Skip to main content

الأنبياء

معجزة أليشع الثالثة

أليشع يلعن الساخرين

(2ملوك 2:2 25)

سافر أليشع من أريحا الى بيت إيل، وفيما هو في الطريق اذا بمجموعة صبيان صغار قد خرجوا من بيت إيل يسخرون منه قائلين: »يا أقرع! يا أقرع!«. ولعله كان أصلع الرأس. فلعن الأولاد. وهنا خرجت دبتان من الوعر افترستا من الأولاد اثنين وأربعين ولداً. وقد تتعجب من تسميتنا هذه الحادثة بأنها معجزة. وقد تتساءل: كيف يستجيب الله طلبة نبيّه وهو يطلب قتل أولئك الأولاد الصغار الذين سخروا منه؟

لا يجب أن تنسى أن هذا حدث في زمن شريعة موسى، التي تُعلّم أن عيناً بعين وسناً بسن، ولم تحدث في زمن السيد المسيح الذي علَّم تلاميذه : »أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ« (متى 5:44).

لقد نظر النبي أليشع إلى الأولاد الذين سخروا منه على أنهم فرقة من جيش الشيطان، أرسلهم إبليس ليقاوموه، فلم ير فيهم أولاداً صغاراً بل رآهم جيش أشرارٍ قادماً عليه. وأراد كذلك أن يتعلَّم أهل بيته وبنو إسرائيل جميعاً أن الله الإله الحي قادرٌ أن يحمي عبده من مؤامرات الأشرار.

وهذه المعجزة الثالثة ترينا مصير المستهزئين. المستهزئ يسخر دائماً من الآخرين. وهي خطية منتشرة في أكثر الذين يسخرون من عيوب الناس التي لا يد لهم فيها. لم تكن لأليشع يد في أن يكون أشعر أو أقرع. ولا ننسى أن الذي يهزأ بخادم الرب يستهزئ بالخدمة نفسها، ولا بد أن الله يسرع لإنقاذ خادمه. ويقول لنا نبيُّ الله داود: »طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الْأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ« (مزمور 1:1). فالإنسان الحكيم هو الذي لا يجلس مع المستهزئين، وبالتالي لا يشاركهم سخريتهم بالآخرين.

وهناك نقطة أخرى: المستهزئ قد يثير غضب الحليم، فهو يقسّي قلبه أمام التوبيخ العادي. وتقول التوراة إن أليشع لعن الأولاد الذين سخروا منه »باسم الرب«. فلقد طلب من الله أن يوقع عقوبة على هؤلاء الأولاد. لقد أثاروه - مع أنه رجل طيب طويل الأناة. ولا بد أنه حاول أن يُسكتهم مراراً، ولكنهم لم يرتدعوا. لعل واحداً في الطريق حاول أن يسكتهم ولكنهم لم يهتموا، بل مضوا في غيّهم واستهزائهم. فلا بد إن المستهزئ يلقَى عقابه. وقد قال إمام الحكماء سليمان: »لَا تُوَبِّخْ مُسْتَهْزِئاً لِئَلَّا يُبْغِضَكَ. وَبِّخْ حَكِيماً فَيُحِبَّكَ« (أمثال 9:8). ثم مضى يقول: »اَلِابْنُ الْحَكِيمُ يَقْبَلُ تَأْدِيبَ أَبِيهِ، وَالْمُسْتَهْزِئُ لَا يَسْمَعُ انْتِهَاراً« (أمثال 13:1). »اَلْمُسْتَهْزِئُ يَطْلُبُ الْحِكْمَةَ وَلَا يَجِدُهَا، وَالْمَعْرِفَةُ هَيِّنَةٌ لِلْفَهِيمِ« (أمثال 14:6). »اَلْمُسْتَهْزِئُ لَا يُحِبُّ مُوَبِّخَهُ. إِلَى الْحُكَمَاءِ لَا يَذْهَبُ« (أمثال 15:12).

أضرار السخرية بالغير:

إن الله لا يغضّ النظر عن أخطاء الشباب التي يظنُّ الناس أنها طبيعية في هذه المرحلة من العمر. ولا بد من أن يعاقب الله خطيئة المخطئ. يقيس الناس العيوب بمقدار الضرر الذي تحدثه في العالم المحيط بهم، ولكن الله يقيس العيوب بمقدار الضرر الذي تحدثه في الذين يقومون بها. والظالم في القليل ظالم أيضاً في الكثير.

وعلينا أن نتأمل دوماً في تأثيرات ما نفعل بالآخرين. إن الذين يَسْخرون بغيرهم يمتلئون بالسعادة لأنهم أذلّوا كرامة الإنسان. لكن ماذا عن الإنسان الآخر الذي أُذِل؟

وهناك نقطة أخرى: لا يجب أن يغيب عن بالنا أن خطايا الشباب تستمر معهم إلى الشيخوخة. إنها تُظهِرُ طبيعة نفوسهم، ونَقْصَ محبتهم لله، ونقص إحساسهم بمشاعر الآخرين. ولذلك فإنه جيد للإنسان أن يعرف الله في شبابه، كما يقول صاحب سفر الجامعة: »اذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ« (جامعة 12:1). ويوصي إمام الحكماء سليمان الآباء أن يؤدبوا أولادهم، فيقول: »مَنْ يَمْنَعُ عَصَاهُ يَمْقُتُ ابْنَهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ يَطْلُبُ لَهُ التَّأْدِيبَ« (أمثال 13:24). »رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضاً لَا يَحِيدُ عَنْهُ« (أمثال 22:6).

قد نختلف اليوم مع النبي أليشع في أنه طلب من الله أن يهلك الأولاد الذين سخروا منه، لكن الدرس الذي يجب أن يبقى معنا هو أن نحترس من السخرية بالآخرين، وأن ننتبه إلى أن العادات التي نزرعها في أيام شبابنا ستبقى معنا إلى كهولتنا.

  • عدد الزيارات: 1730