معجزة أليشع العاشرة
لَعْن جيحزي بالبرص
(2ملوك 5:19-27)
رأينا كيف أعاد الله الصحة الى نعمان قائد جيش أرام (سوريا) آنذاك، على يدي النبي أليشع. وعندما شعر نعمان بالصحة الكاملة تسري في جسده، وشعر بالفضل، أراد أن يقدّم هدية من مالٍ وثيابٍ لنبيّ الله أليشع، وقال له: »خُذْ بركة من عبدك«. ولكن أليشع رفض وقال: »حيّ هو الرب الذي أنا واقف أمامه، أني لا آخذ«. وألحَّ قائد الجيش السوري على النبي أليشع أن يأخذ، فأبى أن يأخذ أي شيء.
وكان جيحزي خادم أليشع واقفاً، ولم يعجبه أن سيده رفض الهدية، فلما انصرف نعمان السرياني قال جيحزي في نفسه: »امتنع سيدي أليشع أن يأخذ من يد نعمان السرياني ما أحضره من هدايا. إذاً لأَجْرِ وراء نعمان«. وما أن رآه نعمان يركض وراءه حتى نزل من مركبته الحربية، وقال له: »أسلام؟« فأجاب جيحزي: »سلام. كل ما هنالك أن سيدي أليشع أرسلني إليك قائلاً إنه قد جاء إليه غلامان من جبل أفرايم من بني الأنبياء، محتاجان إلى مساعدة، ولذلك فإنه يرجو أن ترسل وزنة من الفضة وحُلَّتين من الثياب«. ولا شك أن نعمان افتكر أنه إن كان أليشع قد رفض أن يأخذ شيئاً لنفسه، فإنه ربما يقبل هدية لأجل غيره. فقال لجيحزي: »بل أرجوك أن تقبل وتأخذ لا وزنة واحدة من الفضة بل وزنتين«. وأعطاه أيضاً حُلَّتين من الثياب.
وطلب نعمان من اثنين من رجاله أن يحملا هذه الهدية ويسيرا بها مع جيحزي. فحملها الرجلان الى أن وصلا إلى أكمَة قريبة من بيت أليشع. وعندها توقف جيحزي وودَّعهما، وأخذ منهما الهدية وأدخلها الى بيته، ثم توجَّه إلى بيت أليشع ليكون هناك في خدمة سيده، كما تعوَّد أن يفعل.
وشعر النبي أليشع بروحه أن خادمه خانه، فسأله: »من أين جئت يا جيحزي؟« فأجاب: »لم يذهب عبدك الى هنا أو هناك«. فقال له النبي أليشع: »لقد أدرك قلبي ما حدث معك عندما نزل نعمان السرياني من مركبته ليلتقي بك. هل هذا وقتٌ لأخذ الفضة ولأخذ الثياب، ولاستخدام الفضة في شراء مزارع زيتون وكروم، وشراء غنم وبقر وعبيد وجوارٍ؟«. والنبي أليشع بهذه الكلمات يوبخ خادمه، لأنه رأى كل ما دار في نفسه وفكره. فقد كان جيحزي يفكر وهو عائد في الأملاك التي سيقتنيها بالمال الذي أخذه من نعمان. ثم قال النبي أليشع له: »برص نعمان يلصق بك وبنسلك الى الأبد«. فإذا بمرض البرص يصيب جيحزي، فخرج من أمام أليشع أبرص كالثلج.
عندما رفض النبي أليشع هدية نعمان السرياني، كان يريد نعمان أن يفكر في قدرة الله، الذي لا يأخذ من البشر أجراً على ما يعطيه، وكان يرجو أن يفكر نعمان أكثر وأكثر في الإله الحي ويحس بمديونيّته له. ولقد حدث هذا فعلاً، عندما طلب نعمان أن يتعبّد لله الحي. وكان يأمل أن قائد الجيش السوري يتوقَّف عن غزو إسرائيل في أية مرحلة قادمة ما دام هو حياً. كان أليشع يفكر في مصلحة روحية لخير نعمان الديني، كما كان يفكر في مصلحة سياسية لخير بلاده.
أما جيحزي فلم يكن يفكر إلا في نفسه. لقد ضيَّع فائدة كبيرة في عالم الدين، وفي عالم السياسة، لأن تفكيره كان مركَّزاً على نفسه فقط. وكم من أشخاص يضيّعون خيراً على ملكوت الله، ويضيّعون خيراً على بلادهم لأنهم لا يفكرون إلا في مصلحتهم الشخصية، ولا ينظرون إلا تحت أقدامهم.
وكان عقاب الله على جيحزي شديداً، فقد حلَّ برص نعمان بجيحزي المسكين.
وعلينا أن نفكر دوماً فيما هو أهمّ من مصلحتنا، كما يعلّمنا الإنجيل المقدس: »لَا تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِآخَرِينَ أَيْضاً« (فيلبي 2:4). إن جيحزي وهو يفكر في نفسه، ارتكب مجموعة أخطاء. لقد كذب على معلّمه أليشع- وهل كان يمكن أن يُخفي عن عيني الله شيئاً؟ لقد خسر جيحزي بهذه الكذبة ثقة سيده.
إن المال الذي ناله من نعمان لم يكن ليعوّض كرامته في عيني أليشع. ألم يكن من المتوقع أن يصير جيحزي نبيَّ بني إسرائيل المقبل، كما كان أليشع خليفة النبي إيليا؟ ولكن بحفنة قليلة من المال ضيَّع جيحزي مستقبله الديني وخدمته لله. كان يمكن أن يدخل التاريخ باعتباره أحد الأنبياء العظماء، لكنه دخل التاريخ باعتباره الخادم الكاذب الأناني الأبرص.
تُعمي الخطية عيني الإنسان، فقد أعمت عيني جيحزي وسط كل الظروف الطيبة التي كان يمكن أن تجعل منه نبياً عظيماً. ومن المؤسف أن استقامة تصرف أليشع، وسيرته الطيبة، لم تغير شيئاً من رؤية جيحزي الضعيفة.
إننا نحتاج أن نُخضع رغباتنا لأفكارنا، فتسود عقولُنا على شهواتنا. وعلينا أن نحترس من الخطية القاتلة، فلا نجعل شهواتنا تهزمنا. لقد كان لجيحزي امتيازات روحية كبيرة، ولكنها لم تبعده عن الخطية، لأن الخطية كانت كامنة في قلبه. ربما تكون ساكناً بالقرب من مكان عبادة. ربما كان واحد من أهلك الأقربين رجلَ دين، لكن ذلك لا يعني أبداً أن حياتك ستكون منتصرة على الخطأ.
عليك أن تسلّم نفسك لله ليحلّ بنعمته داخلك، ليجعل حياتك محل رضاه وبركته، فهذه هي العلاقة الشخصية بينك وبين الله التي يجب أن تنمّيها وتحرص عليها.
- عدد الزيارات: 1864