معجزة أليشع الخامسة عشرة
إقامة ميت
(2ملوك 13:14-21)
مرض أليشع مرضه الذي مات به، فجاء إليه ملك إسرئيل وبكى على وجهه وقال: »يا أبي يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانها«. نعم كان أليشع جيشاً بكامله يحمي شعبه من الأخطار. فقال أليشع للملك: »خُذْ قوساً وسهاماً وركِّب يدك على القوس وافتح الكوَّة لجهة الشرق«. ففعل الملك كذلك. فقال أليشع: »ارمِ السهام«. فرمى الملك فقال أليشع: »سهم خلاص للرب، وسهم خلاص من أرام، فإنك تضرب أرام في أفيق الى الفناء«. وأفيق هذه تقع شرق نهر الأردن، على بُعد خمسة كيلومترات من بحيرة طبرية. ثم قال أليشع للملك: »خذ السهام«. فأخذها، ثم قال له: »اضرب على الأرض«. فضرب الملك ثلاث مرات وتوقَّف. فغضب عليه النبي أليشع وقال: »لو ضربت خمس أو ست مرات كنت أفنيت أرام. أما الآن فإنك تضرب أرام ثلاث مرات فقط«.
وقد تبدو القصة غريبة، لكنها تعلّمنا درساً في الاستمرار بدون توقف. فعندما يكلّفك إلهك بعملٍ ما، عليك أن تبدأ فيه إلى أن تنتهي منه، وعليك أن تكون طويل الأناة في خدمة الله وفي مقاومة الشر. نبدأ أعمالاً كثيرة صالحة، ولكننا سرعان ما نيأس ونتوقف، ويريد الله أن يعلّمنا درساً في ألاّ يعطلنا شيء عن عمل مشيئته الصالحة. كثيراً ما نبدأ حياة الصلاة ونتوقف. كثيراً ما نبدأ حياة دراسة الكلمة المقدسة ونتوقف. وقد نبدأ في أداء خدمة معيَّنة لله ولكننا لا نستمر فيها. وهذا يحدث أيضاً في حياتنا الثقافية، فقد نبدأ قراءة كتاب لا ننتهي منه أبداً. وقد نبدأ في تعلُّم هواية ولا نتقنها أبداً. لو أننا تعلمنا كيف نثابر ونستمر، سنحقق أهدافنا وننتصر.
عزيزي القاريء، ارمِ مزيداً من السهام بقوة في سبيل الله ومن أجل مجده وبكل طاقتك، لتحقق قصد الله فيك!
ثم مات أليشع ودفنوه:
كان الغزاة الموآبيون يهاجمون بلاد إسرائيل في كل موسم حصاد - كانوا يجيئون كل سنة، بسبب ضعف الحالة الحربية والسياسية في دولة إسرائيل، ليستولوا على المحصول الذي تعب الفلاحون فيه السنة بطولها.
وبينما كان بنو إسرائيل يدفنون رجلاً إسرائيلياً، إذا بهم يرون الغزاة الموآبيين قادمين عليهم، فطرحوا الرجل الميت في قبر أليشع. وحدثت معجزة عظيمة لا نظير لها، لأنه لما نزل جسد الرجل ومسّ عظام أليشع، قام الرجل على رجليه وعاش. هذه معجزة لا شبيه لها. ميت يحيي ميتاً! فما هو الغرض من هذه المعجزة التي لا شبيه لها؟
أقول أولاً: إن هناك سبباً سلبياً. لم يكن القصد من هذه المعجزة أن يكرم الناس عظام النبي أليشع، فلم تكن عظام أليشع أبداً مكان تكريم، ولم يكن قبره أبداً مزاراً لأحد بالرغم من تلك المعجزة العظيمة. إن الله يريدنا أن نعبده وحده، وأن نوجّه إليه هو الاهتمام كله. وحده سامع الصلاة. وحده صانع المعجزات. وما رجاله العظماء إلا مجرد آلات كانوا في يده عمل بهم، ومجّد ذاته فيهم. لكنهم هم أنفسهم ليسوا موضع العبادة.
وأعتقد أن هناك سببين واضحين لتلك المعجزة:
أن نتأمل في قوة الله العظيمة. إن الله الذي يقيم الميت إنما يكرر معجزة خَلْقِ آدم من التراب، ويكرر معجزة أخرى، هي تتويب الخاطئ الميت في ذنوبه وخطاياه ليقيمه من قبر خطيته العفن، وليبعث فيه حياة جديدة. ويقول الإنجيل المقدس لنا: »وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا،... اَللّهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ... لِأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالْإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لِأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللّهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا« (أفسس 2:1-10).
وأعتقد أن هناك سبباً آخر جعل الله يُجري هذه المعجزة بواسطة عظام أليشع: هو أن يفكر الناس في تعليم أليشع بعد موته. لَكَمْ بيَّن أليشع للناس محبة الله وصلاحه وعنايته وقُدرته التي لا نظير لها، بالمقارنة بتلك الآلهة التي كانوا يصنعونها بأيديهم. ترى هل افتكروا ما قاله لهم؟ هل ملكت تعاليمه على قلوبهم؟ ما أسرع ما ينسى الناس، والله يريد أن يذكّرنا بتعاليمه باستمرار، لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن، ولذلك أجرى هذه المعجزة بعد موت أليشع ليذكِّر الناس بتعاليم أليشع.
أيها القاريء الكريم، هذا الكتاب صوت من الله لك، يذكّرك أن الله يحبك ويريد أن يخلّصك من خطاياك ويطهّرك. أرجوك أن تنتبه لصوت الله وأن تفتح قلبك له.
- عدد الزيارات: 2015