Skip to main content

أخلاق بدون معتقدات دينية

عالم اليوم هو مخيف ولا حاجتنا إلى برهان ذلك لأننا نسمع كل يوم عن مظاهر مقلقة ومخيفة للغاية. الفوضى منتشرة وكذلك الرفض والابتعاد عن التراث الديني. وقد كتب أحدهم في مجلة أسبوعية " هناك موجة الردة على الماضي التي تغزوالعالم المتمثلة في الجنس والمخدرات والتظاهرات والثورات الطالبية وشيوع مذاهب اللاانتماء وغيرها والنـزوع إلى الحياة البدائية " تجاه هكذا ظاهرة مخيفة في عالم اليوم، ما العمل؟ كيف يمكننا أن نحافظ على قدر ضرورى من النظام والوئام لكي تستطيع البشرية أن تيحا بدون خوف؟

هناك عدة حلول تعرض علينا في أيامنا هذه. فقوم يقولون لنا : ليس هناك حل لجميع مشاكلنا سوى الحل العلمي. وماذا يعنون بالحل العلمي؟ مفهومهم للحل العلمي انما هو في تطبيق العلوم الطبيعية في الحياة أو اللجوء إلى ما يسمى بالتقنية أو التكنولوجيا لحل جميع ما نجابهه من مشاكل فردية كانت أم اجتماعية أم عالمية. ولابد لنا من الاقرار بأن التقنية قد أتت بمكاسب عديدة لدنيانا هذه. أفلسنا جميعا مستفيدين من الاختراعات التي تتلاشى بواسطتها المسافات بين القارات؟ أين هو الإنسان الذي لم يستعمل علاجا أو دواء أتت به مخترعاتنا المعاصرة؟ نعم ما أكثر وأهم المكاسب التي أتت بها التقنية المعاصرة؟ ولكنها لم تحل ولم تساعدنا على حل المشكلة الإنسانية أو المعضلة البشرية. على العكس صارت المشكلة البشرية أكثر حدة من الماضي. ولماذا؟ لأن الشخصية البشرية لا يمكن أن تعامل وكأنها جزءا من الطبيعة الصماء التي تحيط بنا. التقنية هامة ومفيدة ولازمة وضرورية لحضارة اليوم ولكنها لا تحل مشاكل اليوم لأن الشخصية البشرية لا تستطيع بأن تتغذى على أساس مادى فقط. ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!

ولقد لاحظ البعض من معاصرينا بأن المشكلة الإنسانية التي تزداد خطورتها من يوم إلى آخر لا يمكن معالجتها بالطريقة العلمية المحضة ولذلك فإنهم نادوا بضرورة اللجوء إلى الأخلاق " على شرط ألا تكون هذه مرتبطة بأية اعتقادات دينية أو فلسفية!

طبعا الأخلاق هامة جدا أي تلك المبادىء الأساسية التي تنظم حياة الإنسان وعلاقته بجاره. مثلاً : ما معنى الحرية وهل لها حدود؟ ما هي مسؤولية الإنسان في هذه الأيام؟ وعلى أي أساس يقال أن هذا هو حسن وجيد وصالح؟ ولكنه هل من الممكن الكلام عن هكذا أمور حياتية وهامة بمعزل عن مواضيع ذات أهمية مماثلة وذات علاقة حميمة بموضوع " الأخلاق " ؟ أهناك " أخلاق " بدون أساس؟ وهل يمكن أن يكون الأساس في الأخلاق أو في خارج الأخلاق؟ وما أن نبدأ بطرح هكذا أسئلة حتى ندخل في حقل المعتقدات أو الإيمان أو الدين أو الايديولوجيا. وبكلمة أخرى مع رغبة البعض في ايجاد أخلاق بدون معتقدات دينية أو ايديولوجية الا أنه من المستحيل ايجادها أو المجىء بها وكأنها قابلة للنشوء والنموفي الفراغ!

طبيعة الإنسان وتاريخ الإنسان وكل شيء يحيط به، كل هذه الأمور تقول لنا بأن كل محاولة لايجاد أخلاق بدون دين أو معتقد ما هي الا محاولة عقيمة ومستحيلة!

فعندما نتكلم قائلين بأن هذا الشيء هو صالح أو انه جيد أو منطبق على الحق نكون مستعملين لمقياس أو أساس أخلاقي خارج عن عقل أو تفكير الإنسان. وبكلمة أخرى هناك أساس خارجي أو موضوعي للأخلاق. للاخلاق علاقة حميمة بالشريعة والشريعة لا توجد من تلقاء نفسها بل انما أتت إلى الوجود نظرا لو جود مشرع أي معط للشريعة. بدون مشرع لا يمكن أن توجد شريعة وبدون شريعة لا يمكن أن توجد أخلاق وبدون هذه تصبح الحياة البشرية مستحيلة.

ولا يجوز لنا أن نسترسل في الكلام على هذا المنوال لأنه من الواجب الكلام عن المشرع لا بطريقة مبهمة بل بكل صراحة ولذلك نقول : أن الله هو واضع النظام والشريعة والقانون المختص بحياة الإنسان. ونحن لا نقول ذلك من تلقاء أنفسنا وكأننا اكتشفنا هذه الحقيقة بواسطة جهودنا الخاصة بل لأن الله ذاته لم يبق محجوبا عن الناس بل كشف ذاته في كلامه مع الناس أي في وحيه المقدس.

والوحي الإلهي يعلمنا بأن الله قد أعطانا نحن بني البشر أمرين هامين :

1. نظم الله الأمور المتعلقة بواجبات الإنسان تجاه الله أي أمور العبادة.
2. نظم الله الأمور المتعلقة بواجبات الإنسان تجاه قرينه الإنسان أي أمور الأخلاق وبكلمة أخرى ليست واجبات الإنسان ذات بعد واحد بل لها بعدين : البعد العمودى أي علاقة الإنسان بخالقه والهه والبعد الأفقي أي علاقة الإنسان بقرينه الإنسان. الاخلاق لا توجد إذن في الفراغ بل لها علاقة حيوية منطقية حميمة بمعتقدات هامة لا يمكن تجاهلها.
ولا بد لقائل من أن يعترض قائلاً : ولكن أن كان الله قد كشف ذاته وأعطى الإنسان شريعته فلماذا لا يعيش الإنسان كما ينتظر منه كمخلوق عاقل ينشد مجد ربه وباريه وخير أقربائه بني البشر؟ لماذا تظهر حياة الإنسان ولا سيما إنسان الثلث الأخير من القرن العشرين وكأنها حياة لا أخلاقية وحتى في بعض الأحيان اباحية؟

الجواب على هكذا أسئلة يكمن في وجود ميل هائل ضمن الإنسان يدفعه لعدم التقيد بمتطلبات الشريعة الإلهية ببعديها الهامين، فالإنسان لا يعبد الله كما يجب ولا يهتم بجاره الإنسان. هذا الميل نحو عدم التقيد بالشريعة يدعى بالخطية ولا خلاص منه الا بواسطة قوة المسيح الخلاصية والفدائية. فمتى اعترف الإنسان بشره وبفشله الذريع في الحياة كما ينتظر منه ووضع ثقته التامة والكلية في مسيح الله، فإذ ذاك يختبر أن الله قد قام ضمن حياته بتغيير جذرى شامل ذلك التغيير الذي ليس أقل من ولادة ثانية.

فالإنسان الجديد لا يعود ينظر إلى موضوع العبادة والأخلاق من الناحية النفعية بل نظرا لأن حياته بأسرها صارت مغمورة بالمحبة الإلهية يندفع هو بدوره إلى عالم اليأس والقنوط والعذابات ويحيا حياة المحبة، المحبة المستنيرة بالحق الإلهي والتي هي الأساس الوحيد للأخلاق التي يفتقر اليها علام اليوم. وإذ ذاك يضحي هذا الإنسان الجديد سفيرا للمصالحة الحقيقية المصالحة مع الله والمصالحة مع بني البشر.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع كلمة الحياة.

 

  • عدد الزيارات: 2466