Skip to main content

آيات مؤيدة للاهوت المسيح

يعلن الكتاب المقدس، كتاب الله، أن المسيح هو الله منذ الأزل، لكنه قَبِل أن يصير إنسانًا، فولد وعاش ومات كما يحدث مع البشر، وذلك لكي يتمم قصد الله من جهة مشروع الفداء. لكنه لم يولد كما يولد باقي البشر، ولم يعش كما يعيشون، ولا مات كما يموتون، وذلك لأنه مع كونه الإنسان، لكنه ليس مجرد إنسان، بل هو أعظم بما لا يقاس.

وسنتحدث فيما يلي عن خمس مجموعات من هذه الآيات ارتبطت بالمسيح تعلن أنه ابن الله، هذه الآيات هي:

o آيات مولده: المولد العذراوي

o آيات حياته: الحياة القدوسة

o آيات موته: الموت الاختياري

o آيات قيامته: القيامة المجيدة

o ثم نختم ببعض آيات الكتاب المقدس التي تؤكد الحقيقة ذاتها

 

آيات مولده:

آية المولد العذراوي، ثم آيتان مصاحبتان لمولده

أولاً: آية المولد العذراوي

هذه الآية يمكن اعتبارها آية الآيات، ليس فقط لاستحالتها المطلقة من الناحية العلمية، بل لأن لها العديد من الدلالات الأدبية والروحية العظيمة. فالمولد العذراوي يحمل دلالة مبدئية هامة جدًا، وهي أن مجيء المسيح إلى العالم لم يكن بناء على رغبة إنسان، ولا كان في قدرة الإنسان، بل إنه أيضًا كان فوق توقعات الإنسان وتصوراته. وليس هذا بغريب، فالمسيح ليس شخصًا عاديًا اصطفاه الله لنفسه، بل هو ابن الله من الأزل وإلى الأبد. وهو جاء إلى العالم لا بناء على مبادرة من إنسان، بل إتمامًا لخطة الله الأزلية، وفي التوقيت الذي اختاره الله. وفي هذا يقول الكتاب المقدس: «لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة» (غلاطية4: 4).

ويخطئ كثيرًا من يظن أن المسيح بمولده من عذراء يشبه آدم في خلقه. ففي الحقيقة إن الاختلاف هنا أكبر جدًا من المشابهة. فالبعض يقول إن قدرة الله تجلَّت في خلق آدم بدون أبٍ وأمٍ، ثم في حواء التي خلقت من أب وبدون أم، وأخيرًا في المسيح الذي ولد من أمٍ بدون أب. لكن هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فآدم مخلوق من الله خلقًا مباشرًا، وبالتالي فإنه ليس له أب أو أم. وبالنسبة لحواء فآدم لم يكن أبًا لها بل زوجها. والله لما خلق حواء من ضلعة أخذها من آدم، كان غرضه من ذلك توضيح نظرة الله المقدسة للزواج، وأنهما في نظر الله جسد واحد. لكن لا آدم ولا حواء وُلد، بل الله خلقهما، كقول الوحي الكريم: «فخلق الله الإنسان, ذكراً وأنثى خلقهم» (تكوين1: 27).

لكن بعد حادثة خلق آدم وحواء، فإن الله جعل طريقة الدخول إلى العالم هي طريقة واحدة، لا يمكن أن يحدث دخول إلى العالم بغيرها، وهي تزاوج رجل بامرأة. واستمر هذا الأمر آلافًا من السنين، فيها وُلد ملايين وبلايين البشر بهذه الطريقة الوحيدة. إلى أن جاء المسيح، فوُلد، ولكنه وُلد بطريقة مختلفة تمامًا عن سائر البشر.

لماذا؟

ليس من سبب لذلك سوى أن المسيح مختلف عن كل البشر.

ويمكن القول إن آدم خُلق ولم يولد، وكذلك حواء. أما المسيح فقد وُلِد ولكنه لم يُخلَق.

وآدم قبل خلقه لم يكن له وجود، ولا حواء كانت موجودة قبل خلقها، لكن المسيح كان موجودًا قبل ولادته. قال المسيح في إنجيل يوحنا 8: 58 «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن».

إذاً فمسألة الميلاد العذراوي، لها أبعاد تختلف عن مجرد قدرة الله، التي نحن نؤمن بها تمامًا، بل إنها تؤكد سمو شخص المسيح. فهذا العظيم عندما دخل إلى العالم، لم يدخله بالطريق الذي دخل منه سائر البشر.

في المطارات ومحطات السكك الحديدية الكبرى، يكون هناك عادة باب لا يفتح إلا للملوك والعظماء دون جماهير البشر الآخرين. على أن الباب الذي دخل منه المسيح إلى العالم لم يُفتح ولا حتى للمشاهير والعظماء، ولا للرسل أو الأنبياء، بل لشخص واحد في كل الكون، وذلك لأن المسيح ليس واحدًا من زمرة الأنبياء، بل هو يختلف اختلافًا جوهريًا وجذريًا عن سائر البشر، سواء في حقيقة شخصه، أو غرض مجيئه إلى العالم.

آيتان مصاحبتان لمولده

أولاً: آية ظهور الملائكة للرعاة

عندما وصل ابن الله إلى العالم، فقد أعلنت السماء لسكان الأرض هذا الخبر العظيم، ميلاد المسيح. ولقد وقع اختيار السماء على قوم من الرعاة البسطاء، كانوا محط اهتمام السماء، لأنهم أتقياء، رغم أنه لا وزن لهم أو تقدير عند العظماء. وكان هؤلاء الرعاة الفقراء أول من سمع بخبر ميلاد الفادي، في ذات ليلة الميلاد.

لقد أتى ملاك السماء لهؤلاء الرعاة يقول: «لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لجميع الشعب، إنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة؛ تجدون طفلاً مقمطًا مضجعًا في مذود» (لوقا2: 10-12).

من هو هذا الذي بمولده تتحرك السماء، وتعلن خبر مولده؟ قبل أن يولد يوحنا المعمدان قال الملاك جبرائيل لزكريا أبيه: «كثيرون سيفرحون بولادته»، وأما عند مولد المسيح فكانت كلمات الملاك للرعاة أن الفرح العظيم سيكون ”لجميع الشعب“! وذلك لأنه ولد لهم ”مخلص هو المسيح الرب“!

إذًا فلقد أعلن ملاك السماء لهؤلاء البسطاء مجدًا ثلاثيًا عن المسيح: فالذي ولد هو المخلص، وهو المسيح، وهو الرب!

يا للبشرى السارة! أخيرًا وُلد المخلِّص.

ونحن نعلم أن المسيح أتى مخلصًا، لا من عدو أرضي، ولا من مشكلة وقتية، بل من الخطايا! دعنا لا ننسى أن الله في العهد القديم كان قد صرح بشكل حاسم بأنه هو وحده المخلص، عندما قال: «أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص» (إشعياء 43: 11)، وأيضًا: «أ ليس أنا الرب ولا إله آخر غيري، إله بار ومخلص، ليس سواي» (إشعياء 45: 21). وها قد أتى المسيح لكي يخلص شعبه من خطاياهم، وذلك لأنه هو الله الذي ظهر في الجسد

وبمجرد أن نطق الملاك بهذه العلامة العجيبة حتى حدث شيء عجيب آخر، إذ انشقت السماء على جمع حاشد من الملائكة المسبحين لله، وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. فهو إن كان طفلاً مقمطًا في مذود، إلا أنه موضوع تسبيح ملائكة السماء! إنه ابن الإنسان المتواضع وابن الله العظيم في آنِ! «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد ,. تراءى لملائكة!» (1تيموثاوس3: 16).

ثانيًا: آية ظهور نجم السماء

لقد ارتبط مولد المسيح أيضًا بظهور نجم في السماء لمجوس من بلاد المشرق. كان هؤلاء المجوس علماء في الطبيعة والفلك. ولقد رأوا نجمًا يدل على مولد المسيح، فأتوا ليسجدوا له. فكما كلم الله الرعاة باللغة البسيطة التي يفهمونها، فقد كلم المجوس أيضًا بلغة الفلك التي يفهمونها.

وعندما أتى المجوس فقد قالوا عبارتهم الصغيرة، لكن العميقة: «إننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لسنجد له» (متى2: 2). لاحظ إنهم لم يقولوا رأينا نجمًا في السماء، بل رأينا ”نجمه“!

وهؤلاء المجوس ما أن رأوا نجمه، وعرفوا بمولده، فقد شدوا الرحال فورًا إلى أورشليم. فماذا رأوا بعد كل هذا العناء وتلك المشقة؟! لم يروا شخصًا في قصرٍ عظيمٍ، بل رأوا طفلاً صغيرًا في مكان بسيط ومتواضع، تحمله امرأة رقيقة الحال. لكن ما كان أعظم إيمانهم، فهم من خلال حجاب الاتضاع وستار الفقر رأوا مجده!

لم يسجد هؤلاء المجوس الحكماء لهيرودس عندما رأوه في قصره، مع كل مظاهر العظمة الزائفة التي كانت تحوطه، لكنهم سجدوا لذلك المولود، ذلك الملك الجليل. ثم لاحظ أيضًا أنهم لما سجدوا لم يسجدوا لسواه. فلا يُقال مثلاً إنهم سجدوا للعائلة المقدسة، بل «خروا وسجدوا له» (متى2: 11).

 

آيات حياته

وأقصد بها آية حياتة الخالية من الخطية، ثم آيتان مصاحبتان

آية حياته القدوسه

قال واحد أنا أومن بلاهوت المسيح لأن كمال ناسوته هو الحجة على كمال لاهوته. فبخلاف جميع البشر، لم يعتذر المسيح على تصرف عمله، ولم يسحب كلمة قالها. لقد قال المسيح لليهود أعدائه: «من منكم يبكتني على خطية؟» (يوحنا8: 46). فلم يستطع واحد منهم أن ينبس ببنت شفة!

ما السر أن المسيح وحده، دون كل البشر، الذي لا يسجل له الوحي المقدس ولا التاريخ البشري أية خطية، لا بالفكر ولا بالقول ولا بالعمل؟ السبب أنه لم يكن مجرد إنسان. إن القداسة صفة أصيلة في الله، كما قالت عنه السرافيم: «قدوس قدوس قدوس، رب الجنود» (إشعياء6: 3). فليس عجيبًا أنه عندما يولد ابن الله، يقول عنه الملاك جبرائيل للمطوبة العذراء مريم: «القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لوقا1: 35).

لقد عاش المسيح هنا فوق الأرض أكثر من ثلاثين سنة، وتكالبت ضده كل قوى الشر، وتجرب بكل التجارب نظيرنا تمامًا، ولكن يؤكد الوحي أنه تجرب بلا خطية. لقد سقط آدم في الخطية والتعدي فورًا عندما تجرب من امرأته، وسقطت حواء في الغواية عندما غرتها الحية، وأما المسيح القدوس فلقد تجرب من كل حدب وصوب، ولكنه قط لم يسقط أمام التجربة.

ونعرف من كتاب المقدس وكتاب الاختبار أنه لم يوجد من لم يسقط في التجربة أمام الشيطان من البشر، بل لقد نجح الشيطان أيضًا في إسقاط جمهور كبير من الملائكة (ارجع إلى رؤيا 12: 4، 7؛ متى 25: 41). لكن هناك شخص وحيد في الأرض وفي السماء، لم ينحن لتجارب الشيطان، هو المسيح.

لقد قال عنه الرسول بطرس: «لم يفعل خطية» (1بطرس2: 22)، وقال عنه الرسول بولس: «لم يعرف خطية» (2كورنثوس5: 21)، وقال عنه الرسول يوحنا: «ليس فيه خطية» (1يوحنا3: 5). الشياطين نفسها اعترفت بأنه القدوس فقالت: «أنا أعرفك من أنت، قدوس الله» (مرقس 1: 24)، والوالي الذي فحص قضيته وحكم عليه بالصلب اعترف سبع مرات أنه لم يجد فيه علة واحدة (متى 27: ؛ ؛ )؛ ويهوذا الخائن الذي أسلمه، رد الفضة بندم قائلاً: «أخطأت إذ سلمت دمًا بريئً,. ثم مضى وخنق نفسه» (متى27: 4، 5)؛ واللص الذي كان مصلوبًا إلى جواره قال: «هذ, لم يفعل شيئًا ليس في محله» (لوقا23: 41)؛ وقائد المئة الذي كُلف بعملية صلب يسوع وحراسته، قال: «حقًا كان هذا الإنسان بارًا» (لوقا23: 47). وأما المسيح فقد شهد هو عن نفسه قائلاً: «الآب معي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه» (يوحنا8: 28).

آيتان مصاحبتان لحياته

رأينا أنه عند ولادة المسيح حدثت آيتان عظيمتان، واحدة في السماء الأولى (عندما ظهر للرعاة جمهور من الجند السماوي مسبحين الله)، والأخرى في السماء الثانية (عندما ظهر للمجوس نجم خاص به، قادهم إلى حيث كان المسيح الملك)، ولكن في حياة المسيح حدثت آيتان في السماء الثالثة، فالله لم يكتف بملائكته يرسلهم، ولا بنجم يُظهِره، بل في بداية خروج المسيح للخدمة، ثم قرب نهايتها، أعلن الله بنفسه من سماواته أنه وجد سروره بهذا الشخص الكامل الفريد. حدث ذلك في مياه نهر الأردن، ثم مرة ثانية من فوق جبل التجلي.

أولاً: معمودية المسيح

لقد قصد المسيح أن يبدأ خدمته الجهارية بالمعمودية من يوحنا المعمدان المرسل من الله ليهيء الطريق قدامه. وفي المعمودية جاءت شهادتان سماويتان: شهادة منظورة وأخرى مسموعة، الأولى هي شهادة الروح القدس النازل من السماء المستقر على المسيح، والثانية هي شهادة الآب يتكلم من سماواته المفتوحة فوق المسيح!

ونلاحظ أن الوحي لا يقول إن السماوات ”انفتحت“، بل ”انفتحت له“. ولقد سُر الله، بدخول المسيح إلى الخدمة، أن يعلن في معمودية المسيح أول إعلان واضح عن حقيقة الثالوث في المسيحية. فالمسيح خرج من المعمودية (هنا نرى الابن)، والروح القدس نزل بهيئة جسمية مثل حمامة (هنا نرى الروح القدس)، والآب من السماء يشهد عن المسيح قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى 3: 17).

ثانيًا: حادثة التجلي

لقد كانت المعمودية في بداية خدمة المسيح، بينما التجلي كان قرب نهاية خدمته له المجد. لقد خرجت السماء عن صمتها عند مشهد المعمودية لأن المسيح القدوس البار نزل إلى مياه الأردن، واتحد نفسه مع الخطاة التائبين. ولكي لا يحدث خلط بينه وبين الخطاة، فإن الآب ميزه في الحال، قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى3: 17). ومن فوق جبل التجلي كرر الآب على مسامع تلاميذه الإعلان عينه، لا ليميزه عن الخطاة التائبين، بل ليمزه عن القديسين!

لقد أخطأ بطرس عندما قال للمسيح: «يا رب، جيد أن نكون ههنا! فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة». نعم أخطأ بطرس حينما ساوى الخالق بالمخلوق، والابن بالعبد، والسيد بالخادم. لذلك نقرأ: «وفيما هو يتكلم إذ سحابة نيرة ظللتهم، وصوت من السحابة قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا. ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جدًا. فجاء يسوع ولمسهم وقال: قوموا، ولا تخافوا. فرفعوا أعينهم ولم يروا إلا يسوع وحده»

ولقد انتهى مشهد التجلي الجميل بسقوط التلاميذ على وجوههم وخوفهم الشديد. ولعل النور الفائق، وصوت الآب من المجد الأسنى، سببا لهم هذا الخوف الشديد، فلقد كانوا ما زالوا في أجسادهم الترابية التي لا تتحمل بهاء النور وعظمة المشاهد السمائية، لكن المسيح جاء ولمسهم. والمسيح في هذا يقف موقف المباينة ليس فقط من التلاميذ، بل أيضًا من موسى وإيليا العظيمين، فموسى قال يوم أن رأى مشهد جبل سيناء وقد وقف الرب عليه: «أنا مرتعب ومرتعد» (عب12: 21)؛ وإيليا أيضًا لف وجهه بردائه يوم أن استشعر عبور الرب أمامه وهو في المغارة (1ملوك19: 13). وأما المسيح فقد أتى لتلاميذه وشجعهم، ويقول لنا البشير متى: «فرفعوا أعينهم ولم يروا إلا يسوع وحده» (متى 17: 8).

لقد عاد كل من موسى وإيليا إلى راحتهما، وظل المسيح في صورة العبد، ليواصل مسيرة الطاعة والتواضع حتى يختمها بالصليب. فماذا كان سيفعل لنا موسى وإيليا لو أنهما تُركا، وأخذ المسيح؟ لكن حمدًا لله «الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين» (رومية 8: 32).

ويلذ لنا أن نلحظ كيف في كل المواقف التي وصل فيها اتضاع المسيح العجيب إلى بعد كبير، أرادت السماء فورًا أن تأكد على عظمته:

فعندما ولد في مذود للبهائم، ظهر جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».

وعندما اتحد نفسه مع الخطاة التائبين «السماء انفتحت له».

وبعد الإعلان الأول عن رفض اليهود له وقتله (متى16: 21)، تبع ذلك مباشرة حادثة التجلي (متى 17: 1-8)، حيث جاءت شهادة الآب ثانية من السماء بأنه ”الابن الحبيب“ الذي فيه وجد الآب سروره.

وأخيرًا في موته فوق الصليب حدثت أعاجيب الجلجثة المذكورة في متى 27، كما سنرى بعد قليل.

 

آيات موته:

آية موته الاختياري، ثم آيتان مصاحبتان

آية موته الاختياري

ذكرنا أن المسيح لم يولد كما يولد باقي البشر، بل ولد بمعجزة، ولم يعش كما يعيشون، فعمل ما لا يحصى من العجائب والمعجزات وشهدت له السماء بالآيات، ثم إنه لم يمت كما يموت الآخرون، وذلك لأنه مع كونه إنسانًا، ولد وعاش ومات، لكنه ليس مجرد إنسان، بل هو أعظم بما لا يقاس.

ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن المسيح عندما مات كان موته موتًا اختياريًا، فنحن لا نسمعه يقول - بصوت متهدج – كما قال الملايين في كل العصور: ها أنا أغيب عن وعيي وأخور، ولا حتى قال كما فعل بعض القديسين قبله: «ها أنا ذاهب في طريق الأرض كلها» (يشوع14: 23؛ 1ملوك2: 2)، بل ما أروع ما نقرأه عندما حانت ساعة الموت: «صرخ بصوت عظيم وأسلم الروح».

قال أحد الأفاضل: ”مَن فينا يذهب ولو إلى النوم، وينام بإرادته كما فعل هو - تبارك اسمه - عندما مات؟ مَن فينا يخلع ملابسه بسهولة ويسر، بمطلق رغبته، كما فعل يسوع عندما خلع جسده؟ من فينا يخرج من باب غرفته عندما يريد، كما فعل سيدنا عندما خرج من هذا العالم وقت أن أراد؟“

ثم ما أعظم هذا التعبير الذي تكرر في الأناجيل الأربعة جميعًا «أسلم الروح». فروحه لم يأخذها أحد منه عنوة، بل كما قال له المجد «أضعها أنا من ذاتي» (يوحنا10: 18). نعم لم تؤخذ روحه منه قهرًا، بل بكامل إرادته واختياره قَبِلَ الموت. وبلغة إشعياء 53: 12 «سكب للموت نفسه».

آيات مصاحبة لموته

يقول الوحي:

«إن يسوع صرخ بصوت عظيم وأسلم الروح. وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت، والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدا وقالوا حقا كان هذا ابن الله».

والعجائب السابقة حدثت من كل اتجاه: من السماء، ومن الأرض، ومن تحت الأرض. وأخيرًا من هيكل الله في أورشليم! ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين:

علامات طبيعية

علامات روحية

علامات طبيعية: عودة النور وحدوث الزلزلة

كانت ظلمة الجلجثة خلال الساعات الثلاث الأخيرة للمسيح فوق الصليب، ظلمة معجزية. وبمجرد أن أسلم الرب يسوع الروح، عاد النور من جديد كما كان.

وأما عن الزلزلة فقد كانت زلزلة عظيمة إلى درجة أن الصخور نفسها تشققت. وكما أظلمت شمس الطبيعة وهي ترى ”شمس البر“ متألمًا، فقد ترنحت الصخور عندما مات ”صخر الدهور“.

ومن الجميل أن نتذكر أنه منذ ذلك اليوم وإلى الآن فإن قلوبًا أقسى من الحجر تشققت في توبة حقيقية، وتخلصت من قوة الموت والخطية!

علامات روحية: تفتح القبور وانشقاق حجاب الهيكل

يا لروعة هذه العجيبة. لقد تفتحت القبور التي كانت تضم رفات القديسين، ودخلت في الجثث حياة جديدة! وبعد قيامة ”باكورة الراقدين“، الذي هو ربنا يسوع المسيح، خرج هؤلاء أيضًا من مخادعهم، وظهروا لكثيرين في المدينة المقدسة. ويخبرنا الوحي أن الذين قاموا كانوا كثيرين، وأنهم ظهروا في أورشليم لكثيرين. وهذا معناه أن المسيح بموته كسر شوكة الموت، ووضع الأساس لإبادة ذاك الذي كان ”له سلطان الموت أي إبليس“ (عبرانيين2: 14).

وأما انشقاق الحجاب فنحن نعلم أن قدس الأقداس في هيكل أورشليم كان هو مكان حضور الله الرمزي وسط شعبه. وكان ”الحجاب“ الذي يفصل بين القدس، حيث خدمة الكهنة، وقدس الأقداس حيث مسكن الله الرمزي، تعبيرًا عن عدم السماح للإنسان بالاقتراب من محضر الله. لكن يا للدهشة التي أصابت الكهنة بني هارون عندما انشق الحجاب السميك، دون أن تلمسه يد بشرية، وكأن يد الله هي التي شقته، إذ يوضح الكتاب المقدس أن الحجاب انشق من فوق إلى أسفل!

,,

في بداية خدمة المسيح ليعلن الآب جانبًا عن عظمة ذلك الشخص المجيد، فقد شق السماء له (مرقس 1: 10)، والآن ليعلن رضاه عن عظمة عمله الذي عمله، فقد شق حجاب الهيكل!

ويعلق كتبة البشائر على هذا الأمر بالقول: «وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدًا وقالوا حقا كان هذا ابن الله».

لقد كان قائد المئة - المكلف مع فرقته للقيام بحراسة المصلوبين - وثنيًا، لكنه لما رأى جانبًا من تلك الأعاجيب فقد وقف يتأمل في ذلك المصلوب العجيب. كان شاهد عيان لعملية الصلب، وشده يقينًا مسلك ذلك الشخص الفريد. ورأى الظلمة تكسو المشهد لمدة ساعات ثلاث ثم تنسحب. كما أنه سمع عبارات المسيح السبع التي نطق بها من فوق الصليب، وشاهد الوقار والجلال اللذين كانا له طوال فترة الصلب. ولاحظ كيف دخل إلى الموت بإرادته بعد أن صرخ بصوت عظيم، ثم رأى التلال تترنح والصخور تتشقق. ونحن نعلم أن الزلازل على مر التاريخ كانت من أكثر الظواهر الطبيعية التي ترهب الإنسان وتفزعه. لذلك فإن قائد المئة والذين معه، لما رأوا ذلك كله، فقد خرجت من أرواحهم المرتعدة تلك الصرخة الواضحة والمعبرة: «حقًا كان هذا ابن الله» (متى27: 54؛ مرقس15: 39).

يقول البعض أن كلمة ”ابن الله“ في الأصل اليوناني وردت بدون أداة تعريف، وعليه فإنها لا تعني ابن الله بل ابنًا لله، ولكننا نرد عليهم بمنطقهم فنقول إن هذه العبارة أيضًا وردت خالية من أداة النكرة، فلا يصح ترجمتها ”ابنًا لله“. لكن الأكثر من ذلك فإن قادة الأمة استخدموا التعبير ذاته في يوحنا 19: 7 عندما اشتكوا يسوع أمام بيلاطس أنه جعل نفسه ”ابن الله“، بالمعنى الذي نفهمه نحن. ويعلق البشير على ذلك بالقول إن بيلاطس ازداد خوفًا! كل الفارق أن رؤساء الكهنة قالوها في أسلوب تهكمٍ ورفض، بينما قائد المئة والذين معه قالوها بتصديق: «بالحقيقة كان هذا ابن الله»!

ترى عزيزي القارئ هل تقولها أنت أيضًا؟ ثم بأي أسلوب تقولها؟ إن عبارات قائد المئة والذين معه تعلن لنا نصرة المصلوب. فلا يقدر أحد أن يؤمن بلاهوت المسيح إلا بالروح القدس (1كورنثوس 12: 3). وعلى مر التاريخ كثيرون من ألد أعداء المسيح والمسيحية تغيَّروا في لحظة واحدة، وليس من تفسير لذلك سوى عمل روح الله السري في داخل القلوب. فهل لك نصيب في هذا الإيمان الثمين، ”إيمان مختاري الله“، أيها القارئ العزيز؟

 

آية قيامته، ثم آيتان مصاحبتان

آية القيامة

بعد حياة القداسة والكمال، والخير والصلاح التي عاشها المسيح فوق الأرض، رفع فوق الأرض بالصليب لكي يموت نيابة عن الخطاة، ولكنه فعل ما هو أكثر من ذلك، إذ ذاق الموت بنعمة الله، ونزل إلى القبر. لقد رُبط المسيح بوثق الموت المتينة وحباله القوية، ودُفِن. فهل استطاعت تلك القيود الباردة أن تمسك به، كما أمسكت قبلاً بكل من قيدتهم؟ الإجابة كلا، فلقد قام المسيح من الأموات ناقضًا أوجاع الموت، مقطعًا حباله، في ذات اليوم الذي كان قد سبق هو وحدده

فالمسيح ليس فقط مات بكامل إرادته، وعندما أراد وكما حدد، بل أيضا قام بكامل إرادته عندما أراد وكما حدد. فلاعجب أن يعلق الرسول بولس على هذه آية قيامته بالقول: «تعيَّن (تبرهن) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رومية1: 4). فإقامة المسيح لنفسه من بين الأموات من أقوى الأدلة على لاهوته.

ما زال الموت في نظر الكثيرين عدو مخيف، أمامه تنحني كل الجباه، وتصمت كل الأفواه. لذا سُمى في الكتاب المقدس «ملك الأهوال» (أيوب18: 14). لقد «وضع للناس أن يموتوا مرة، ثم بعد ذلك الدينونة» (عبرانيين 9: 27). من ذا الذي يستطيع أن يهزم ذلك الملك الرهيب، العدو الأول للبشرية؟ إنه ليس مجرد إنسان. صحيح هو إنسان، ولكنه أكثر من ذلك بكثير. وإقامته لنفسه من بين الأموات دلت على أنه هو «الله (الذي) ظهر في الجسد».

يقول داود في المزمور: «قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب، وكل من لم يحي نفسه» (مزمور22: 29). وهي عبارة تنطبق يقينًا على كل بني آدم، فقد يستطيع الإنسان أن يميت نفسه، لكن أين هو الإنسان الذي يقدر أن يحيي نفسه؟ لقد صار الحكم على جميع البشر أجرة للخطية التي ارتكبها آدم في الجنة، فقال له الرب: «لأنك تراب، وإلى تراب تعود» (تكوين3: 19). والعجيب أن المسيح نفسه شاركنا في هذا عندما أتى ليحمل عنا عقوبة الخطية، فيقول في المزمور كحامل الخطايا: «إلى تراب الموت تضعني» (مزمور22: 15). ولكن مع أن المسيح شاركنا في الجزء الأول من الآية، وانحدر إلى التراب، ولكن - لأنه كان مختلفًا عنا – لم يشاركنا في بقية الآية، إذ إنه أقام نفسه من الأموات!

والواقع أن هذا هو منتهى العجب، فالموت هو عين الضعف البشري، وإقامة الميت من قبره هو عين القوة الإلهية، فكيف يجتمع التقيضان معًا في شخص واحد؟ كيف يجتمع منتهى الضعف ومنتهى القوة في الوقت ذاته؟ كيف يلتقي الضعف البشري مع القوة الإلهية في الشخص نفسه؟ الإجابة لأن المسيح مع أنه صار إنسانًا، لكنه لم يكف لحظة عن أن يكون ابن الله الذي ظهر في الجسد.

آيتان مؤيدتان لقيامته

نحن نقرأ أقوال المسيح عن إقامته لنفسه، في آيتين وردتا في إنجيل يوحنا؛ الأولى في بداية خدمته، والثانية قرب ختامها.

الآية الأولى كانت بمناسبة تطهير الهيكل في زيارة الرب الأولى لأورشليم بعد خروجه للخدمة، وكانت ردًا من المسيح على اليهود عند طلبهم منه آية تبرهن أنه ابن الله، فقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه» (يوحنا2: 19). لقد ظنوا أنه يتحدث عن هيكل هيرودس الذي استغرق بناؤه ستًا وأربعين سنة، وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. «فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال».

والآية الثانية كانت ضمن حديث الرب الشامل مع اليهود بعد أن شفى الرجل المولود أعمى، ووهبه البصر، فكانت النتيجة أن طردوه خارج المجمع. ولقد تحدث الرب عن خرافه ومحبته لها، وكذلك عن محبته للآب، وكان من ضمن ما قاله في هذا الحديث: «لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها (أي نفسي) مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا» (يوحنا10: 17).

آيات الكتاب تشهد عنه

إن المسيح الذي ظهر في أول العهد الجديد هو نفسه مسيح الكتاب المقدس بعهديه. ومع أن التوراة أساسًا كتاب يهودي، واليهود لا يؤمنون بالمسيح، فإنه كما تحدث العهد الجديد بوضوح عن لاهوت المسيح، كذلك فعلت أسفار العهد القديم

وسنكتفي من العهد القديم بآيتين من نبوة إشعياء أول أسفار الأنبياء، التي تحدثنا عن تطلعات القديسين في التدبير السابق؛ ومن العهد الجديد بآيتين من رسالة رومية، أولى الرسائل، التي تحدثنا عن مجمل الحق المسيحي.

الآية الأولى في إشعياء 7: 14 حيث ترد النبوة عن مولد المسيح العذراوي، ولكن ليس فقط عن هذا الميلاد المعجزي بل أيضا عن اسم المولود العجيب.

يقول إشعياء: «وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» (إشعياء7: 14).

وعندما يقول إشعياء: ”ها العذراء“، فكأنه يتطلع بمنظار النبوة عبر القرون والأجيال الممتدة أمامه، ويقول: ها هي. إني أراه ولكن ليس قريبًا، وأبصره ولكن ليس الآن. وقوله ”العذراء“، فالكلمة هنا تدل بحسب الأصل العبري أنه كان يقصد عذراء بذاتها، وليس أي عذراء في إسرائيل، حيث ترد في الأصل معرفة وليس نكرة. هذه العذراء المقصودة بذاتها ستحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل.

والآن، ماذا يعني هذا الاسم ”عمانوئيل“؟

إنه يعني ”الله معنا“.

وللتأكيد على هذا المعنى، وأن هذا ليس مجرد اسم لشخص عادي يدعى عمانوئيل، كما قد يحدث في أيامنا، ولا هو ابن النبي إشعياء كمما ادعى البعض، فإن الأصحاح التالي تحدث عن أرض الرب التي سيغزوها ملك أشور. وفيه يقول النبي، كأنه يستغيث بالمولى صارخًا: «يكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل» (إشعياء8: 8).

إذا فعمانوئيل ليس أحد آخر غير المسيا، الذي الأرض أرضه، والذي «إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله» (يوحنا1: 11). عمانوئيل هو صاحب الأرض، عمانوئيل هو يهوه الذي يملك الأرض. و”يهوه“ هو مولود العذراء!

أن تحبل العذراء، هذا منتهى العجب! لكن كون الطفل المولود هو ”عمانوئيل“، الله معنا. فهذه آية أروع من أن العذراء تحبل، وكانت هذه الطريقة المعجزية في الميلاد، تليق بمقدم «الكائن على الكل الله المبارك إلى الأبد» (رومية9: 5).

والآية الثانية وردت في إشعياء 9 حيث يقدم النبي اسمًا خماسيًا للمسيا فيقول:

«لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه. ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام» (إشعياء9: 6).

هنا نقرأ عن ناسوت المسيح عندما يقول النبي: «لأنه يولد لنا ولد». فالذي ولد هو الإنسان، ولكنه أيضا يحدثنا عن لاهوته عندما يقول: «نعطى ابنًا»، فهو كابن الإنسان ولد، وكابن الله أعطي لنا! من ثم يذكر هذا الاسم الخماسي للمسيح، وهذه الخماسية كلها تدل على عظمته وسموه.

”ويدعى اسمه عجيبًا“. ولعل وجه العجب حقًا أنه يجمع في نفسه صفات اللاهوت كلها وصفات الناسوت كلها. كيف؟ هذا سر يفوق العقول. «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» (1تيموثاوس3: 16).

”مشيرًا“: وهي صفة من صفات اللاهوت التي تحدث عنها إرميا إذ أشار إلى الرب بالقول «عظيم في المشورة، وقادر في العمل» (إرميا 32: 19).

”إلهًا قديرًا“وبالعبري ”إيل جيبور“: وإيل هنا هو المقطع الأخير من ”عمانوئيل“.وأما اسم ”إيل جيبور“، فهو عينه الاسم الذي ورد في إشعياء10: 21 وترجم هناك ”الله القدير“. نعم إن أحد أسماء المسيح هو ”الله القدير“. إنه هو الذي يرد عنه في الرسالة إلى العبرانيين 1: 3 أنه «ابنه, وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته». ما أعظم ما تعنيه هذه الكلمة الصغيرة: ”كل الأشياء“! ما لا يحصى من المجرات والنجوم يحملها المسيح بكلمة قدرته! إنه هو الذي يحمل الفلك!

«أبًا أبديًا» أو بكلمات أخرى ”أبو الأبدية“. بمعنى منشئ الأبدية. فهو مصدر الزمن، هو قبل الزمن وبعده أيضًا.

«رئيس السلام»: هنا نجد التأثير العجيب لحضوره، فهو يأتي بالسلام!

ثم لننتقل إلى آيتين في العهد الجديد، في رسالة رومية:

الآية الأولى:

«الله بيَّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا» (رومية 5: 8).

آية عظيمة تحدثنا عن محبة الله من نحونا. وماذا كان تعبير تلك المحبة؟ يقول الرسول: «مات المسيح لأجلنا». فموت المسيح إذًا هو مقياس محبة الله! بعبارة أخرى: المسيح هو نفسه الله.

والآن تفكر عزيزي القارئ في هذا الأمر السامي العجيب: أ يمكن أن تتصور أن الله يحبك؟ يحبك أنت. وإلى أي درجة هو يحبك؟ إلى الدرجة التي فيها يضحي بابنه الوحيد لأجلك؟

ترى ما هو صدى هذه المحبة في نفسك؟ أ لعلك تتجاوب معها بالإيمان؟ ليتك تفعل ذلك الآن.

الآية الثانية:

«المسيح, الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد» (رومية 9: 5)

ومع أن الرسول في هذه الآية يؤكد على ناسوت المسيح إذ يقول إنه أتى من إسرائيل حسب الجسد، ولكنه يوضح أنه هو «الكائن على الكل (الله) المبارك إلى الأبد». إنها الأحجية عينها، فهو أتي منهم (بحسب الجسد)، وأما بلاهوته فهم منه، وهو فوق الكل. تمامًا كما قال إنه ذرية داود، كما أنه أصله! (رؤيا22: 16)، وهو ابن داود وفي الوقت نفسه هو ربه! (مزمور 110: 1)، وهو يخرج من يسى من جهة الجسد، وهو ”أصل يسى“ بلاهوته! (إشعياء11: 1، 10).

يقال عن المسيح هنا إنه الله، تمامًا كما قيل عنه ”الله العظيم“ (تيطس 2: 13)، و ”الله القدير“ (إشعياء9: 6)، و ”الله الحقيقي“ (يوحنا الأولى 5: 20)، و ”الله معنا“ (متى 1: 23). له كل المجد.

  • عدد الزيارات: 3067