الثقافة المعاصرة ومعرفة الله
إذ وصلنا الآن بمعونة الله إلى بحث جديد في هذا الجزء الثاني من كتاب : تأملات في الحياة المعاصرة، أو د أن أستغنم هذه الفرصة لشكر جميع الطلاب الذين كتبوا الينا وأظهروا اهتمامهم الخاص بهذه السلسلة من برامج ساعة الاصلاح. هذا المواضيع تهم الطلاب بصورة خاصة لانهم يجابهون هذه المواضيع يوميا في المدارس والكليات والجامعات. ولابد لنا من الاشارة هنا بأننا سمعنا من الطلاب ليس فقط من سائر أنحاء الوطن العربي العزيز بل أيضاً من العديد من البلاد الأوروبية حيث كانوا قد ذهبوا لمتابعة دراساتهم والتخصص في مختلف الأعمال والمهن.
وهكذا نرى ضرورة الكلام من حين إلى آخر عن المواضيع التي تهم الطلاب بصورة خاصة وهذا يقودنا الآن إلى البحث في موضوع الثقافة المعاصرة ومعرفة الله. نعرف الثقافة المعاصرة بالثقافة التي يحصل عليها الإنسان المعاصر في المعاهد الدراسية العديدة والتي تهيء الإنسان للعيش في عالم اليوم. وبما أننا نعيش وسط عصر علمي فان الدراسات العلمية أصبحت ذات أهمية قصوى ولاسيما تلك التي تطبق في الحياة. وتطبيق العلوم في الحياة اليومية يدعى بالتقنية أو التكنولوجيا.
وهنا يتوجب علينا القول بأنه من المهم جدا لنا أن نحصل على ثقافة علمية وتقنية لاننا لا نستطيع أن نفيد بلادنا أن لم نكن قد قمنا بذلك. حضارة اليوم هي حضارة تقنية / علمية وعلى كل أمة مجاراة التقدم العلمي، التقني الهائل الذي يجرى في عالمنا. طبعا هذا لا يعني أننا نهمل حقول المعرفة الأخرى كالادب والعلوم الإنسانية. ما نريد أن نشدد عليه هو أننا في البلاد العربية بحاجة ماسة إلى الوصول إلى مرتبة عالية فيما يتعلق بحقل العلوم الطبيعية والتقنية لئلا نصبح في مؤخرة قافلة الحضارة العالمية المعاصرة.
ولكنه يتوجب علينا في نفس الوقت بألا نأخذ جميع مقومات الثقافة المعاصرة بدون نقد مبني علىالواقعية المنبثقة عن معرفتنا لله. وبكلمة صريحة نقول : مع أهمية وأولية الثقافة العلمية والتقنية المعاصرة الا أننا لا نود أن نبتلع معها الاسس الفلسفية والمبادىء الايديولوجية التي تغذيها في أغلب الاحيان. نحن نقر بأهمية العلوم والثقافة العلمية لجميع الامم الناهضة ولكننا لا نعني بأن الآراء الفلسفية المصاحبة لها هي هامة أو مفيدة.
لماذا نتخذ هذا الموقف الانتقادى؟ أيعود هذا لاننا نود بأن نكون من دعاة الرجعية الفكرية أو الانعزالية؟ كلا وألف كلا أننا نأخذ موقفا انتقاديا من بعض مظاهر الثقافة المعاصرة لاننا لا نستطيع أن نقبل مبادئها اللادينية أو ضد الدينية. تقدم المعرفة للناس في أيامنا هذه وكأن الله هو بدون أهمية للعلوم والثقافة والحياة الفكرية والايديولوجية. هذا لا يعني أن الإنسان الذي يتلقى هذه الثقافة المعاصرة يجبر بأن يصبح بدون إيمان بالله. كلا! الثقافة المعاصرة مطبوعة بطابع الاحترام للآراء الشخصية والمعتقدات الشخصية. ولكن الثقافة المعاصرة تظهر في أو قات كثيرة وكأنها لا تأبه مطلقا بموضوع الله والحق الموضوعي. انها صامتة كل الصمت عن أعظم حقيقة في الوجود. انه تدعي الحيادية بالنسبة لله. ولكنه هل هناك من حياد معقول في موضوع أعظم حقيقة في الوجود؟
ماذا يحدث للذى يود بأن يرشف من العلوم المعاصرة في وسط غير آبه بالله وبكلمته وبشريعته؟ لابد لهكذا شخص بأن يرى حربا ضروسا وقد اشتعلت ضمن حياته الفكرية : فمن جهة انه مؤمن بالله الواحد الحقيقي صانع السماء والأرض وكل ما في الوجود ومن جهة أخرى ينظر إلى كل ما في الوجود وكأنه موجود أو كائن من تلقاء ذاته وكأن الله تعالى هو بدون أهمية للمعرفة العلمية! أهذا هو واقع سليم وحسن وجيد بالنسبة لحياتنا الفكرية؟ هل هذه الازدواجية صحية بالنسبة لعقل الإنسان؟ هل الله مهم فقط في الأمور التعبدية؟ أن قبلنا هذه الفكرة العصرية عن الله أفلا نكون قد تركنا الله الحقيقي واخترعنا لأنفسنا صنما جديدا.
وهنا من ينبرى قائلاً : هل نعني بأن الثقافة والعبادة هما شيء واحد كلا! ليست العبادة بالثقافة والثقافة ليست بالعبادة. لكن الله واحد وهو الذي يطلب منا أن نعبده ونسجد له وكذلك يطلب منا أن ندرس عالمه ونخضعه – أي نخضع العالم الذي هو خليقة الله – ونسخر كافة موارده لخدمة ومنفعة البشرية جمعاء. أيجوز لنا أن ننسى الله عندما نشرع بدراسة عالمه؟ هل الله تعالى اسمه على طراز آلهة الوثنيين الذين كانوا ضعفاء وأشبه بالناس صانعيهم؟ حاشا! أن الله هو الخالق والمعتني بكل ما في الوجود وهو الذي يعطي كل ما في الوجود قيمته ومعناه وغايته.
وهكذا فأننا لن نقبل كمؤمنين الاسس الفلسفية / الايديولوجية التي تنادى بالطلاق الفكري والعقائدى بين الله وأمور عالمه. على العكس، نحن ننادى بأهمية دمج معرفتنا لله بمعرفتنا العلمية إذ أننا لا نؤمن بطلاق بين أمور الله وعالمه.
ما هي بعض الأمور الايجابية التي تبرز إلى الوجود فيما إذا تغلغلت معرفتنا لله وبأمور وحيه المقدس في سائر أمور الحياة العلمية والتقنية في عصرنا هذا؟
1. نعترف قبل كل شيء أن جميع الاختراعات الباهرة التي تمت والتي تتم في هذه الأيام تجرى بفضل الله وارشاده للعلماء – ولوكان البعض لا يؤمنون به وبوجوده.
2. البحوث العلمية التي تجرى والتي ستجرى يجب أن تكون لصالح البشرية جمعاء. لقد أعطانا الله حب الاستطلاع والاكتشاف لا لكي ندمر أنفسنا بأنفسنا بل لنشيد حضارة ونمجد اسمه القدوس.
3. عندما نصل إلى اكتشاف أمور باهرة أو هائلة فإنه يجدر بنا أن نتذكر بأن الله مشرف على الكون واننا لا نستطيع أن نستعمل هكذا اكتشافات وكأننا سادة العالم والكون. وبعبارة أخرى : على كل واحد منا أن يذكر أهمية مخافة واحترام الله. أن لم تمتلىء القلوب بهذه المشاعر فأننا نتكبر ونتشامخ ونجلب علينا وعلى عالمنا دينونة الله.
4. القوانين الطبيعية التي نشاهدها أو التي نكتشفها في هذا الكون هي من صنع الله ولذلك علينا أن نحترمها لانها تعبر عن الارادة الإلهية. ومعرفتنا لهذه القوانين يجب أن تستعمل في الأمور الايجابية والبناءة. وعندما نستعملها سلبيا للهدم فلنلم أنفسنا، لا الله خالقنا!
عندما تكون هذه الأمور التي أو ردناها أعلاه قد أشبعت ثقافتنا ومعارفنا العلمية فأننا نكون قد أستفدنا من مكاسب الحضارة العالمية المعاصرة. ولكننا أن اهملنا ذلك ولم نعد مهتمين بأمور الله ونحن ننهل من ينابيع الثقافة المعاصرة، فأننا نكون قد فشلنا في الحصول على الحكمة الحقيقية. وإذ ذاك فأننا لن نستفيد في النهاية من حضارة القرن العشرين العالمية. فهذه الأخيرة أن جردت من جميع علاقاتها بأمور الله ستجر دنيانا إلى الدمار والخراب!
- عدد الزيارات: 2658