Skip to main content

لكل سؤال جواب

هل الله موجـود؟

إلى الصديق العزيز

هل صحيح أن الدين هو أفيون الشعوب وأنه لا وجود لله، وما دور الدين في الحياة العملية؟

- لا شك أن الإجابة على هذا السؤال صعبة للغاية إذا أردنا أن نثبت بالحجة والبرهان والاختبار أن الله موجود. ولا شك أن الأديان كافة ترتكز على وجود الله. وللإجابة على هذا السؤال بتفصيل واسع، لابدّ من الدخول في علم الفلسفة والما ورائيات، كما أنه لابدّ من التعرّض لأفكار بعض الفلاسفة الملحدين الذين نادوا بمثل هذه الفلسفة، بأن الدين هو أفيون الشعوب، وأن الله غير موجود. وأن مجرّد التفكير بوجود الله هو نوع من السذاجة. وبما أنه ليس من أهدافنا التعرّض لأحد في عقيدته أو التهجّم عليه، نرى أنه لزاماً علينا أن نحاول الإجابة على السؤال بطريقة موضوعية إيجابية، ومن مبدأ احترام آراء الغير وعقائدهم.

وللإجابة على هذا القسم من السؤال، كان لابد من الرجوع إلى أحد الآراء، وهو رأي الدكتور مصطفى الرافعي المدوّن في كتابه "الإسلام ومشكلات العصر" الصادر عن دار الكتاب اللبناني في بيروت سنة 1972، حيث يقول الدكتور الرافعي بهذا الصدد: "إن أهمّ المبادئ والآراء العامة التي جاء بها ماركس وأتباعه هي الدعوة إلى الإلحاد. فقد قال ماركس: "إن الدين هو حسرة المخلوق المضطهد، إنه روح عالم بلا قلب، ولبّ الجمود اللا روحي وأنه أفيون الشعوب". وقال لينين: "إن كل فكرة دينية، وكل فكرة عن الله، بل حتى مجرد التفكير بجود الله إنما هي حقارة لا تُطاق ولا تحتمل. إنها حقارة من أخطر الأنواع ووباء مُعدٍ من أشد الأنواع خطراً. ويضيف أن الدين الذي هو أفيون الشعوب، إنما هو نوع من الخمرة الروحية يغرق فيها عبيد الرأسمالية أنانيتهم ومطلبهم في حياة كريمة".

ويتابع الدكتور الرافعي قوله، إن أصل الفلسفة الإلحادية مبني على المادة، وأن المادة هي الكون والحياة والإنسان، وأنه لا يوجد شيء وراء المادة، فالمادة هي واجبة الجود. وعلى هذا، فإن كلمة مخلوق تعبير ذو معنى وهمي، وكذلك كلمة خالق تعبير وهمي لا صلة له بالحقيقة وهذا ما جاء على لسان الدكتور مصطفى الرافعي عن الفلسفة الإلحادية بالنسبة للدين ولوجود الله.

+ ما رأيكم في الفلسفة التي تنكر وجود الله وتقول إن الدين هو أفيون الشعوب؟

- إن رأي العلماء والفلاسفة غير الملحدين لا يتفق طبعاً مع أراء الفلاسفة الملحدين. فالفلسفة الإلحادية تقول بأن المادة أساس كل شيء، ولا تقبل بأي شيء غير محسوس أو ملموس. أما رأي الفلاسفة غير الملحدين فمبني على أنه لا يمكن إخضاع كل شيء في الوجود لقواعد العلم التجريبي، لأن من الثابت أنه يوجد أشياء وراء المادة يطلق عليها اسم "الما ورائيات" أو الميتافيزيقا وهذه طبعاً لا تخضع للتجارب في المعمل أو أنبوب الاختبار. والله سبحانه وتعالى من فوق مستوى المادة. ويتفق في ذلك الفيلسوفان الشهيران ديكارت وبسكال. يقول ديكارت: "إنني موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟ إنني لم أخلق نفسي فلا بدّ من خالق، وهذا الخالق لا بدّ أن يكون واجب الوجود وهو الله بادئ كل شيء".

وتصف الكتب المقدسة الله بأنه روح. كما أن الكتب المقدسة السماوية تشير إلى أن الله هو الإله الخالق، القادر على كل شيء والعالِم بكل شيء. والموجود في كل زمان ومكان. والجدير بالذكر أن بعض الأشخاص حاولوا إنكار وجود الله حتى في الأزمنة القديمة على أيام موسى النبي وداود، ولذلك ورد في أحد المزامير الآية القائلة: "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مزمور 1:14). والجدير بالذكر أيضاً أن جميع المؤمنين بالأديان السماوية والذين يسيرون على هدى الكتب المقدسة لا يتفقون إطلاقاً مع الفلسفة الإلحادية التي تنادي بأن الدين هو أفيون الشعوب. بل على العكس، إن الدين بالنسبة للعقيدة المسيحية هو علاقة الإنسان بالله الخالق، والسير حسب شرائعه ووصاياه كما هي واردة في كتابه المقدس. الدين هو النور الفيّاض الذي ينير للإنسان سبيل حياته ويرشده إلى معرفة صلته بالله الخالق وبإخوانه بني الإنسان. فالدين بالنسبة للعقيدة المسيحية ضروري للإنسان في تعالمه مع الآخرين. فهو يحثّ على المحبة والإخاء، والمسامحة والغفران ونكران الذات والعطاء، والصدق والأمانة والإخلاص واحترام حقوق الغير. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السيد المسيح يحثّنا على محبة الآخرين كما أحبّنا هو. إذ إنه بواسطة المسيح أظهر الله محبته للناس. فجاء المسيح إلى العالم، وعاش حياة البشر ليقود الناس في سبيل الإيمان والحق، وليمنحهم الحياة بواسطة الإيمان به، فالدين بالنسبة للمفهوم المسيحي، هو طريق الحياة الفضلى. فبواسطة التعاليم الإلهية يدرك الإنسان بأن الله يحبّه وكيف يحبّ الله من كل قلبه ويحب قريبه كنفسه، فيحيا في سلام مع الله ومع إخوانه في المجتمع. الدين هو تعليم السماء الذي يحث الإنسان على أن يحب الجميع دون استثناء بغضّ النظر عن الجنس أو اللون أو المعتقد.

مع تحيات قاسم ابراهيم 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 5322