Skip to main content

الأنبياء

سليمان يبني الهيكل

عرفنا أن الملك داود، قبل موته، أوصى ابنه الملك سليمان أن يقيم بناء الهيكل الذي حاول هو أن يبنيه، ولكن الله منعه عن أن يبنيه، لأن يديه سفكتا كثيراً من الدماء. أما عهد سليمان فهو عهد سلام، ولذلك رضي الله أن يبني سليمان له الهيكل المقدس. صحيح أن الملك داود جهّز كثيراً من الفضة والذهب والنحاس والحديد والأخشاب لبناء بيت الرب، ولكن سليمان هو الذي قام بذلك البناء.

في السنة الرابعة من بدء حكم الملك سليمان بدأ العمل العظيم في بناء هيكل أورشليم. واكتشف سليمان أنه يحتاج إلى مزيد من الأخشاب لبناء بيت الرب، أكثر من تلك الأخشاب التي جهزها داود أبوه. ولذلك أرسل إلى ملك صور - يقول له: »أَنْتَ تَعْلَمُ دَاوُدَ أَبِي أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتاً لاِسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ بِسَبَبِ الْحُرُوبِ الَّتِي أَحَاطَتْ بِهِ، حَتَّى جَعَلَهُمُ الرَّبُّ تَحْتَ بَطْنِ قَدَمَيْهِ. وَالْآنَ فَقَدْ أَرَاحَنِيَ الرَّبُّ إِلهِي مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ فَلَا يُوجَدُ خَصْمٌ وَلَا حَادِثَةُ شَرٍّ. وَهَئَنَذَا قَائِلٌ عَلَى بِنَاءِ بَيْتٍ لاِسْمِ الرَّبِّ إِلهِي كَمَا قَالَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ أَبِي: إِنَّ ابْنَكَ الَّذِي أَجْعَلُهُ مَكَانَكَ عَلَى كُرْسِيِّكَ هُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ لاِسْمِي. وَالْآنَ فَأْمُرْ أَنْ يَقْطَعُوا لِي أَرْزاً مِنْ لُبْنَانَ وَيَكُونُ عَبِيدِي مَعَ عَبِيدِكَ، وَأُجْرَةُ عَبِيدِكَ أُعْطِيكَ إِيَّاهَا حَسَبَ كُلِّ مَا تَقُولُ، لِأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا أَحَدٌ يَعْرِفُ قَطْعَ الْخَشَبِ مِثْلَ الصَّيْدُونِيِّينَ« (1ملوك 5:3-6).

وفرح الملك حيرام فرحاً كثيراً بذلك، وأرسل لسليمان يقول: »مُبَارَكٌ الْيَوْمَ الرَّبُّ الَّذِي أَعْطَى دَاوُدَ ابْناً حَكِيماً عَلَى هذَا الشَّعْبِ الْكَثِيرِ«. وَأَرْسَلَ حِيرَامُ إِلَى سُلَيْمَانَ قَائِلاً: »قَدْ سَمِعْتُ مَا أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَيَّ. أَنَا أَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِكَ فِي خَشَبِ الْأَرْزِ وَخَشَبِ السَّرْوِ. عَبِيدِي يُنْزِلُونَ ذلِكَ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى الْبَحْرِ، وَأَنَا أَجْعَلُهُ أَرْمَاثاً فِي الْبَحْرِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تُعَرِّفُنِي عَنْهُ وَأَفُكُّهُ هُنَاكَ، وَأَنْتَ تَحْمِلُهُ وَتَعْمَلُ مَرْضَاتِي بِإِعْطَائِكَ طَعَاماً لِبَيْتِي« فكان حيرام يعطي الملك سليمان خشب أرز وخشب سرو. وأعطى سليمان حيرام الكثير من الحنطة والزيت مقابل الأخشاب التي حصل عليها (1ملوك 5:7-12).

سليمان يلجأ للسُّخرة:

كما كان سليمان الحكيم يحتاج إلى أخشاب ليبني بيت الرب، كان يحتاج أيضاً إلى عمال للبناء، ولذلك لجأ إلى السُخرة. وقد بدأ سليمان بتسخير أبناء الأموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين. ولكنه اكتشف بعد ذلك أنه يحتاج إلى مزيد من العمال، فابتدأ يسخر بني إسرائيل في ذلك. وتقول التوراة إن الملك سليمان سخر ثلاثين ألف رجل أرسلهم إلى لبنان، عشرة آلاف كل شهر، يكونون شهراً في لبنان وشهرين في بيوتهم. وكان له سبعون ألف رجل يحملون أحمالاً، وثمانون ألفاً يقطعون في الجبل، ما عدا رؤساء الوكلاء الذين على العمل، كان عددهم ثلاثة آلاف وثلاث مئة.

وعلاوة على الأخشاب التي قطعوها من لبنان، فإنهم أيضاً كانوا يقطعون الأحجار من الجبال، فكانوا ينحتون الأحجار في الجبل حسب الحجم المطلوب للبناء. ولم يكن يُسمع في موقع البناء صوت معول. وقد استغرق بناء بيت الرب سبع سنوات، لأنه كان عظيماً فعلاً. كانت الحو ائط من الأحجار المغطاة بخشب، كما غطى سليمان بيت الرب من الداخل بالذهب الخالص، وجميع حوائط البيت في مستديرها نقشها بحفر من الكروبيم والنخل وبراعم الزهور، من الداخل ومن الخارج.

وفي داخل البيت كانت هناك حجرة مكعبة اسمها قدس الأقداس، كان يُوضع فيها تابوت العهد الذي كان يحتوي على لوحين من الحجر، كان الله قد كتب عليهما الوصايا العشر منذ أيام موسى، وكان التابوت يرمز إلى حضور الله. وقد اشترك رجل حكيم اسمه »حورام أبي« في عمل الأواني اللازمة للهيكل، لأنه كان صانعاً ماهراً في الذهب والفضة والنحاس والحديد والحجارة والأرجوان والأسمانجوني والكتان والقرمز، ونقش كل نوع من النقوش.

ولا بد أنه قد اشترك مع »حورام أبي« عدد كبير من العمال ليجهزوا الأقمشة اللازمة لثياب الكهنة، ولستائر قدس الأقدس، ولقد تم هذا العمل الكبير بمعونة الله وكان نجاحاً متكاملاً، فجاء البناء عظيماً فعلاً، حتى ظن كثيرون أن الذين قاموا ببناء هيكل سليمان ليسوا من البشر، ولكن التوراة تقول لنا: إن رجالاً مختلفين قاموا بهذه الأعمال بمعونة الرب وإرشاده. وعندما يستخدم الرب إنساناً، فإنه يمنحه النعمة والحكمة وإرشاد الروح القدس، فيعمل أشياء كثيرة وغريبة، فلقد قال رسول المسيحية بولس: »أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي« (فيلبي 4:13).

أيها القارئ الكريم، عندما نسلم نفوسنا بين يدي الله، يعمل بنا، ويشغلنا لنعمل معجزات ولنُجري أموراً عجيبة. أدعوك لأن تسلم حياتك لله لتبني هيكله. وهيكل الله في أيامنا هذه هو أجسادنا. وعندما تفتح قلبك لله يسكن فيك ويملك حياتك.

رسالة من الله لسليمان:

عندما كان سليمان يبني هيكل الرب قال الرب له: »هذَا الْبَيْتُ الَّذِي أَنْتَ بَانِيهِ، إِنْ سَلَكْتَ فِي فَرَائِضِي وَعَمِلْتَ أَحْكَامِي وَحَفِظْتَ كُلَّ وَصَايَايَ لِلسُّلُوكِ بِهَا، فَإِنِّي أُقِيمُ مَعَكَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَى دَاوُدَ أَبِيكَ، وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا أَتْرُكُ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ« (1ملوك 6:12 و13). ولذلك فإن سليمان بعد أن أكمل بناء الهيكل جمع عدداً كبيراً من قادة وشيوخ بني إسرائيل في أورشليم ليدشن الهيكل، وليُحضر تابوت العهد من الخيمة التي كان أبوه داود قد وضع التابوت فيها. وأدخل سليمان التابوت إلى قدس الأقداس، وهو الجزء الداخلي من الهيكل. وعندما كانوا ينقلون التابوت كانوا يذبحون من الغنم والبقر ما لا يُحصى ولا يُعد من الكثرة، كما تقول التوراة. وأدخل الكهنة تابوت عهد الرب إلى مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس إلى تحت جناحي الكروبين (1ملوك 8:1-6). وكان يتقدم هذا كله ويرافقه مجموعة كبيرة من المرتلين الذين كانوا يُنشدون التسابيح ويستعملون الآلات الموسيقية المعروفة لهم، وكانت اللازمة التي رافقت تراتيل هؤلاء تقول: »لِأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ. إِلَى الْأَبَدِ رَحْمَتُهُ« (مزمور 100:5). وملأ السحاب الهيكل رمزاً إلى أن مجد الله قد ملأ هيكله، حتى لم يستطع الكهنة أن يقفوا ليقدموا خدمة العبادة بسبب السحاب، وهذا ما تسميه التوراة »الشكينة« أي سحابة النور المعجزي التي تظهر على غطاء تابوت العهد (خروج 40:35، لاويين 16:2، 1ملوك 8:10).

بعد أن حل السحاب الذي تسميه التوراة »الشكينة« على بيت الرب علّم سليمان قادة بني إسرائيل الواقفين وقال: »مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِفَمِهِ إِلَى دَاوُدَ أَبِي وَأَكْمَلَ بِيَدِهِ قَائِلاً: مُنْذُ يَوْمَ أَخْرَجْتُ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ لَمْ أَخْتَرْ مَدِينَةً مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ لِبِنَاءِ بَيْتٍ لِيَكُونَ اسْمِي هُنَاكَ، بَلِ اخْتَرْتُ دَاوُدَ لِيَكُونَ عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ فِي قَلْبِ دَاوُدَ أَبِي أَنْ يَبْنِيَ بَيْتاً لاِسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ أَبِي: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِكَ أَنْ تَبْنِيَ بَيْتاً لاِسْمِي قَدْ أَحْسَنْتَ بِكَوْنِهِ فِي قَلْبِكَ. إِلَّا إِنَّكَ أَنْتَ لَا تَبْنِي الْبَيْتَ، بَلِ ابْنُكَ الْخَارِجُ مِنْ صُلْبِكَ هُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ لاِسْمِي. وَأَقَامَ الرَّبُّ كَلَامَهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَقَدْ قُمْتُ أَنَا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي وَجَلَسْتُ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ، وَبَنَيْتُ الْبَيْتَ لاِسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْتُ هُنَاكَ مَكَاناً لِلتَّابُوتِ الَّذِي فِيهِ عَهْدُ الرَّبِّ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ آبَائِنَا عِنْدَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ« (1ملوك 8:15-21).

صلاة سليمان لتدشين الهكيل:

ورفع سليمان صلاة لله هي صلاة تدشين الهكيل: قال بعد أن بسط يديه إلى السماء: »أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، لَيْسَ إِلهٌ مِثْلَكَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَلَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ، حَافِظُ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِعَبِيدِكَ السَّائِرِينَ أَمَامَكَ بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ... هَلْ يَسْكُنُ اللّهُ حَقّاً عَلَى الْأَرْضِ؟ هُوَذَا السَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ السَّمَاوَاتِ لَا تَسَعُكَ، فَكَمْ بِالْأَقَلِّ هذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُ؟ فَالْتَفِتْ إِلَى صَلَاةِ عَبْدِكَ وَإِلَى تَضَرُّعِهِ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي، وَاسْمَعِ الصُّرَاخَ وَالصَّلَاةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا عَبْدُكَ أَمَامَكَ الْيَوْمَ. لِتَكُونَ عَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَيْنِ عَلَى هذَا الْبَيْتِ لَيْلاً وَنَهَاراً، عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قُلْتَ: إِنَّ اسْمِي يَكُونُ فِيهِ لِتَسْمَعَ الصَّلَاةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا عَبْدُكَ فِي هذَا الْمَوْضِعِ. وَاسْمَعْ... فَاغْفِرْ... إِذَا انْكَسَرَ شَعْبُكَ إِسْرَائِيلُ أَمَامَ الْعَدُّوِ لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَيْكَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْكَ وَاعْتَرَفُوا بِاسْمِكَ وَصَلُّوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْكَ نَحْوَ هذَا الْبَيْتِ، فَاسْمَعْ أَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ وَاغْفِرْ خَطِيَّةَ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، وَأَرْجِعْهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِآبَائِهِمْ. إِذَا أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَيْكَ، ثُمَّ صَلُّوا فِي هذَا الْمَوْضِعِ وَاعْتَرَفُوا بِاسْمِكَ، وَرَجَعُوا عَنْ خَطِيَّتِهِمْ لِأَنَّكَ ضَايَقْتَهُمْ فَاسْمَعْ أَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ وَاغْفِرْ خَطِيَّةَ عَبِيدِكَ... فَتُعَلِّمَهُمُ الطَّرِيقَ الصَّالِحَ الَّذِي يَسْلُكُونَ فِيهِ، وَأَعْطِ مَطَراً عَلَى أَرْضِكَ الَّتِي أَعْطَيْتَهَا لِشَعْبِكَ مِيرَاثاً. إِذَا صَارَ فِي الْأَرْضِ جُوعٌ، إِذَا صَارَ وَبَأٌ، إِذَا صَارَ لَفْحٌ أَوْ يَرَقَانٌ أَوْ جَرَادٌ جَرْدَمٌ، أَوْ إِذَا حَاصَرَهُ عَدُّوُهُ فِي أَرْضِ مُدُنِهِ فِي كُلِّ ضَرْبَةٍ وَكُلِّ مَرَضٍ..فَاسْمَعْ أَنْتَ مِنَ السَّمَاءِ مَكَانِ سُكْنَاكَ وَاغْفِرْ، وَاعْمَلْ وَأَعْطِ كُلَّ إِنْسَانٍ حَسَبَ كُلِّ طُرُقِهِ كَمَا تَعْرِفُ قَلْبَهُ. لِأَنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ قَدْ عَرَفْتَ قُلُوبَ كُلِّ بَنِي الْبَشَرِ. لِيَخَافُوكَ كُلَّ الْأَيَّامِ الَّتِي يَحْيُونَ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتَ لِآبَائِنَا... لِيَعْلَمَ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ اسْمَكَ فَيَخَافُوكَ كَشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ دُعِيَ اسْمُكَ عَلَى هذَا الْبَيْتِ الَّذِي بَنَيْتُ. ... لِتَكُونَ عَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَيْنِ نَحْوَ تَضَرُّعِ عَبْدِكَ وَتَضَرُّعِ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، فَتُصْغِيَ إِلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَا يَدْعُونَكَ« (1ملوك 8:22-52).

سليمان يبارك الشعب:

بعد أن رفع سليمان صلاة تدشين الهكيل، وقف ويداه مبسوطتان نحو السماء، وبارك كل الشعب قائلاً: »مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي أَعْطَى رَاحَةً لِشَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَلَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ كُلِّ كَلَامِهِ الصَّالِحِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ مُوسَى عَبْدِهِ. لِيَكُنِ الرَّبُّ إِلهُنَا مَعَنَا كَمَا كَانَ مَعَ آبَائِنَا فَلَا يَتْرُكَنَا وَلَا يَرْفُضَنَا. لِيَمِيلَ بِقُلُوبِنَا إِلَيْهِ لِنَسِيرَ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ وَنَحْفَظَ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضَهُ وَأَحْكَامَهُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا آبَاءَنَا. وَلِيَكُنْ كَلَامِي هذَا الَّذِي تَضَرَّعْتُ بِهِ أَمَامَ الرَّبِّ قَرِيباً مِنَ الرَّبِّ إِلهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً، لِيَقْضِيَ قَضَاءَ عَبْدِهِ وَقَضَاءَ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ فِي يَوْمِهِ. لِيَعْلَمَ كُلُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللّهُ وَلَيْسَ آخَرُ. فَلِْيَكُنْ قَلْبُكُمْ كَامِلاً لَدَى الرَّبِّ إِلهِنَا إِذْ تَسِيرُونَ فِي فَرَائِضِهِ وَتَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ كَهذَا الْيَوْمِ« (1ملوك 8:54-61).

وبعد أن بارك الملك سليمان الشعب بدأ يقدم المحرقات لله، فنزلت نار من السماء أكلت الذبائح من على المذبح، وسجد الشعب إلى الأرض حمداً وسبحاً لله، بينما الموسيقى تعزف التراتيل التي تسبح الله، واحتفل الشعب احتفالاً عظيماً استمر أسبوعاً كاملاً قبل أن يرجعوا إلى بيوتهم بقلوب عامرة بالفرح. ثم ظهر الرب مرة أخرى لسليمان وقال له: »قَدْ سَمِعْتُ صَلَاتَكَ وَتَضَرُّعَكَ الَّذِي تَضَرَّعْتَ بِهِ أَمَامِي. قَدَّسْتُ هذَا الْبَيْتَ الَّذِي بَنَيْتَهُ لِأَجْلِ وَضْعِ اسْمِي فِيهِ إِلَى الْأَبَدِ، وَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الْأَيَّامِ. وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ بِسَلَامَةِ قَلْبٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكَ وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، فَإِنِّي أُقِيمُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَبَدِ كَمَا قُلْتُ لِدَاوُدَ أَبِيكَ« (1ملوك 9:3-5).

ونحن نعلم أيها القارئ الكريم أن الشعب لم يصغوا إلى قول الرب، ولا فعل سليمان، فكانت النتيجة أن تهدم الهيكل، ولم يُترك فيه حجر على حجر لم يُنقض، وهذا الأمر يجعلنا نتبنه دائماً إلى ضرورة سلوكنا في طاعة الله.

مزيد من مباني سليمان:

كان سليمان معمارياً عظيماً حتى قيل عنه إنه يشبه رمسيس الثاني في مصر لكثرة ما بنى، فقد بنى سليمان أبنية أخرى غير الهيكل العظيم. بنى بيت وعر لبنان ورواق الأعمدة ورواق الكرسي الذي كان موضع القضاء، كما بنى بيتاً لابنة فرعون، وبنى قلعة لحماية الهيكل، وبنى حصوناً عديدة في أنحاء المملكة ليحمي المملكة ويدافع عنها، ولم يترك سليمان مجالاً لملك آخر ليبني بعده فقد أكمل الملوك الذين جاءوا بعده أو رمموا ما بدأ سليمان به. ولم يكن سليمان يؤمن بعقيدة نزع السلاح، فقد تكرر القول في التوراة: »وجمع سليمان مراكب وفرساناً فكان له ألف وأربعمائة مركبة، واثنا عشر ألف فارس، فأقامهم في مدن المراكب، ومع الملك في أورشليم«. وتقول التوراة أيضاً إن الملك سليمان عمل سفناً في عصيون جابر، التي بجانب أيلة على شاطئ بحر سوف، في أرض أدوم« (1ملوك 9:26). وأرسل صديقه الملك حيرام ملك صور، عبيده في تلك السفن لأنهم كانوا عارفين بالبحر مع عبيد سليمان، فأتوا إلى بلاد أوفير، وأخذوا من هناك ذهباً 420 وزنة، وأتوا بها إلى الملك سليمان، وفي وسط هذه كلها كان سليمان يُقيم صلواته، فكان يُصعد ثلاث مرات في السنة محرقات وذبائح سلامة على المذبح الذي بناه للرب.

  • عدد الزيارات: 6139