Skip to main content

تأملات في الحياة

سر التألم -4

سوف نلخص الآن ما وصلنا إلى ذكره بخصوص موضوع سر الألم والتألم :

1. يمكننا القول بأنه من الناحية العامة هناك علاقة بين وجود الشر في العالم والآلام والعذابات التي تنهال على الناس. لو لا دخول الشر إلى حياة البشرية في فجر التاريخ عندما عصي آدم على الله، لما كانت هناك آلام أو عذابات في دنيانا هذه.
2. يحدث في كثير من الاحيان أن الإنسان عندما يتعدى على مشيئة الله أي على الوصية الإلهية أو الشريعة الإلهية فإنه يقاص وبذلك يتألم ويتعذب.
3. لا يمكننا القول بأن القصاص الذي يقع على الناس هو معادل لكمية الشر الذي ارتكبه الإنسان. على العكس، القصاص الذي يناله الإنسان من الله (عندما يكون هذا الإنسان على قيد الحياة). هو بمثابة دعوة إلهية لذلك الإنسان للتوبة والرجوع إلى الطريق المستقيم.
4. نجد في كثير من الاحيان أن مرتكبي الشرور والخطايا والآثام لا يعاقبون في هذه الحياة – على ما يظهر لنا، بينما الذين لم يرتكبوا خطية معينة يتعرضون لآلام وعذابات شديدة. هنا سر التألم! لماذا يتألم البعض وهم لا يعلمون بأنهم قاموا بأمر مكروه ولماذا لا يعاقب آخرون وقد ازدادوا شرا وظلما؟!
ونحن لا نطرح هذه الأسئلة وكأننا نود التنازل – ولووقتيا عن معتقدنا الراسخ بأن الله قادر على كل شيء وكذلك صالح وعادل. فعندما نسأل أسئلتنا هذه نبقى مؤمنين كل الإيمان ومعتقدين من قرارة قلوبنا وبالرغم من انضباب النوائب علينا من كل حدب وصوب – نؤمن ونشهد ونقر بأن الله قادر على كل شيء وعادل وصالح. إذن الحلول التي سنصل اليها يجب أن تتلاءم مع مبادئنا الأولية هذه والا لما اتسمت هذه الحلول بطابع حلول وأجوبة مبينة على الوحي الإلهي.

وفيما يلي حادثة جرت في بلاد فلسطين في أيام السيد المسيح منذ نحو ألفي سنة " 1وَكَانَ حَاضِراً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلاَطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. 2فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمْ : «أَتَظُنُّونَ أن هَؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هَذَا؟ 3كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ. بَلْ أن لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ. 4أوأولئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ أَتَظُنُّونَ أن هَؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أو رُشَلِيمَ؟ 5كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ! بَلْ أن لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ "

جرت هاتان الحادثتان عندما كانت البلاد المقدسة خاضعة لنير الاستعمار الروماني وابان ولاية الوالي الروماني بيلاطس البنطي. فقط أراد ذلك الطاغية بأن يظهر هيبة رومية على الناس ولا سيما على سكان الجليل الذين اشتهروا بوطنيتهم وبمحبتهم للحرية. فأمر في أحد الأيام جنوده بأن يدخلوا هيكل الله المقدس في القدس ويقتلوا بعض الجليليين الذين كانوا قد وفدوا إلهيكل لتقديم ذبيحة لله. فقتل هؤلاء المتعبدون لله بطريقة مريعة وهم يقومون بواجب ديني مقدس في وسط بيت الله. كان ذلك أمرا فظيعا ورهيبا! ولكن السيد المسيح حذر ساميعه – ويحذرنا نحن أيضاً – من التسرع والاستنتاج بأنه نظرا لتلك الميتة المخيفة التي لاقاها هؤلاء الذين وفدوا من اقليم الجليل، بأنهم كانوا أشر الجليليين في تلك الأيام! أن كنا قد حكمنا عليهم بأنهم كانوا أشر الناس في اقليمهم فأننا نكون قد أخطأنا ومنطقنا غير سليم. لم يكن موتهم المريع بسبب خطية معينة ربما كانوا قد ارتكبوها! لم يقل المسيح انهم كانوا بلا خطية. ولكنه له المجد علمنا بأنهم لم يكونوا أشر الناس ولم يكن موتهم بسبب شر معين ربما كانوا قد ارتكبوه. لم يعطنا السيد المسيح كل ما قد نرغب معرفته عن هؤلاء الجليليين الذين قتلهم جنود بيلاطس الحاكم الروماني. لماذا قتلوا ولماذا سمح الله بأن يستشهدوا؟ نحن لا نعلم لمإذ حدث ما حدث لهؤلاء، فالمسيح لم يشأ بأن يطلعنا على كل شيء. ولكننا نعلم أمرا واحدا بصورة خاصة وأكيدة : لم يكن هؤلاء أشر الناس في اقليم الجليل.

ولكي ينقش هذا المبدأ الهام على عقول وقلوب السامعين سرد المسيح نبأ حادثة كانت معروفة في تلك الأيام ألا وهي سقوط أحد أبراج المدينة المقدسة على ثمانية عشر شخصا وموتهم بتلك الطريقة الفجائية. لم يكن هؤلاء مذنبين أكثر من جميع سكان القدس. لماذا سمح الله بأن يموتوا على تلك الصورة المريعة؟ نحن لا نعلم، ولم يشأ تعالى بأن يخبرنا عن السبب. ولكننا نعلم بأنهم لم يكونوا قد ارتكبوا خطيئة معينة استحقت تلك الميتة المخيفة. وقال السيد المسيح معلقا على تلك الحادثتين وقال " إن لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ " مظهرا له المجد أهمية هكذا فواجع بالنسبة للاحياء. فالدرس الأول الايجابي هو : لدى سماعنا أخبار الكوارث والمآسي لنعلم بأن الله يكلمنا بواسطتها ويقول لنا : أن لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ!

هل هذا يعني أننا وصلنا إلى حل سهل أو بسيط لسر الألم أو التألم؟ كلا! لم نصل إلى حل بسيط، بل كما لاحظنا لن يشأ السيد المسيح في تلك المناسبة الخاصة بأن يعطينا مفهوما تاما وكاملا وشاملا لمعنى التألم ولكنه أراد منا أن نتذكر دوما بأن الناس لا يتألمون بصورة أو توماتيكية حالما يرتكبون الشرور، وأن البعض يتألمون وأن لم يكونوا قد ارتكبوا شرورا معينة. لنبعد عنا إذن تلك الحلول البسيطة المظهر أو الحلول السطحية لسر التألم. وان لم يكن بوسع الإنسان رؤية العلاقة بين ما قام به والعذابات التي انصبت عليه، فليسلم أمره لله العادل وليقبل مشيئة الله الذي هو عادل وصالح مهما حدث وصار.

وعلينا أن نذكر الآن ولوبصورة مقتضبة بأن الآلام والعذابات التي تأتي على الإنسان ليست بدون علاقة بمكائد ابليس الشرير. وهكذا يتوجب علينا البحث في هذا الموضوع أي في علاقة الشيطان بما يحدث للإنسان من آلام وكوارث لكي نكون مفهوما كتابيا ومتزنا لسر التألم.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع كلمة الحياة.

 

  • عدد الزيارات: 1842