحي بولس أعطى البركة الرسولية بالقول "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس مع جميعكم" (أنظر الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس بالعهد الجديد بالإصحاح رقم 13 وبالآية رقم 14).

4- يتحدث الإنجيل عن الآب باعتبار أنه الله، وعن الابن باعتبار أنه الله وعن الروح القدس باعتبار أنه الله أيضاً. أقرأ بالعهد القديم (التوراة) في سفر إشعياء بالإصحاح رقم 9 والآية رقم 6 تقول "ويدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أبا أبدياً، رئيس السلام". وهذا يعني عن الابن، الذي ظهر في الجسد. وفي العهد الجديد بالرسالة إلى تيموثاوس بالإصحاح رقم 2 و الآية 16 "أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد" وفي العهد الجديد بالرسالة إلى أهل كولوسي بالإصحاح الثاني والآية رقم 9: "إنه فيه (في المسيح) يحل كل ملء اللاهوت جسدياً".

وقد قبل المسيح عبارة تلميذه توما عندما قال له: "ربي وإلهي" (أنظر إنجيل يوحنا بالعهد الجديد الإصحاح رقم 20 والآية رقم 28). ويطلق الكتاب المقدس على الروح القدس لقب الله، والروح القدس يعلم كل شيء، وهو حاضر في كل مكان، وقادر على كل شيء. هذا يعني أن كلاً من هذه الأقانيم الثلاثة هو الله. ولما كان الله واحداً فمنذ الأزل هم يتبادلون المحبة والتكريم والمشورة والمسرة والعمل والمجد.

ومن هو الإنسان المحدود ليدرك كل أسرار الإله غير المحدود سبحانه وتعالى‍‍‍‍‍.

مع تحيات قاسم إبراهيم 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 3810