فرح في السماء
"31فَقَالَ لَهُ: يا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ وَكُلُّ مَا لِي فَهو لَكَ. 32وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أن نَفْرَحَ وَنُسَرَّ لأن أَخَاكَ هَذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ" " لوقا 15: 31و32
يرتكب البعض من المتدينين خطيتين كبيرتين: فهم يحتقرون الآخرين الذين هم أقل تديناً منهم والذين قد يكونون غارقين في حمأة الخطية والشر. فإنهم لا يسرون عندما يتوب الخاطىء ولا يفرحون عندما يرعوي الشرير عن غيه وضلاله. وخطيتهم الثانية هي في نظرهم إلى أنفسهم نظرة ملؤها الإعجاب غير معترفين بوجود الخطية في داخلهم.
وقد اشتهر في أيام المسيح الفريسيون والكتبة وهم من زعماء الدين وخبراء في الشريعة، اشتهروا بتصويب انتقاداتهم اللاذعة للسيد له المجد. إنتقدوا المسيح لأنه لم يرفض قبول جماهير الناس ولا أولئك الذين كانوا يعدونهم من كبار الخطاة. في إحدى المناسبات عندما انتقد المسيح من قبل هؤلاء ضرب لهم المثل الذي حفظه لنا البشير لوقا في الفصل الخامس عشر من الإنجيل "وكان جميع جباة الضرائب والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين: هذا يقبل خطاة ويأكل معهم. فخاطبهم بهذا المثل قائلاً: " 11وَقَالَ: "إنسان كَانَ لَهُ ابنانِ. 12فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. 13وَبَعْدَ أيام لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابن الأصغر كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إلى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. 14فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ. 15فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ فَأَرْسَلَهُ إلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. 16وَكَانَ يَشْتَهِي أن يَمْلَأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ. 17فَرَجَعَ إلى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً! 18أَقُومُ وَأذهَبُ إلى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يا أَبِي أَخْطَأْتُ إلى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ 19وَلَسْتُ مُسْتَحقاً بَعْدُ أن أُدْعَى لَكَ ابناً. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَائكَ. 20فَقَامَ وَجَاءَ إلى أَبِيهِ. وَإذ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ. 21فَقَالَ لَهُ الابن: يا أَبِي أَخْطَأْتُ إلى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ وَلَسْتُ مُسْتَحقاً بَعْدُ أن أُدْعَى لَكَ ابناً. 22فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأولى وَأَلْبِسُوهُ وَاجْعَلُوا خَاتَماً فِي يَدِهِ وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ 23وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ 24لأَنَّ ابني هَذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأوا يَفْرَحُونَ. 25وَكَانَ ابنهُ الأَكْبَرُ فِي الْحَقْلِ. فَلَمَّا جَاءَ وَقَرُبَ مِنَ الْبَيْتِ سَمِعَ صَوْتَ آلاَتِ طَرَبٍ وَرَقْصاً 26فَدَعَا وَاحِداً مِنَ الْغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أن يَكُونَ هَذَا؟ 27فَقَالَ لَهُ: أَخُوكَ جَاءَ فَذَبَحَ أَبُوكَ الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ لأنه قَبِلَهُ سَالِماً. 28فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أن يَدْخُلَ. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ. 29فَقَالَ لأَبِيهِ: هَا أَنَا أَخْدِمُكَ سِنِينَ هَذَا عَدَدُهَا وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوزْ وَصِيَّتَكَ وَجَدْيا لَمْ تُعْطِنِي قَطُّ لأَفْرَحَ مَعَ أَصْدِقَائي. 30وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ ابنكَ هَذَا الَّذِي أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ الزَّوَاني ذَبَحْتَ لَهُ الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ. 31فَقَالَ لَهُ: يا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ وَكُلُّ مَا لِي فَهولَكَ. 32وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أن نَفْرَحَ وَنُسَرَّ لأن أَخَاكَ هَذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ" "
الإنجيل حسب لوقا 15: 1و2و32
لم يشأ السيد المسيح بأن يقلل من خطورة حالة جباة الضرائب والخطاة الروحية عندما ضرب هذا المثل. بمثل الابن الأصغر الخطاة الذين يتوغلون في مجاهل الشر والخطية ورجوع البعض منهم إلى الله تائبين. وهذه بعض الأمور الهامة التي نتعلمها من المثل:
لم يكن الابن الأصغر مرتاحاً في بيت والده ولم يشأ بان ينتظر موت والده لكي يحصل على حصته من الميراث. وهكذا أخذ يصمم بأن يترك بيت آبائه وأجداده. هذا هو موقف الخطاة في كل عصر وإقليم. إنهم لا يريدون بأن يعيشوا حسب متطلبات أرادة الله بل ينظرون إلى شريعته وكأنها نير قاس يجب أن يتخلصوا منه بأسرع وقت.
وما أن حصل الابن الأصغر على حصته من الميراث حتى توجه إلى بلاد بعيدة لكي لا يعلم والده عن تصرفاته المغايرة للشريعة الإلهية. إن الحرية التي كان ينشدها كانت تبدو جذابة وبراقة للغاية. وها إنه قد تخلص نهائياً من سلطة والده وأعلن استقلاله التام عن نمط الحياة التي كان يحياها. ونلاحظ نفس الموقف في حياة الخطاة في أيام السيد المسيح وفي أيامنا هذه. إنهم يبتعدون كل البعد عن الحياة الخاضعة لنور كلمة الله ويذهبون إلى بلاد الخطية البعيدة والغريبة ويخالون أنهم قد وجدوا ضالتهم المنشودة. وبعد وقت يسير يجدون أنفسهم وقد بددوا جميع فرص ومواهب الحياة التي كانوا قد اؤتمنوا عليها.
بدد الابن الأصغر ثروته في وقت قصير ولم تلبث نشوة الحياة المليئة بالخطية إلا وأن ولت تاركة وراءها حطام حياة مشوهة ومفلسة. وزاد على حالته بؤساً حدوث الجوع في تلك المنطقة من البلاد. فما كان منه إلا وأن التصق برجل مزارع أرسله ليرعى الخنازير. يا لها من نهاية محزنة لمن كان قد ذهب وراء حرية زائفة فصار راعياً للخنازير. أليس أيضاً هذا اختبار الناس الذين ينشدون الحرية الخارجة عن نطاق الحياة كما يريدها الله لهم فينتهون في عبودية غاشمة ليس لها مثيل.
لكن المثل الذي ضربه السيد المسيح لا يقف عند ذلك الحد إذ أن الابن الضال رجع إلى نفسه ورأى مغبة ثورته وجنونه وأخذ يواجه الحقيقة لأول مرة في حياته. ويحدث ذلك أيضاً في حياة أولئك الذين ينظرون إلى حياتهم نظرة واقعية فيندمون على حياة الشر والخطية التي كانوا منغمسين فيها ويعودون إلى الله خالقهم وفاديهم طالبين منه الصفح والغفران.
لم يكتف الابن الضال بالرجوع إلى نفسه بل إنه رجع إلى بيت أبيه واعترف بخطيته العظمى ضد الله وضد والده المحب. ومع أنه لم يكن يتوقع بأن يستعيد مكانته ومنـزلته الأولى التي خسرها عن سابق تصميم وتفكير، إلا أن والده فاجأه ورحب به بصورة لا مثيل لها فأقام حفلة فرح وطرب لأن الابن الضال قد رجع إلى والده بعد أن كان ميتاً في مجاهل الخطية والشر والشيطان.
لم يقلل المسيح من خطورة خطية الابن الأصغر ولكنه وجه الأنظار بصورة خاصة إلى خطية لم تكن أقل فداحة من خطية الابن الأصغر ألا وهي خطية الابن الأكبر. وهو يمثل الفريسيين وخبراء الشريعة الموسوية وسائر الذين كانوا يخالون بأنهم لم يكونوا بحاجة إلى التوبة والعودة إلى الله للحصول على غفرانه المجاني.
فمع أن الابن الأكبر بقي عند والده ولم يذهب إلى بلاد بعيدة لتبذير أمواله في السكر والعربدة والزنى، إلا أنه لم يكن ينظر إلى علاقته مع والده على أساس المحبة والثقة المتبادلة. كان يعيش وكأنه مثل الأجراء والعبيد الذين كانوا يعملون في بيت والده. وهذا الذي دفعه بأن يقف موقفاً سلبياً تجاه والده وأخيه التائب ولم يرغب في الانضمام إلى المحتفلين بعودة الابن الضال إلى ربه وإلى بيت أبيه. انتهي المثل الذي ضربه السيد المسيح والابن الأكبر لم يزل خارج البيت وهو يعارض قبول والده لتوبة أخيه.
وهذا هو موقف الفريسيين والكتبة وسائر الذين يسيرون في ركابهم تجاه جباة الضرائب والخطاة التائبين.
إنهم لا يشتركون في فرح السماء عندما يعود خاطىء واحد إلى ربه ويقر بخطيته التي ارتكبها ضد الله وضد أقرانه بني البشر. إنهم يبقون خارج ملكوت الله وينتقدون المخلص المسيح الذي جاء إلى عالمنا المعذب لفداء الخطاة بدمه الزكي الذي سفك على خشبة الصليب.
ليعنا الله لكي لا نقع في خطية الابن الأكبر الذي لم يرغب في رؤية والده يرحب بعودة أخيه الضال الذي كان ميتاً فعاش عندما تاب إلى الله توبة حقيقية. وليكن هدفنا مناشدة الجميع بأن يؤمنوا بالمسيح.
- عدد الزيارات: 2024