Skip to main content

تأملات في الحياة

إيمان العصاة -1

يقول البعض أن هذه الأيام ليست بأيام الإيمان، انها أيام العلم والعمل والجهاد في سبيل بناء عالم جديد. ماذا يعنون عندما يقولون بأن هذه الأيام ليست بأيام الإيمان؟ عندما يقولون بأن هذه الأيام ليست بأيام الإيمان فان الناس يعنون الإيمان الديني أي الإيمان بالله عز وجل وبوحيه وبعالم ما فوق الطبيعة. ولكن عندما يخسر أناس إيمانهم الديني فأن ذلك لا يعني انهم يعيشون بدون إيمان، هذا مستحيل لأن الإنسان هو كائن يحيا بالإيمان ولكن موضوع إيمانه قد يكون مختلفا عن موضوع إيمان غير من البشر. ولكنه من المستحيل أن يحيا الإنسان بدون إيمان بشيء أعلى منه أو أهم منه. ليس هناك من بشرى الا ويحيا بمقتضى إيمان سمه ما شئت!

فإيمان العصاة أي أولئك الذين يرفضون كل شيء ويثورون على كل شيء في سبيل إنقاذ العالم إيمان هؤلاء هو إيمان لا ديني. ماذا نعني بالإيمان اللاديني؟ انه ذلك المعتقد بعالم مغلق أو بعالم ذى بعد واحد هو البعد الزمني / المادى ورفض كل معتقد باله سام ومتفوق وخالق ومبدع لكل ما في الوجود. أن ما يثور عليه الرافضون في هذه الأيام انما هو الإيمان بالله وعلاقة ذلك بحياة الإنسان، أو بكلمة اخرى يثور الرافضون على الدين ولكنهم لا يرفضون الشعور الديني. انهم يفرقون بين الدين والشعور الديني إذ يرفضون الأول ويبقون على الثاني أو على الاقل يسمحون بوجوده.

وإذ ما سألنا رافضي اليوم – أي الرافضين لأمور الله والدين – على أي أساس تبنون موقفكم هذا وما هي القناعات التي توصلتم اليها حتى انكم رفضتم التراث الديني فان جو ابهم يكون : أن وجهة نظرنا (أي وجهة نظر أصحاب الإيمان اللا ديني). هي : موضوعية – علمية وموحدة للشخصية البشرية.

أما القول بأن وجهة نظر أصحاب الإيمان اللا ديني هي وجهة نظر موضوعية فان ذلك امر لا يمكن برهانه. وبالمناسبة أن معنى كلمة موضوعية انما هو : حقيقية أو ذات أساس خارج عن نطاق الإنسان المفكر أو وجود لا مناص من الاقرار به. نعود إلى القول بأن الادعاء بأن النظرة اللا دينية للحياة هي نظرة موضوعية بينما النظرة الدينية هي غير موضوعية، أن ذلك الادعاء لا يمكن برهانه. كل ما في الأمر انما هو اقتناع باطني لصاحب الإيمان اللا ديني بأن محتويات إيمانه هي موضوعية بينما محتويات إيمان المؤمن بالله تبقى باطنية محضة!

وكذلك القول بأن وجهة نظر صاحب الإيمان اللا ديني انما هي وجهة نظر علمية لأمر لا يمكن برهانه. وماذا نعني بالعلم هنا؟ أنعني العلوم الرياضية أو الفيزيائية أو الطبيعية؟ هذه العلوم لا يمكن تجاهلها ولكنها ليست بكل العلوم التي توجد ضمن حقل المعارف البشرية. فلماذا تطلى وجهة نظر المؤمن اللا ديني بصبغة علمية بينما ينظر إلى وجهة نظر المؤمن بالله وكأنه يلتصق بعقيدة لا علمية بدائية خرافية؟ على أي أساس يجرى هذا التفريق؟ وهل يمكن وضع معتقد ما في أنبوبة المختبر وفحصه مثلما نفحص مادة كيميائية؟ هل هناك أسلوب علمي واحد ضمن دائرة المعارف البشرية؟

أما القول بأن وجهة نظر الإيمان اللا ديني انما هي وجهة نظر موحدة للشخصية البشرية فان ذلك يكون صحيحا إلى حد ما. فالإنسان يعيش اليوم ضمن حضارة عالمية طغت عليها صبغة لا دينية ملحدة ومن كان قد عاش وتربى ضمن بيئة دينية مؤمنة بالله وبوحيه المقدس يجد نفسه عائشا ضمن حرب روحية نفسية حامية الوطيس.

فإنه من جهة يؤمن بالله وبعالم هو خليقة لله ومن جهة أخرى تردد في إذنه حضارة القسم الأخير من القرن العشرين بنود إيمانها الإلحادى. حياة هكذا إنسان انما هي حياة ذات صبغة ازدواجية مقلقة وهي مزعجة للغاية. ولكن أن تخلص هذا الإنسان من معتقده الديني واستسلم استسلاما تاما لصنمية القرن العشرين فان شخصيته تكون قد توحدت، نعم توحدت لكن على حساب الحق والحقيقة!

فلابد لنا إذن من وصف موقف الرافضين في هذه الأيام انهم انما يبدأون من وجهاًت نظر غير قابلة للبرهان أو الفحص وهي تدعى بالافتراضات السابقة.

وكل افتراضات سابقة هي غير علمية وهي باطنية بمعنى انها تنبع من قلب الإنسان أو من صلب وجوده. وإذا كانت هذه الافتراضات السابقة ذات صبغة لا دينية أو بالاحري ضد دينية أو ضد الله فإنها تكون صنمية ولو كانت معبوداتها غير ظاهرة كصنميات العصور السالفة. والبناء الفكري أو الايديولوجي الذي تبنيه هذه الصنمية ابتداء من افتراضاتها السابقة، هذا البناء قد يظهر جميلا ومنسقا وعلميا وموضوعيا ولكنه في الحقيقة مبني على أساس واه!

وهكذا علينا أن نضع النقاط على الحروف وان نقول لعصاة اليوم وللرافضين الذين اعتنقوا الدهرية والإلحادية بان إيمانهم هو لا علمي وهو من الناحية النفسية (السيكولوجية). يتطلب استسلاما مساويا للاستسلام الذي يتطلبه الإيمان بالله الخالق. والمؤمن بالله لا يصبح أقل تعلقا بالموضوعية بسبب إيمانه أو معتقده، والملحد المعاصر ليس أكثر موضوعية نظرا لإيمانه أو معتقده بالمادة المجردة الخلاقة والازلية.

ونحن إذ نصرح بما سبق لا نود أن نظهر بمظهر التصلف والكبرياء والعجرفة، بل على العكس انما نتوسل إلى الله خالقنا بأن يساعدنا على التسلح بالتواضع والمحبة والتسامح وان يرشدنا لكي نساعد اقرباءنا بني البشر الذين يجدون انفسهم عائشين في عالم اللا معنى والقنوط، للوصول إلى النور الوضاح ذلك النور الذي بزغ بصورة ساطعة عندما وفد دنيانا هذه مسيح الله. نعم لقد جاء كلمة الله بمهمة سماوية فريدة ألا وهي إنقاذ وفداء الإنسان من سائر أنواع الصنميات التي تؤله أبعادا معينة من الحقيقة وتنسى أن العبادة الوحيدة المقبولة انما هي عبادة الله الواحد القدوس صانع كل ما في الوجود. ولقد أتم السيد المسيح مهمته الخلاصية هذه بخوض معركة شديدة ضد سائر قوى الشر والهلاك وقد كلفته حياته النقية إذ مات عنا على خشبة الصليب بالقرب من مدينة القدس في فلسطين. ولكنه لم يبق تحت سلطة الموت بل قام من الأموات وطلب من سائر المؤمنين به بأن ينادوا بيوم الخلاص والحرية. الإيمان بالمسيح المخلص هو الدواء الوحيد لشفائنا اليوم من أسقام حضارة القسم الأخير من القرن العشرين.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع كلمة الحياة.
  • عدد الزيارات: 1785