موسى شخص عظيم
عظيم هو موسى، الرجل الذي استخدمه الله لأنه أحب الله ووضع ثقته فيه. رأينا كيف دفنه الله في الجواء حيث لا يعرف أحد قبره - وفعل الله هذا لكي لا يعبده بنو إسرائيل.
وفي هذا الفصل الأخير من كتابنا نقدم أربع صفات لكليم الله موسى، نصلي أن يجعلها الله من نصيب كل واحد منا.
عبد الرب: (تثنية 34:5)
الصفة الأولى التي لازمت موسى، ونجدها باستمرار في التوراة، هي صفة موسى »عبد الرب«. كما كان إبراهيم »خليل الله« هكذا كان موسى »عبد الرب«. كان موسى كامل الولاء لله، وكانت أمانته لربه في تحقيق ما يأمره به دائماً وأبداً مثلاً أعلى للمؤمنين. فعندما كان في مصر كان يقدم عبادته لله الواحد، مع أن المصريين كانوا يعبدون آلهة كثيرة. وعندما ذهب إلى مديان كان يفكر في الله تفكيراً يملك عليه عقله، حتى أنه سمى ابنه الثاني أليعازر لأنه قال: »إِلهُ أَبِي كَانَ عَوْنِي وَأَنْقَذَنِي مِنْ سَيْفِ فِرْعَوْنَ« (خروج 18:4). وعندما دعاه الله ليخدمه بدأ يطيع أوامر الله، ونفَّذ تعليماته تنفيذاً حرفياً بكل قلبه. ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين إن موسى كان أميناً في كل بيت الله، ولكن بصفته خادماً، وكان ذلك شهادة فيما أعلنه الله فيما بعد. وكانت وصايا موسى لشعبه دائماً بالطاعة الكاملة لله. وعندما كانوا يتذمرون عليه يقول لهم: لماذا تجربون الله؟ وقال لهم مرة: »لماذا تتجاوزون قول الرب؟ الرب إلهك تتقي، إياه تعبد وبه تلتصق. هو صخرك وهو إلهك الذي صنع معك تلك العظائم والمخاوف التي أبصرَتْها عيناك«.
موسى المحبّ:
وهناك صفة ثانية رائعة في موسى وهي محبته، لم يكن موسى يحتمل أن يؤذي أحداً، وكان يمد يد العون للجميع - وحتى عندما أقبل على قتل المصري فعل ذلك لأنه وجد المصري يعتدى على العبراني. وعندما ذهب إلى مديان رأى سبع بنات أتين ليسقين غنم أبيهن، ورأى الرعاة يطردونهن، فأنجدهن وسقى غنمهن. وعندما ثار الشعب ضده في مرات كثيرة كان يقف ليتشفع في الشعب الخاطئ أمام الله، ولذلك تشهد التوراة عنه قائلة: »وأما الرجل موسى فكان حليماً جداً، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض«. إن موسى يقدم لنا نموذجاً في الغفران ومحبة الذين يسيئون إليه.
موسى المؤمن:
هو رجل الإيمان. يقول الإنجيل المقدس عنه: »بالإيمان موسى لما كبر رفض أن يُدعى ابناً لابنة فرعون، بل اختار أن يتحمل المذلَّة مع شعب الله بدلاً من التمتع باللذات الأثيمة. فلقد اعتبر أن تلقي الإهانة من أجل المسيح الآتي، ثروة أعظم من كنوز مصر، لأنه كان يتطلع إلى المكافأة. بالإيمان ترك أرض مصر وهو غير خائف من غضب الملك، فلقد مضى في تنفيذ قراره كأنه يرى بجانبه الله غير المنظور« - لو أن موسى استمر ابناً لابنة فرعون لكان مكان إقامته الآن تابوتاً في المتحف المصري بالقاهرة، لكنه فضل أن يُذلَّ مع شعب الله خضوعاً لمشيئة الله وطاعةً لدعوته، وهكذا أكرمه الله ودفنه بنفسه، وضمَّ روحه إلى الأمجاد السماوية. كان إيمان موسى بالله مطلقاً وكانت ثقته في الله كاملة وعظيمة وقوية، ولا نظير لها. فإن كان إبراهيم أب المؤمنين، فإن موسى نموذج المؤمنين. كان الرب يكلم موسى وجهاً لوجه، كما يكلم الرجل صاحبه لأن موسى صاحب الإيمان الكبير الكامل بالله.
موسى خادم الآخرين:
وهناك صفة رابعة عظيمة في موسى كليم الله، نرجو أن تكون فينا كلنا هي أن موسى لم يكن يفكر في نفسه، لكن في غيره دائماً. كانت دوافعه كلها لا لعظمته الشخصية ولا لشهرته، لكن لخدمة الله وخدمة الآخرين. ألا تستطيع أن ترى هذا الأمير المصري العظيم المثقف يصبح فجأة راعياً للأغنام في مديان؟ وبعد أربعين سنة من عيشته في قصر فرعون يعيش أربعين سنة في الصحراء، يرعى أغنامه. وتستطيع أن تلاحظ محبة موسى لغيره وهو يدفع أخاه هارون ليكون قائداً، بل إنه يصلي لله طالباً أن يمحو الله اسمه من كتابه الذي كتب في سبيل الغفران لإخوته، فكان أن أكرمه الله بأن أبقى اسمه خالداً. لم يطلب موسى لنفسه اسماً مشهوراً، ولا مكانة لأولاده، ولم يعيِّن خليفته من أفراد أسرته، لكنه تحت الإرشاد الإلهي اختار يشوع ليخلفه، فاستحق اللقب الذي أطلقته التوراة عليه »موسى رجل الله.. موسى عبد الرب«. وأن يلقبه صاحب المزامير بقوله: »موسى مختار الرب« (مزمور 106:23).
إننا نصلي أن تكون حياة موسى كليم الله مصدر بركة وإلهام لنا كلنا.
- عدد الزيارات: 3374