Skip to main content

ما هي التوبة؟

الصديق الفاضل:

التوبة أمر لا بد منه للمصالحة مع الله، وفقا للقول الإلهي: ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحعه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران. (إشعياء 7:55)

وهذه الوصية الإلهية تكررت على لسان الرب يسوع نفسه إذ قال:"توبوا وآمنوا بالإنجيل (الإنجيل بحسب مرقس 15:1)، وبهذه الوصية جمع المسيح الإيمان و التوبة وما جمعه المسيح يجب أن لا يفرقه إنسان.

التوبة تحيي، الإيمان يبعث التوبة، وطاعتنا لوصايا الله هي التي تبرهن على إخلاصنا في كل منهما. هكذا بدأت الكرازة بالإنجيل و هكذا يجب أن تستمر "توبوا وآمنوا ".

والمناداة بالتوبة،كانت من أهم المواضيع، التي كرز بها الرسل. فقد قال الرسول بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح، لمغفرة الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس (أعمال الرسل 38:2). وقال الرسول بولس: إن الله يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا، متغاضيا عن أزمنة الجهل (أعمال الرسل 17:3)

في الواقع إن الرجوع إلى الله، لا يتم إلا بالإيمان والتوبة، فالإيمان هو نظر النفس المتجددة إلى الله مع قبول شهادة الكتاب المقدس به، والإتكال على النعمة الإلهية كما هي معلنة في عمل الفداء. والتوبة هي نظر النفس المتجددة إلى الخطية بالحزن و الخجل، مع التصميم على تركها، وإتمام ذلك فعلا، والسعي في حياة مطيعة لأوامر الله.

ولا مراء في الإيمان و التوبة نتيجة الإقتناع بكل ما يتعلق بأحوال النفس الطبيعية الساقطة، وإحتياجها إلى المغفرة والخلاص بدم الفادي، إقتناعا كافيا. وهذا الإقتناع يستلزمنا ثلاثة أمور:

1- التسليم بكوننا خطاة: هذه الحقيقة أدركها داود ابن يسى فكتب لنا إعترافه الرائع: "لأنني عارف بمعاصي، و خطيتي أمامي دائما. إليك وحدك أخطأت، والسر أمام عينيك صنعت...طهرني بالزوفا فأطهر. إغسلني فأبيض أكثر من الثلج....لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنـزعني مني " (مزمور 3:51-11)

ولكن هذا التسليم ليس إلا جزء من التوبة الحقيقة. فلا يستطيع وحده أن يقود الإنسان إلى ترك الشر، بل لعله يجعله أحيانا، يخاف القصاص. هذا التسليم يدعى في الكتاب المقدس "معرفة الخطية " بدليل قول الرسول بولس: بالناموس عرفت الخطية. (رومية 20:3)

2- الحزن والأسف على الخطية: لأنها التعدي على شريعة الله وحقه وجودته. لذلك وجب كرهها، والندم عليها. وقد سمي هذا الحزن في الكتاب المقدس بالحزن. الذي ينشئ توبة للخلاص بلا ندامة (2كورنثوس 10:7)

3-ترك الخطية فعلا: يجب ترك الخطية، كمقدمة لطلب الغفران والتطهير، كما فعل داود حين قال: إرحمني يا الله حسب رحمتك، حسب كثرة رأفتك أمح معاصي. إغسلني كثيرا من إثمي ومن خطيتي طهرني. (مزمور 1:51-2)

في الواقع إن التوبة الحقيقة لا تتم بالتسليم العقلي بخطايانا فقط، ولا بمجرد الحزن عليها، بل بالعدول عنها وتركها، وطلب النعمة الإلهية للتخلص منها.

ويجب أن نذكر أن التوبة ليس لها إستحقاق، لأنها واجبة علينا في كل حين، ولا نفيد شيئا في الخلاص، إن لم تقترن بالإيمان الحي و الإتكال على ذبيحة المسيح و المسلم به هو أن مركز التوبة هو القلب، لأن عملها داخلي في الإنسان لا خارجي، وإنما تظهر في السيرة الخارجية، كالإعتراف أمام الله بخطايانا وإصلاح ما عملناه من الشر وظهور الثمار التي تليق بالتوبة.

والتوبة الحقيقة، ترافق الإيمان الحقيقي، فلا نحزن على الخطية كأمر مكروه وحسب، بل يجب أن نؤمن بالله و نرجو رحمته.

جاء في الأقرار الوستمنستري:أن التوبة للحياة نعمة إنجيلية، ويجب على كل من خدم الإنجيل أن يكرز بوجوبها، كما يكرز بوجوب الإيمان بالمسيح. وبهذه النعمة يأسف الخاطي على خطاياه ويكرهها بنظره ليس بالنظر إلى خطر الخطية فقط، بل أيضا بالنظر إلى نجاستها وسماجتها. ويشعر بذلك في مضادة الخطية لطبيعة الله المقدسة، وشريعته البارة. ويتمسك برحمة الله في المسيح للتائبين، حتى يرجع عن خطاياه كلها إلى الله، قصد أن يسلك معه في كل طرق وصاياه.

مع تحيات قاسم إبراهيم

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.

 

  • عدد الزيارات: 7920