ما هي التعاليم الأخلاقية في المسيحية؟
نجد في العهد القديم عدة شرائع قد أعطاها الله لشعبه إسرائيل. ففي "الوصايا العشر" التي توجد في سفر الخروج، الأصحاح 20، أمرنا الله بأن نكرم أبوينا، ومنع القتل، والزنى، والسرقة، والكذب، واشتهاء ما للغير. وأعطى أيضاً عدة شرائع أخلاقية، تقول إحداها: "تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (لاويين 19: 18). لم يغير يسوع أياً من هذه الشرائع التي أعطاها الله، ولكن رفع قيمتها بإيضاح الغرض الأساسي منها.
فعلى سبيل المثال، قال يسوع أنه إن اشتهى أحدٌ امرأة، ليست زوجته، فهو زانٍ. ومن هنا، بينما الوصايا القديمة تدين الفعل الشرير، كان يسوع يدين الشر في القلوب. لقد أمر بالصدق في الكلام، ومنع الحلف، قائلاً أن كلمات المرء كلها يجب أن تكون صادقة كأنها حلف. وقال لأتباعه أنه عليهم ليس فقط أن يحبوا بعضهم بعضاً بل أيضاً أن يحبوا أعداءهم وأن يصلوا لأجل أولئك الذين يضطهدونهم. ومنع السكر، وكل أشكال اللا أخلاقية والانفلات والفحشاء. وقال أن أبناء الله يجب أن يكونوا كاملين كما أن أباهم الذي في السماء كامل هو. وما من معيار يمكن أن يكون أعلى وأسمى من هذا.
أعطى يسوع أيضاً قاعدة للسلوك يمكن تطبيقها في كل مكان وكل زمان، أعني بها: "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء" (متى 7: 12). وبسبب قيمتها الكبيرة تؤيد هذه القاعدة بـ "القاعدة الذهبية". هذا المبدأ الكامل والمثالي ليس فقط يمنع من ارتكاب الخطأ تجاه الآخرين، بل إنه أيضاً يشجع على فعل كل الخير للآخرين كما نريد من الآخرين أن يفعلوا لنا. إنه جدير بالملاحظة أن الإنجيل ليس فيه تحديدات وتنظيمات مفصلة بخصوص الطعام واللباس وبقية المسائل التي تتغير بمرور الزمان. بل إن مبادئه يمكن تطبيقها على كل حالة ولذلك فهي ثابتة باقية.
كل تعاليم المسيح يمكن إيجازها بكلمة واحدة وهي "المحبة". المحبة التي كانت عند يسوع المسيح كانت محبة كاملة، وطلب من تلاميذه أن يحبوا بعضهم بعضاً كما أحبهم هو. نحن المسيحيين نعرف علم اليقين أنه ليس لدينا في أنفسنا تلك المحبة كالتي في المسيح، ولكن عندما نتذكر كم أحبنا المسيح ومات من أجلنا، فإننا بدورنا سنحب الآخرين. إن روح المسيح هو روح المحبة، وعندما يضع المسيح روحه فينا نصبح قادرين على أن نحب كل الناس، حتى أعداءنا، كما فعل هو. هذه المحبة ليست محبة تكمن في قلوبنا فقط، بل يجب أن نعبر عنها بالأفعال. يقول الرسول يوحنا أنه إن كان لدى المرء الوسيلة ليساعد أخيه البائس الفقير ولا يفعل، فإن محبة الله ليست فيه.
أعظم وأجمل وصف للمحبة كتبه بولس الرسول، وأقتبس منه هذا الجزء: "إِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً. الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ السُّوء وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ. لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْلٍ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْطَنُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلَكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ لَكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهاً لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ لَكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ. أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (1 كورنثوس 13: 2- 13).
إن محبة المسيح للناس لم يُعبِّر عنها فقط بالكلمات، بل بشفائه للمرضى وإطعامه للجياع وتقديم حياته على الصليب ليخلّص الخطأة. إنها تلك المحبة التي تدفع المسيحيين لإنشاء مشافٍ لشفاء المرضى، ومنازل للأيتام، ومدارس للأطفال، ومؤسسات أخرى لخدمة الناس من كل جنس وعرق ودين. لقد أراد يسوع أن تكون المحبة هي العلامة المميّزة لأتباعه. وعلينا أن نعترف بخجل بأن محبتنا غالباً ما تكون ناقصة، ولكن كل المسيحيين الحقيقيين يرغبون أن يحبوا الآخرين كما فعل معلّمنا.
- عدد الزيارات: 16974