Skip to main content

الاستسلام لصنمية القرن العشرين؟

في بحث سابق تكلمننا عن غزو عالمنا الفكري من قبل صنمية القرن العشرين. وقد أتينا على اقتباس ما قد ورد في مجلة أسبوعية ورأينا كيف أن الكاتب قد أو رد عدة آراء لا تتجانس مطلقا مع إيماننا بالله الواحد السرمدي الخالق لكل ما في الوجود. فمن آمن بالله لا يستطيع أن يقبل عقيدة أزلية المادة، ولا يقدر أن يؤله الوجود ولا أن يدين بعقيدة تغير الحق من جيل إلى آخر. وهذه الآراء، بل وهذه المعتقدات التي صارت تظهر في المجلات الأسبوعية والتي صارت تؤثر على العديدين من الناس، لا يمكن النظر اليها وكأنها صادرة فقط عن بعض الأفراد المتطرفين. هذه المعتقدات هي جزء لا يتجزأ من المناخ الفكري العالمي الذي يحيط بحضارتنا في الثلث الأخير من القرن العشرين. ونحن لسنا بمظهرين لأي تعصب أعمى أو لرجعية بغيضة أن قلنا مرارا وتكرارا بأن هكذا معتقدات ليست الا مظاهر متعددة للصنمية المعاصرة والتي أطلقنا عليها اسم صنمية القرن العشرين.

نحن نصرح بهذا لا لأننا مدفوعون من قبل دوافع سلبية، بل لأننا نمارس حقنا في الدفاع عن إيماننا بالله العظيم الذي خلقنا وأعطانا الحياة والذي يمنحنا الغلبة على سائر قوى الشر والعدم التي تعبث بحياة إنسان القرن العشرين. وبكلمة أخرى نحن نمارس حقنا في الشهادة عن إيماننا بالله ولا نود أن نبقى صامتين لنسمع فقط شهادات أولئك الذين صاروا من دعاة صنمية القرن العشرين، تلك الصنمية المطلية بطلاء العلم والتقنية.

سنبحث الآن في بعض الأسباب التي تدفع بالناس لنبذ الإيمان القويم بالله وبوحيه المقدس وبعمله الفدائي / الخلاصي ولقبول صنمية فلسفية منبعثة من أعماق العقل البشرى. وإذ نورد بعض هذه الأسباب لا نكون بذلك قد قبلناها كأسباب معقولة لرفض الله بل انما نوردها كتفاسير جزئية لهذه الحالة المحزنة التي تعم عالمنا اليوم – ولاسيما عالمنا الفكري.

أولاً : نظرا لازدياد معارفنا العلمية لأمور الكون والأرض صار عند إنسان اليوم ثقة كبيرة ونـزعة قوية تخيلان له بأنه يستطيع تفسير كل شيء – بما في ذلك الأمور الدينية – على أساس الطريقة العلمية. وبعبارة أخرى أصبحت الطريقة العلمية ليست فقط آلة نافعة لحقل أو لحقول معينة من المعارف البشرية، بل أضحت الطريقة العلمية تسود تفكير الإنسان المعاصر في جميع حقول معارفه، بما في ذلك أمور الله والوحي.

ثانيا : والسبب الذي دفع بالإنسان المعاصر ليقبل الطريقة المدعوة بالطريقة العلمية كالأسلوب الوحيد للوقوف على المعرفة – بما في ذلك المعرفة الدينية – يعود إلى أن الإنسان المعاصر قد قبل الفلسفة العقلية التي تجعل من الإنسان كائنا مكتفيا بطاقاته العقلية والفكرية. وهكذا أضحى إنسان اليوم – بمقتضى مبادىء الفلسفة المعاصرة – قادرا على تنظيم سائر نواحي حياته الفكرية بمفرده، وصار يرفض مبدئيا كل الأنظمة والمعتقدات التي لا تتفق مع أسسه الأولية هذه. لقد أعلن إنسان اليوم – الذي استسلم للفلسفة المعاصرة – استقلاله التام والمطلق عن كل معتقد ديني فوطبيعي وأخذ يردد العبارة المشهورة أو الكليشة القائلة بأن الإنسان قد بلغ أخيرا سن الرشد! لم يعد الإنسان بحاجة إلى دين سماوي المصدر ولا إلى وحي يخبره عن طبيعته أو عن أمور الله خالقه. كلا، إنسان اليوم – حسب تعليم الفلسفة المعاصرة – هو كائن مستقل، حر بشكل تام ومطلق ونهائي!

ثالثاً : من المؤسف جدا أن العديين من الذين يدينون مبدئيا بعقيدة الإيمان بالله لا يعيشون بطريقة متجانسة مع معتقدهم هذا. من المهم جدا أن يدين الإنسان بالإيمان بالله الواحد السرمدي الخالق والمعتني بكل ما في الوجود والمستقل عن والمتعالي على الكون – ولكن، هذا الإيمان يجب أن يوضع موضع التنفيذ.

فالإيمان هو أكثر بكثير من التسليم النظرى بصحة عدد معين من العقائد، الإيمان أمر حياتي يعم سائر نواحي الحياة البشرية. انه لمن المؤسف أن نوعا من الازدواجية قد دخلت حياة العديدين من الناس. تظهر هذه الازدواجية في قول الناس بأنهم يؤمنون بالله الحي العظيم وفي عيشهم وكأن الله غير موجود! هذا الرياء، هذا النفاق قد مهد الطريق – لبروز صنمية القرن العشرين!

ويجدر بنا الاشارة إلى بعض الأمور الهامة التي علينا ألا ننساها لئلا نجذب جميعا في تيار الإلحاد المعاصر.

من المستحيل إنكار منجزات إنسان اليوم ومن التعصب الأعمى والقول بأن الطريقة العلمية هي غير سليمة – وذلك عندما تطبق في حقولها المشروعة. ولكنه من واجبنا الشهادة بأن منجزات إنسان اليوم والطريقة العلمية التي لجأ اليها للوصول إلى اكتشافاته الباهرة – هذه الأمور لم تحدث بدون بركة ومعونة روح الله القدوس. هذا العالم المبني على النظام الرائع والبديع والدقيق – هذا العالم لا يمكن أن يكافىء الإنسان على أبحاثه وأتعابه – فيما لو لم يكن تحت سيطرة واسراف الله الحكيم والعليم.

وتجاهلنا لله سيؤدى بعالمنا إلى الدمار. لقد شاهد قرننا همجية إنسان القرن العشرين في الحرب العالمية الأولى والثانية وما تلاها من حروب صغيرة، وهكذا فاننا لسنا بتشاؤميين عندما نقول اننا لم نعد نثق بالإنسان الثائر على الله، بالإنسان المستقل عن الله. ولا يجوز لنا – أن كنا موضوعيين وواقعيين – النظر فقط إلى منجزات إنسان اليوم في الحقول التقنية والعلمية، بل علينا أن نظهر اتزانا كاملا وإذ ذاك نصرح ونقول لقد أظهر إنسان القرن العشرين افلاسه المدقع في الحقول الإنسانية. لم تخل أيام الماضي من فظائع ومآس ذات أبعاد كبيرة، ولكن قرننا الذي يسمى بقرن النور والإشعاع، عرف مآس وفظائع هائلة!

وإذ نقر بذلك نرفض تماماً ونهائيا صنمية القرن العشرين ونشهد بأننا لا نجد بديلاً عن الإيمان الحي المحرر، الإيمان بالله وبوحيه الخلاصي. لقد افتقدنا الله عندما جاء الينا بواسطة كلمته السيد المسيح وعمل لنا خلاصا عظيما وفداء جبارا وهو يقول لنا في إنجيله الطاهر " 28تَعَالَوْا إِلَيَّ يا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ "

اللهم، نجنا من صنمية القرن العشرين وقد خطواتنا في سبيلك المستقيم، باسم المسيح، آمين.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع كلمة الحياة.

 

  • عدد الزيارات: 2091