المسيح في الكتاب المقدس
1 لاهوت المسيح.
لا بدّ للباحث في المسيحيّة، أن يقف أمام عدد من القضايا الخطيرة. ولعلّ أخطرها لاهوت المسيح. وأعني بكلمة لاهوت المسيح، اعتقاد المسيحيّين بأنّ يسوع، الذي وُلِد من مريم العذراء في فلسطين، وعاش على أرضنا ردحاً من الزمن، هو ابن الله والله الابن.
قد يبدو هذا الاعتقاد صعباً لكثيرين، إلاّ أنّ الصعوبة لا تضير المسيحيّة في كونها ديناً واحداً صحيحاً، لأنّ اعتقاد المسيحيّين لا يستلزم وجود سابق ولاحق، وأكبر وأصغر، أو ما شابه ذلك. بل أنّ الله واحد، وإنّما أُعلن لنا بهذه الأسماء، لكي يُظهر ترتيب عمل الفداء.
وقبل الانطلاق في التأمّل في لاهوت المسيح، ينبغي أن نتوقّف قليلاً أمام الإعلانات المعروفة في الكتاب المقدّس عن أُبوّة الله للمسيح :
أ إعلانات الآب : قال ملاك الله لمريم العذراء : هَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ العَلِيِّ يُدْعَى الإنجيل بحسب لوقا 1 : 31 و32.
وحين وُلد يسوع تمّت النبوّة القائلة في إشعياء وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً : هَا العَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابناً وَتَدْعُو ا سْمَهُ عِمَّانُوئِيل إشعياء 7 : 14 والإنجيل بحسب متّى 1 :23.
فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ المَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً : هذَا هُوَ ابنِي الحَبِيبُ الذِي بِهِ سُرِرْتُ الإنجيل بحسب متّى 3 : 16-17.
فيما كان يسوع مع ثلاثة من تلاميذه على جبل حرمون، تكلّم مع موسى وإيليّا وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً : ه ذَا هُوَ ابنِي الحَبِيبُ الذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ ا سْمَعُوا الإنجيل بحسب متّى 17 :5.
ب إعلانات المسيح، قال المسيح في أحد أمثاله : أَنَا الكَرْمَةُ الحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الكَرَّامُ الإنجيل بحسب يوحنّا 15 :1.
وقال أيضاً : خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلَا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ,,, مِنْ يَدِ أَبِي الإنجيل بحسب يوحنّا 10 : 27-29.
وقال في خطابه الوداعيّ : إِنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي. وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بالابْنِ الإنجيل بحسب يوحنّا 14 :12 و13.
وحين افتخر اليهود أمام المسيح بكون موسى أعطاهم المنّ في البرّيّة، قال لهم : ا لْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ الخُبْزَ مِنَ السَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ الخُبْزَ الحَقِيقِيَّ مِنَ السَّمَاءِ الإنجيل بحسب يوحنّا 6 :32.
وقال لآخرين : الْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : لَا يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلَّا مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لِأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَه ذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ. لِأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. لِأَنَّ الآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ الجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الابْنَ لَا يُكْرِمُ الآبَ الذِي أَرْسَلَهُ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :19-23.
اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللّهِ، والسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :25.
ا لْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. والعَبْدُ لَا يَبْقَى فِي البَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً الإنجيل بحسب يوحنّا 8 :34-36.
وقال في حوار مع آخرين : أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ. فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ اليَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللّهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ باللّهِ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :17-18.
وقال لسامعيه ذات يوم : كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلَّا الآبُ، وَلَا أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلَّا الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ المُتْعَبِينَ والثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ الإنجيل بحسب متّى 11 :27-28.
حين نتأمّل هذا الإعلان بعمق، يظهر لنا أنّه لا إنسان عاديّ، ولا نبيّ رسول، ولا ملاك من السماء، ولا رئيس ملائكة، يستطيع أن يدرك سرّ شخص يسوع المسيح العجيب كما قال إشعياء النبيّ. وهذا يعني صراحة أنّ طبيعة المسيح غير محدودة، بحيث لا يقدر أحد أن يدركه إلاّ الآب. ويقيناً لو أنّ المسيح مجرّد إنسان عادي، لما صحّ أن يقول هذا القول. وممّا لا ريب فيه، أنّ هذا الإعلان المجيد جدّاً يعلّمنا أنّ من وظيفة المسيح باعتبار وحدته أزليّة مع الآب، أن يعلن لنا هذا الآب الذي وُصِف باللامنظور.
قد يبدو هذا الإعلان الذي صرّح به المسيح كلغز صعب الفهم. ولكنّ الروح القدس ألهم البشير يوحنّا، ليوضحه لنا في سلسلة من الآيات، أبرزها : اَللّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. الابْنُ الوَحِيدُ الذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ الإنجيل بحسب يوحنّا 1 :18. هذه الآية تؤكّد لنا أنّ أحداً من الناس والملائكة، لم يرَ الله أو يعرفه المعرفة التي تجعله يُلمّ بصفاته الإلهيّة. وإنّما يستطيع أن يبلّغ الناس ما أُعلِن له بالوحي أو بالرؤيا. فموسى وغيره من الأنبياء لم يروا الله. ولكنّهم تلقّوا الإعلانات بالوحي، وكان مصدرهم الأقنوم الثاني لله، الذي هو يسوع المسيح ابن الله, فهو وحده يعرف أفكار الله المثلّث الأقانيم ومقاصده من تلقاء نفسه لأنّه هو الله الذي ظهر في الجسد 1تيموثاوس 3 :16.
حين قال يسوع لتلاميذه : أنا والآب واحد. مَن رآني فقد رأى الآب. أنا في الآب والآب فيّ كان يؤكّد لهم الوحدة بينه وبين أبيه. أي أنّه والآب واحد في الجوهر والمجد والمقام والقدرة والمشيئة والقصد.
2 شهادة الرسل
شهادة بطرس : حين سأل يسوعُ تلاميذه مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ : أَنْتَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ اللّهِ الحَي الإنجيل بحسب متّى 16 :15 و16.
شهادة يوحنّا : وَنَعْلَمُ أَنَّ ابنَ اللّهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الحَقِّ فِي ابنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الحَقُّ والحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ 1 يوحنا 5 :20.
شهادة بولس : وَل كِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللّهُ ابنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ غلاطية 4 :4 و5.
3 شهادة الأنبياء
سليمان الحكيم : مَن صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَن جَمَعَ الرِّيحَ في حُفْنَتَيْهِ؟ مَن صَرَّ المِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَن ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ مَا ا سْمُهُ وَمَا ا سْمُ ابنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ نَقِيَّةٌ. تُرْسٌ هُوَ لِلْمُحْتَمِينَ بِهِ أمثال 30 :4-5.
دانيال : كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى القَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ والأُمَمِ والأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ دانيال 7 :13 و14.
يوحنّا المعمدان : أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ : لَسْتُ أَنَا المَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ.,, اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا.,, اَلْآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بالا بْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، والَّذِي لَا يُؤْمِنُ بالا بْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللّهِ الإنجيل بحسب يوحنّا 3 : 28-36.
بعد الاستشهاد بهذه الآيات، يجدر بنا أن نذكر أنّ المسيح دُعي ابن الله باعتبار كونه الأقنوم الثاني لله. ولهذا يجب أن يكون معلوماً، أنّ لفظة آب وابن بالنسبة للعقيدة المسيحيّة بعيدة كلّ البعد عن المعنى المُتداول في الأُبوّة والبُنوّة البشريّتَين.
وقد سُمّي الابن في الكتاب المقدّس بالكلمة، وبصورة الله غير المنظور، وبهاء مجد الله ورسم جوهره، وعمّانوئيل الذي تفسيره الله معنا. وكلّ هذه الألقاب توضح لفظة ابن. كما أنّ الكلمة توضح الفكر، وتعلن ما هو عند العقل، هذا الكلمة المتجسّد أعلن الله وأوضح فكر الله للبشر. وكما أنّ الرسم يمثّل الهيئة، هكذا يسوع يمثّل الله. وكما أنّ ضوء الشمس يبيّن بهاءها وهو من جوهرها، هكذا يسوع بهاء مجد الله يبيّن أمجاد اللاهوت الروحيّة. ولكنّه من فرط محبّته استتر برداء الجسد مدّة وجوده في دنيانا، حتّى نستطيع أن نراه ونسمعه.
ممّا تقدّم، نعلم أنّ الابن هو العامل في إعلان اللاهوت، كما أنّه الواسطة لإعلان الله لوجدان الإنسان بطريقة حسّيّة. وكذلك الروح القدس، الأقنوم الثالث، هو الواسطة لإعلان الله لضمير الإنسان، حتّى أنّنا لا ندرك كنه الإعلان بدون فعل الروح القدس، الذي يرشدنا لإدراك أسرار الإعلانات الإلهيّة. وبوحي من هذه الحقيقة، قال الرسول بولس : وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ : يَسُوعُ رَبٌّ إِلَّا بالرُّوحِ القُدُسِ 1 كورنثوس 12 :3.
قد تثير كلمة ابن اضطراباً ذهنيّاً عند البعض، إذ يتصوّرون على الفور بمقارنتها بكلمة آب، أنّ الآب أسبق زمنيّاً من الابن، وأنّ هناك فارقاً زمنيّاً ومركزيّاً بينهما. ولكنّنا نحبّ التأكيد ههنا أنّ كلمة ابن الله لا يمكن أن تشير في قليل أو كثير إلى معنى عدم المساواة أو التلاحق الزمنيّ. وذلك لأنّ كلمة الآب نفسها عندما تُطلَق على الله لا يمكن أن تقوم بالدليل المقابل إلاّ إذا وُجِد الابن.
يعلّمنا الكتاب المقدّس أنّ الله منذ الأزل يُلقَّب بالآب. وهذا اللقب آب يحتّم بالضرورة وجود الابن منذ الأزل. ولعلّ منشأ الخلط والتخبّط في موضوع المساواة، الذي يقع فيه معظم الناس يعود إلى أسبقيّة الآباء على الأبناء، وعلى أساس الفارق الزمنيّ بين الاثنين. ولكنّ التعبير الأدقّ والأصحّ، أنّ أحداً لا يستطيع أن يكون أباً إلاّ من اللحظة التي يوجد فيها الابن. فالفارق الزمنيّ في هذا الموضوع خياليّ موهوم بالنسبة إلى الله وابنه يسوع المسيح. فإذا أُضيف إلى هذا أنّ الله لا يلد ولا يولد، كما يفهم الناس معنى الولادة في الأرض، كان علينا أن ندفع عن الله عزّ وجلّ هذا المعنى، لنتصوّر معاني أخرى أقرب إلى الفهم.
فنحن نقول هذا ابن الحقّ وذاك ابن النور إشارة إلى التماثل التامّ بينه وبين الحقّ، أو بينه وبين النور. وبهذا المعنى دُعي المسيح ابن الله، للتماثل الأزليّ التامّ القائم بين الآب والابن في ذات الله الواحد. وقد دُعي المسيح كذلك لأنّه هو الإعلان الوحيد الكامل الأزليّ عن ذات الله للناس. أو كما نقرأ في الرسالة إلى العبرانيّين 1 :1-2 : اَللّهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابنِهِ. ويُقرأ في الإنجيل بحسب يوحنّا 1 :14 أنّ يسوع أعلن مجد الآب، إذ يقول : وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً.
4 لاهوت المسيح وناسوته
مَن يقول الناس إنّي أنا؟ هذا السؤالطرحه يسوع على تلاميذه منذ عشرين قرناً. وهو سؤال له من الخطورة ما جعله يتردّد على الألسنة إلى يومنا هذا. ولعلّه أعظم سؤال خرج على بساط التاريخ، لأنّه أدقّ وأخطر الآثار في المجموع البشريّ. وسيبقى هذا السؤال ما بقي الزمان، الفيصل الحاسم بين مختلف المذاهب والعقليّات والمدنيّات والحضارات. وعلى الإجابة عليه يتحدّد موقف كلّ إنسان تحديداً قاطعاً شاملاً.
من امتيازات المسيحيّة أنّها لا تفزع ولا تضطرب ممّا يُقال عن المسيح سيّدها، الذي شيّد صروحها على القوّة، وجعلها ثابتة بحيث لا تقوى أبواب الجحيم عليها. والمسيح نفسه شجّع الحرّيّة الفكريّة في أقصى مداها. ولم يُعرَف عنه أنّه أرغم أو أمر إنساناً أن يعتنق مبدأً، أو يفعل شيئاً لم يرده هذا الإنسان، أو يرغب فيه.
كما أنّ المسيحيّة، في كلّ تاريخها الطويل، لم تقبل إيماناً من الناس بشخص المسيح مبنيّاً على أسنّة الرماح، بل ما كان منطلقاً من اليقين الكامل المسيطر على القلب والفكر معاً. وانطلاقاً من هذا المبدأ نقول اليوم إنّنا لا نرغب في أن يؤمن الناس بلاهوت المسيح قسراً، أو يعتنقوا سلفاً رأياً ويتعصّبون له، ويبغضون أن يسمعوا رأياً خلافه. بل نبسط أمام الملأ شتّى الآراء، التي قيلت عن المسيح وسنناقش غثّها وسمينها، بكلّ رويّة، حتّى نصل أخيراً إلى الرأي الصحيح والفكر السديد :
1 اللاهوت الكامل :
لعلّ من أغرب الآراء ما نادى به الغنوسيّون الذين أنكروا فكرة التجسّد بالمعنى المتداول بين جمهرة المسيحيّين. فهؤلاء أقرّوا لاهوت المسيح ولم يعترفوا بناسوته. وقد قالوا إنّ المسيح ظهر في هيئة إنسان، دون أن تكون له حقيقة جسد الإنسان. وأنّه لم يولد ولم يتألّم ولم يمت بالحقيقة، لأنّ جسده كان طيفاً أو خيالاً تراءى للناس. وقال فريق منهم إنّ جسد المسيح لم يكن مادّيّاً كباقي أجساد الناس، ولكنّه كان جوهراً خاصّاً سماويّاً.
بيد أنّ هذا الرأي، لم يثبت أمام الحقيقة التي جاءت في الكلمة الموحى بها من الله. إذ نقرأ في 1 يوحنّا 4 :1-3 : أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امتَحِنُوا الأَرْوَاحَ : هَلْ هِيَ مِنَ اللّهِ؟ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى العَالَمِ. بِه ذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللّهِ : كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ المَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللّهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لَا يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ المَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ المَسِيحِ الذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، والْآنَ هُوَ فِي العَالَمِ.
2 الناسوت فقط :
هذا الرأي لا يقل غرابة عن الرأي السابق، لأنّ أصحابه ينادون بناسوت المسيح دون لاهوته. إذ يقولون إنّ المسيح هو الإنسان الكامل، أي أنّه أعظم إنسان على الأرض. وتبعاً لذلك، يجب أن يُكرَم كأعظم قائد وأروع وأمجد بطل وشهيد.
ولعلّ أروع جواب يفنّد رأي هؤلاء المبدعين هو قول الدكتور ز. كونراد حين قال : إنّ هؤلاء يخطئون تماماً في ما انتهوا إليه من رأي، إذ لا يمكن أن نجعل المسيح حتّى قائداً أو بطلاً، بعد أن رفضوا ما أقرّه هو لنفسه. إذ لا يعدو في هذه الحال إلاّ أن يكون المسيح واحداً من اثنين : إمّا المخادع الأكبر، أو المخدوع الذي يحتاج إلى الرثاء. وحينئذٍ يصبح من السخف أن نعطيه أيّ مركز من الكرامة. والواقع أنّ المسيح إن لم يكن مستحقّاً للعبادة، فهو لا يستحقّ أدنى حظّ من الاحترام، لأنّه قد طلب لنفسه العبادة والإجلال، الأمر الذي لا يمكن أن يبرّره إن لم يكن إلهاً.
3 اتّحاد اللاهوت والناسوت في شخص المسيح :
هذا هو الرأي الصحيح وقد عاش في الكنيسة، وكُتِب له الانتصار والسيادة والعموميّة. ونادت وما زالت تنادي به القوانين الكنسيّة في كلّ العالم وكلّ الأجيال والعصور. وخلاصة هذا الرأي أنّ المسيح ذو طبيعتَين كاملتَين، إذ هو إله تامّ وإنسان تامّ.
ولربّ سائل يقول : ما هي الدوافع والأسباب التي حدت بالناس والمجامع الكنسيّة إلى الإيمان بلاهوت المسيح؟ وكيف أُتيح لهذه الدوافع أن ترقى وتتأصّل في الأذهان حتّى تبلغ مبلغ العقيدة التي يحيا الناس من أجلها ويستشهدون في سبيلها؟ لماذا يؤمن الناس بلاهوته؟ وما هي الأدلّة الدامغة القاطعة التي عليها يستندون، وفيهم من أعظم جبابرة الفكر البشريّ، وخلاصة عباقرة الناس في كلّ جيل وعصر؟
هذه الأسئلة لا بدّ من الإجابة عليها، قبل أن نؤمن، أو نقنع الناس بصحّة إيماننا بلاهوت المسيح وتجسّده. وهذا بلا ريب يقتضينا أن نقدّم الأدلّة القاطعة في هذا الموضوع :
أوّلاً : الدليل المُستمدّ من النبوّات : فالنصوص العديدة المتواترة، قد امتدّت من أوّل التاريخ، حتّى أسفار العهد القديم. وذلك خلال أربعة آلاف سنة. وهذه النصوص لا يمكن أن يُتَّهَم المسيحيّون باصطناعها أو تأويلها، لأنّها كُتِبَت في سجلاّت الوحي، قبل المسيحيّة. وقد كُتِب آخرها قبل تجسّد المسيح بما يقرب الأربع ماية سنة. ومجمل ما تصرّح به تلك النصوص أنّ شخصاً إلهيّاً سيأتي من السماء، لابساً الطبيعة البشريّة، ليكون مخلِّصاً للعالَم. وأنّ ذلك الشخص يكون من نسل المرأة. ويأتي من ذرّيّة إبراهيم، وعلى وجه التحديد من سبط يهوذا وبيت داود، مولوداً من عذراء، بلا عيب ولا دنس. وأنّه يولد في بيت لحم، مدينة داود. وهو في الوقت ذاته الإله القدير السرمديّ الأبديّ. وهذا لا يمكن أن يتمّ إلاّ بالتجسّد واتّحاد اللاهوت بالناسوت. والنصوص التي تؤكّد هذه الحقيقة عديدة، لذلك أوردُ في ما يلي أظهرها وأوضحها :
من نبوّة إشعياء : لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ا سْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلَامِ إشعياء 9 :6.
ومن نبوّة إشعياء أيضاً : هَا العَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابناً وَتَدْعُو ا سْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ إشعياء 7 :14. وقد فسّر الوحي كلمة عمّانوئيل بالقول الله معنا الإنجيل بحسب متّى 1 :23.
من المزامير : قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي : ا جْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ مزمور 110 :1. هذا التعبير عظيم جدّاً ولا يمكننا أن نجد له تفسيراً من غير الإيمان بالمخاطبة الأزليّة بين الآب والابن، والإيقان بأنّ الله هو المتكلّم بها.
من نبوّة ميخا : أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ القَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ ميخا 5 :2.
ثانياً : الدليل المُستمدّ من أقوال المسيح : قال رجل الله الواعظ الشهير سبرجن : المسيح هو الحقيقة المركزيّة العظمى في تاريخ العالم، إذ يبدو إزاءه كلّ شيء إلى الأمام أو إلى الخلف وكلّ خطوط التاريخ تتلاقى عنده، وكلّ مواكب العناية تسير وفقاً لإرادته، وكلّ أغراض الحياة العظمى تتمّ في شخصه. فإذا أُضيف إلى هذا كلّه معجزاته وروعة أعماله الشاهدة على صدق كلّ حرف أو كلمة فاه بها، تعيّن التسليم بالدليل القطعيّ والحجّة الدامغة المُستمدّة من أقواله. وقد نسب المسيح إلى نفسه عشرين حقيقة على الأقلّ، لا يمكن أن تُنسَب، إلاّ لله وحده. ومن أهمّ هذه الحقائق :
الأزليّة : ولعلّ هذا من أخطر ما صرّح به، إذ قال لرجال الدين اليهود : قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ الإنجيل بحسب يوحنّا 8 :58. وقوله أنا كائن هو ذات الاسم الذي أطلقه على نفسه، حين سأله موسى : بماذا أجيب إذ قال الشعب ما اسم الله الذي أرسلك إلينا؟ فقال له : أَهْيَهِ الذِي أَهْيَهْ خروج 3 :13-14. وهذا يفيد أنّ المسيح يرى في شخصه ذات الإله القديم الذي ظهر لموسى في العليّقة على جبل حوريب.
وكذلك جاء في الإنجيل بحسب يوحنّا 17 : 5 و24 إنّ المسيح قال في صلاته الشفاعيّة : وَالْآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بالمَجْدِ الذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ العَالَمِ، لِأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ العَالَمِ. فهذه الكلمات تؤكّد أزليّة المسيح وتقطع كلّ الألسنة، التي تزعم أنّ المسيح مُحدَث.
المجيء من السماء : في حواره مع جماعة من اليهود، قال يسوع : أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هذَا العَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هذَا العَالَمِ الإنجيل يوحنّا 8 :23.
وفي حديثه مع الرئيس نيقوديموس، قال : وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا الذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ الإنجيل بحسب يوحنا 3 :13.
وقال في سفر الرؤيا : أَنَا الأَلِفُ واليَاءُ، الْبِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، الْأَوَّلُ والآخِرُ رؤيا 22 :13.
ونلاحظ هنا أنّ يسوع يتحدّث ليس فقط عن مجيئه من السماء، بل أيضاً عن وجوده في السماء وهو على الأرض.
الحضور في كلّ مكان وزمان : قال : لِأَنَّهُ حَيْثُمَا ا جْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ الإنجيل بحسب متّى 18 :20. وقال لتلاميذه بعد قيامته : فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحِ القُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَاأَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انقِضَاءِ الدَّهْرِ الإنجيل بحسب متّى 28 :19-20.
القدرة الغير المحدودة : قال عند ظهوره ليوحنّا في جزيرة بطمس : أَنَا هُوَ الأَلِفُ واليَاءُ، الْبَِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الكَائِنُ والذِي كَانَ والذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رؤيا 1 :8.
4 الدليل المُستمدّ من ألقابه وأعماله الإلهيّة :
كونه خالقاً : كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الحَيَاةُ، والْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ الإنجيل بحسب يوحنّا 1 :3 ، 4. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الكُلُّ : مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلَاطِينَ. الكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ كولوسي 1 :16. وَأُنِيرَ الجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ المَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللّهِ خَالِقِ الجَمِيعِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ أفسس 3 :9.
يقيم الأموات : فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ المَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ ابنٌ وَحِيدٌ لِأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ المَدِينَةِ. فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا : لَا تَبْكِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الحَامِلُونَ. فَقَالَ : أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ. فَجَلَسَ المَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ الإنجيل بحسب لوقا 7 :12-15.
لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً فَخَرَجَ المَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ : حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ الإنجيل بحسب يوحنّا 11 :43 ، 44.
ديّان كلّ العالَم : وَمَتَى جَاءَ ابنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ المَلَائِكَةِ القِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الخِرَافَ مِنَ الجِدَاءِ الإنجيل بحسب متّى 25 :31 ، 32.
لِأَنَّ الآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِابْنِ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :22.
تحقّ له العبادة : لِكَيْ يُكْرِمَ الجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الابْنَ لَا يُكْرِمُ الآبَ الذِي أَرْسَلَهُ الإنجيل بحسب يوحنّا 5 :23.
وعبادة الابن مع الآب، كانت معروفة لدى رجال الله في العهد القديم فقد قال داود : ا عْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلَّا يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ مزمور 2 :11، 12.
يغفر الخطايا : كان اليهود يوقنون على الدوام أن لا أحد يملك غفران الخطايا إلاّ الله وحده. لهذا انذهلوا حين وقفوا أمام إحدى عجائب يسوع، الذي قال للمفلوج : يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ ولما ثارت أفكارهم على تصرفه قَالَ لَهُمْ : لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِه ذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيُّمَا أَيْسَرُ : أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ : قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَل كِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِا بْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا قَالَ لِلْمَفْلُوجِ : لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ َا ذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ. فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ الجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللّهَ قَائِلِينَ : مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا قَطُّ! الإنجيل بحسب مرقس 2 :5-12.
يعطي الحياة الأبديّة : قال : خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ الإنجيل بحسب يوحنّا 10 :27-28 ,
مساوٍ للآب : قال : أَنَا والآبُ وَاحِدٌ الإنجيل بحسب يوحنّا 10 :30 اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ والآبَ فِيَّ، وَإِلَّا فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا الإنجيل بحسب يوحنّا 14 :9 و11.
قَبِل السجود والتعبُّد : ليس من شكّ في أنّ المسيح قَبِل السجود والتعبّد، ممّا لا يجوز لمخلوق على الإطلاق أن يقبلهما. وقد حدث هذا مع الرجل المولود أعمى. فلمّا سأله المسيح : أتُؤْمِنُ بِابْنِ اللّهِ؟ أَجَابَ : مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لِأُومِنَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ : قَدْ رَأَيْتَهُ، والَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ. فَقَالَ : أُومِنُ يَا سَيِّدُ. وَسَجَدَ لَهُ الإنجيل بحسب يوحنّا 9 :35-38.
5 الدليل المُستمدّ من شهادة التلاميذ :
فشهادة التلاميذ، الذين عاينوا مجده قدّموا شهادة صريحة ناجزة لا شُبهة فيها، وهاكم بعضها على سبيل المثال، لا سبيل الحصر :
توما : فهذا التلميذ بعد القيامة حين لمس أثر المسامير في يديه ورجليه ووضع أصبعه على جنبه الذي طُعِن بالحربة، سجد له وقال : رَبِّي وَإِلهِي الإنجيل بحسب يوحنّا 20 :28.
يوحنّا : قال هذا التلميذ المُلهَم : وَنَحْنُ فِي الحَقِّ فِي ابنِهِ يَسُوعَ المَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الحَقُّ والحَيَاةُ الأَبَدِيَّة 1 يوحنّا 5 :20.
بولس : قال هذا الرسول في كرازته : وَمِنْهُمُ المَسِيحُ حَسَبَ الجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الكُلِّ إِلهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ رومية 9 :5.
- عدد الزيارات: 5517