كيف حمل بالمسيح وولد؟
إلى الصديق العزيز
نلاحظ أن ذكرى الميلاد مناسبة محبّبة عند المسيحيين. فمن هو المسيح؟ وكيف تمَّ الحمل به، وكيف كانت ولادته، وهل لولادته أي معنى خاص؟
- هذا السؤال هامّ، لكنه متشعّب، وتجدر الإجابة عليه برويّة نظراً لأهميته. فالمسيح لم يكن مجرّد شخص عادي كباقي الأشخاص، بل هو القدوس المرسَل من الله الذي وعد الله بإرساله منذ القدم. إنه كلمة الله المتجسّد وروح منه. والسيد المسيح شخصية فريدة في التاريخ البشري. إنه الكلمة الذي صار جسداً، وهو الذي تنبأ عنه أنبياء العهد القديم قبل مجيئه إلى العالم بمئات السنين. حُبل به بطريقة عجائبية، ووُلِدَ من عذراء طاهرة نقيّة بطريقة لم يولَد غيره بها. إنه بحسب تعاليم الإنجيل المقدس الإله المتجسّد، المعلم، المخلص والفادي.
يذكر أن بعض أنبياء العهد القديم تنبأوا عن مجيء المسيح، فهل يمكن ذكر بعض هذه النبوات؟
- يخبرنا الكتاب المقدس أنه منذ سقوط الإنسان في الخطية وعصيانه لإرادة الله، وَعَدَ الله بإرسال مخلِّص ليخلّص الجنس البشري من لعنة الخطية، وقبل أن يولد المسيح تنبأ بعض أنبياء العهد القديم عنه، وتضمنت نبواتهم تفاصيل كثيرة مثل ميلاده من عذراء، ومكان ولادته، وصفاته، وخدمته، وموته. وأخيراً انتصاره على الموت.يحتوي العهد القديم من الكتاب المقدس على العديد من النبوات عن المسيح. فإشعياء النبي مثلاً تنبأ بأن المسيح سيكون مولوداً عجيباً، ويضع الله الرياسة على كتفه، وأنه سيكون إلهاً ورئيساً للسلام فيقول: "لأنه يولد لنا ولد، ونُعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (إشعياء 9:6). وهناك نبوة أخرى على لسان إشعياء أيضاً تشير إلى أن المسيح سيكون إلهاً متجسداً، وأن هذا الإله سيولد من عذراء فيقول: "يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل، وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا، (أي أن الله سيكون حاضراً مع الناس كل الناس باللحم والدم) (إشعياء 7:14). أما ميخا النبي، فنبوته تشير إلى أن المسيح سيكون مدبراً لشعب الله، وأنه سيولد في بيت لحم فيقول: "أما أنتِ يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلّطاً على شعبي" (ميخا 5:2).
بعد أن وردت بعض النبوات عن مجيء المسيح، هل يمكن إفادتنا عن طريقة الحمل به؟
- عندما جاء الوقت المعيَّن لولادة المسيح، اختار الله عذراء طاهرة نقية من مدينة الناصرة في الجليل، اسمها مريم، وأرسل لها ملاكه جبرائيل ليبشّرها ويعلن لها إرادته بأنها ستحبل وتلد ابناً، وهذا يخلّص شعبه من خطاياهم. فظهر الملاك لمريم وقال لها: "سلامٌ لك أيتها المنعَم عليها. الرب معكِ. مباركة أنتِ في النساء" (لوقا 28:1). فلما سمعت هذه الكلمات اضطربت، وفكرّت ما عسى أن تكون هذه التحية؟ فتابع الملاك بشارته قائلاً: "لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدتِ نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العليّ يُدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكه نهاية" (لوقا 1: 30-33). لكن مريم اضطربت وخافت عندما سمعت بأنها ستحبل وهي ما تزال مخطوبة، فسألت الملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟ فأجابها: "الروح القدس (أي روح الله) يحلّ عليك، وقوة العليّ تظلّلك، فلذلك أيضاً، القدوس المولود منك يُدعى ابن الله" (لوقا1: 35). وهنا أكّد الملاك للمرة الثانية بأن المولود منها سيُدعى ابن الله.
بعد أن سلّمت مريم ببشارة الملاك، بأنها ستحبل وتلد ابناً حسب رغبة وإرادة الله، زالت شكوكها وخضعت لإرادته هاتفة قائلة: "تعظّم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنه نظر إلى اتضاع أَمَته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوّبني، لأن القدير صنعَ بي عظائم، واسمه قدوس. ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتّقونه" (لوقا 45:1-50).
كيف تمت ولادة المسيح؟
- قبل أن تلد العذراء المسيح الذي حبلت به من روح الله، صدر الأمر من الامبراطور الروماني أغسطس قيصر لرعايا الامبراطورية الرومانية للاكتتاب، بقصد الاحصاء، كل واحد في مدينة آبائه وأجداده. فذهب يوسف برفقة خطيبته مريم إلى بيت لحم بقصد الاكتتاب، لأنهما من عشيرة الملك داود. وبيت لحم هذه هي بيت لحم أفراتة، ومعناها "بيت الخبز". وتبعد نحو ستة أميال جنوب أورشليم (القدس)، ومعروفة آنذاك باسم "بيت لحم اليهودية". وعند وصولهما إلى بيت لحم حاول يوسف أن يجد مكاناً يأويان إليه، فلم يستطع، لأن مدينة بيت لحم الصغيرة ازدحمت بكثرة الوافدين إليها من مختلف نواحي مملكة هيرودس بقصد الاكتتاب. ولما لم يجدا مكاناً، اضطرّا للمبيت في مكان حقير مخصّص لمبيت الماشية، وعندئذٍ تمت أيام العذراء لتلد، فولدت يسوع، وقمّطمته وأضجعته في ا لمذود إذ لم يكن لهما موضع في المنـزل (لوقا 7:2).لقد كان ميلاد المسيح في بيت لحم تتمّة لنبوّة ميخا النبي القائلة: "وأنتِ يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبّر يرعى شعبي" (متى 6:2). وهكذا وبكلمات في غاية البساطة، سجَّلَ البشير لوقا أعظم ولادةٍ في التاريخ البشري، لأن تاريخ العالم يتمركز حول هذه الولادة.
جميل أن نعرف كيف وأين وُلد المسيح، ولكن هل لك أن تذكر فيما إذا كان المسيح طفلاً عادياً كبقيّة الأطفال؟
- السيد المسيح معروف لدى البعض باسم عيسى ابن مريم، ولم يكن طفلاً عادياً كبقية الأطفال، فكل طفل يجيء من أب وأم بشريّين. أما المسيح فهو الوحيد في تاريخ العالم كله الذي جاء من غير أب، بل من روح الله القدوس. ويذكر الكتاب المقدس عن ولادة المسيح ما يلي: "أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا: لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف، قبل أن يجتمعا، وُجدت حُبلى من الروح القدس. فيوسف رجُلها إذ كان بارّاً ولم يشأ أن يشهرها، أراد تخليتها سرّاً. ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور، إذا بملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس، فستلد ابناً، وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى 18:1-21). وهكذا حبلت العذراء بالمسيح. وعندما تمّت أيامها ولدت في مدينة بيت لحم كما ذُكر آنفاً.
لماذا ولدت العذراء في مدينة بيت لحم بالذات، ولم تلد في أية بلدة أو مدينة أخرى؟
- لم تقصد العذراء أو خطيبها البارّ أن يذهبا إلى بيت لحم خصيصاً ليُولد المسيح هناك، ولكن الأمر كان مرتّباً من الله بأن يولد المسيح في مدينة بيت لحم. وأعلن الله قصده هذا في نبوات العهد القديم من الكتاب المقدس قبل أن يولد المسيح بمئات السنين، وتقول النبوة: "أما أنتِ يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلّطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5:2). ويشير البشير متّى في إنجيله إلى هذه النبوة بقوله: "وأنتِ يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبّر يرعى شعبي" (متى 6:2). + هل تعتقد أن مريم ويوسف كانا يعلمان مسبقاً أن المسيح سيولد في بيت لحم بناءً على النبوة التي تذكر ذلك لم يعلم يوسف ولا مريم مسبقاً أن المسيح سيولد في بيت لحم. وكان ذهابهما إليها بقصد الاكتتاب. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: "وفي تلك الأيام، صدر أمرٌ من أوغسطس قيصر بأن يُكتَتب كل المسكونة. فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد إلى مدينته. فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية، إلى مدينة داود التي تُدعى بيت لحم، لكونه من بيت داود وعشيرته ليُكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى. وبينما هما هناك، تمت أيامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمّطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضع في المنـزل" (لوقا 1:2 و3-7). وهكذا وُلد المسيح في مذودٍ بسيط متواضع، وتمت النبوة حسب إرادة الله وجاء المدبّر الذي أشارت إليه النبوات وهو المسيح المخلص.
لماذا وُلد المسيح في ذلك المكان المتواضع ولم يولد في مكان آخر مثلاً؟
- كانت ولادة المسيح في مدينة بيت لحم تتميماً لنبوات العهد القديم. ولا بدّ أن تكون ولادة المسيح في مذود متواضع هي بترتيب من الله. أما بالنسبة لمفهومنا البشري، فإن يوسف خطيب مريم كان رجلاً فقيراً، ولم يتمكن من إيجاد مكان يأوي إليه مع العذراء آنذاك، بسبب كثرة الوافدين إلى مدينة بيت لحم للاكتتاب. ولا شك أن في ولادة المسيح في مذود حقير درساً عظيماً لنا، ومثالاً كبيراً يُحتذى به في التواضع. فقد كان بإمكان المسيح أن يولد كأبناء الملوك وأولاد العظماء، ولكن المشيئة الإلهية أرادت أن يكون الداعي للسلام والمحبة والتواضع مثالاً للسلام والمحبة والتواضع. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: "فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح: أنه من أجلكم افتقر وهو غنيّ لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2كورنثوس 9:8).
عندما وُلد المسيح جاء المجوس ليسجدوا له وقدّموا له هداياهم. فما هي هذه الهدايا وإلى ماذا ترمز؟
- يذكر الكتاب المقدس عن المجوس ما يلي: ولما وُلد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك، إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم ليسجدوا له، إشارة إلى أنه الملك السماوي الذي يملك علينا. ثم ساروا على هدى نجم سماوي أرشدهم إلى المكان الذي كان المسيح موجوداً فيه. فدخلوا إلى البيت ورأوا يسوع مع أمه، فخرّوا وسجدوا له، ثم فتحوا كنوزهم وقدّموا له هداياهم. وكانت الهدايا التي قدّموها ذهباً ولباناً مرّاً.
لماذا قدّم المجوس هدايا المسيح؟
- قدَّم المجوس هدايا للمسيح لأن العادة الشائعة آنذاك كانت تقضي أن لا يأتي أحد للتسليم على ملك إلا وهو حامل هدايا تليق به (1ملوك 10:2 ومزمور 72:10 و11). وبما أن المسيح كان ملكاً إلهياً، لذلك قدّم له المجوس الهدايا التي تليق به عند سجودهم له. وكانت هداياهم له: ذهباً ولباناً مراً، وهذه الهدايا ترمز إلى:
الذهب: إلى المسيح الملك
واللبان: إلى التعبّد للمسيح الإله ويشير أيضاً إلى كهنوت المسيح.
والمر: يشير إلى المسيح النبي وآلامه وموته على الصليب فداء عن الجنس البشري.
وهكذا جاء المسيح إلى العالم بأعجوبة، وكان مجيئه لخلاص الجنس البشري. كانت رسالته رسالة المحبة والتسامح، وهذا ما يجعل لميلاد المسيح معنىً عميقاً. فلنتأمل في معنى الميلاد هذا، ونؤمن بالمسيح المخلّص ونَسِرْ في خطاه، لأنه وحده القادر أن يغفر لنا خطايانا ويظهّرنا من كل إثم.
مع تحيات العم قاسم
- عدد الزيارات: 9227